يومٌ من حياتي: "عملي في المكتّبة جعلني أدرك المعنى الحقيقي لخدمة المجتمع"

من المؤكد أن وظيفة أمين المكتبة ليست من الوظائف التي تبعث على الملل. منذ أن بدأتُ مسيرتي مع مكتبة قطر الوطنية بتاريخ 8 يناير 2012، كان دوري مثيرًا للاهتمام وحافلًا في الوقت ذاته، فقد شهدتُ منذ ذلك الحين على العديد من التحوّلات سواءً داخل المكتبة، أو حتى على المستوى الشخصي.

تقع مكتبة قطر الوطنية داخل حرم المدينة التعليمية بمؤسسة قطر. وقد كنت موجودة عندما تبلورت المكتبة في بدايتها، وحينما فتحت أبوابها أمام الجمهور للمرة الأولى.

على صعيد شخصي، علّمتني المكتبة أن أقدّر التنوع والاختلاف، سواء كان في اللغات أو الخلفيات الثقافية والتعليمية أو المعتقدات وغيرها. عملي في المكتبة جعلني أدرك قيمة تقديم خدمة المجتمع، وأن اتجاوب مع أسئلة كثيرة ومنها البسيط في الشكل، والعميق في الجوهر، مثل "هل تبيعون كتب الأطفال؟" وآخر مثل "هل لديكم مصادر حول طريق الحرير؟" بنفس القدر من الأهميّة.

6 صباحًا
لا أستغرق وقتًا طويلًا في الاستعداد صباحًا. أستيقظ عادة في تمام الساعة 6 صباحًا، وفي غضون عشرين دقيقة، أكون جاهزة لمغادرة المنزل. لكنّ العمل عن بُعد من المنزل اختصر هذه المدة إلى النصف.

كحال معظم أنحاء البلاد، بدأنا بالعمل من المنزل منذ شهر مارس 2020. لقد أدخلت جائحة كوفيد-19 تغييّرات مفاجئة على الخدمات التي تقدمها مكتبة قطر الوطنية، ولكنني أعتقد أنها كانت تغييرات إيجابية، فقد ساعدت على الوصول بشكل أفضل إلى الجماهير المستهدفة، وتقديم خدمات أفضل للمستخدمين الحاليين. نجحت مكتبة قطر الوطنية في التكيّف مع هذه التغيرات في ظل حالة عدم اليقين التي كنا نعيشها، واستطاعت أن تواجه التحديات، وتوجد الطرق المناسبة للانتقال إلى المنصات الإلكترونية بعناية فائقة.

قبل أن استهل عملي، أحضر كوب القهوّة الأوّل في يومي، ثم أتصفح قائمة مهامي اليومية، وأدوِّن ملاحظات حول الأعمال ذات الأولوية، ورغم أنني أحتفظ بكل تلك المعلومات في ذهني، إلا أنني أفضل تدوينها، وأشعر بأن يومي لا يكتمل دون ذلك.

7:30 صباحًا
أتفقّد بريدي الإلكتروني وجدول الاجتماعات. منذ أن بدأت العمل من المنزل، زاد عدد الاجتماعات عبر الوسائل الافتراضية بنسبة 300 بالمائة، لاسيّما خلال الأشهر الأولى من اندلاع الجائحة، حيث كنا نتخذ العديد من القرارات الجديدة ونجري العديد من التغييرات. بلغ أقصى عدد من الاجتماعات خلال اليوم الواحد 6 اجتماعات.

أعمل في قسم البحوث والتعلّم بالمكتبة، وهناك أيضًا أمناء مكتبات في أقسام أخرى، مثل مكتبة التراث ومكتبة الأطفال، بالإضافة إلى المجالات التقنية، مثل إدارة المصادر الإلكترونية والترخيص، والاستحواذ، والفهرسة، وتكنولوجيا المعلومات. من المهام الرئيسية في قسم البحوث والتعلّم هي مساعدة المستخدمين في العثور على المعلومات واستخدامها بشكل فاعل للتطوير الذاتي والأكاديمي والمهني. بمساعدة تكنولوجيا المعلومات المتقدمة، أصبح من السهل تنظيم وإدارة المعلومات بطريقة تلبي احتياجات الزوّار، وبات من المهم امتلاك مهارات المعرفة الرقمية والمعلوماتية اللازمة.

8 صباحًا
تم تكليف أمناء المكتبة في قسم البحوث والتعلّم بمناوبات محددة لإدارة المكتب المرجعي والإجابة على أسئلة الجمهور والاستشارات البحثيّة، وتقديم مساعدة متعمقة للمستخدمين. هذه الخدمات كانت من بين تلك تم نقلّها إلى المنصات الإلكترونية. ومؤخرًا، تمت إضافة أداة محادثة فورية أيضًا إلى موقع المكتبة الإلكتروني. منذ ذلك الحين، زاد عدد الاستفسارات بشكل هائل.

أعتقد بأن لهذا الدور أهمية خاصة جدًا، فهو أفضل وسيلة للتواصل مع المستخدمين والتفاعل معهم. في الآونة الأخيرة، تلقيت سؤالًا من أحد الأفراد حول العضوية في المكتبة، وأثناء المحادثة، ذكر أنّ أحد أفراد عائلته يتلقى العلاج في المستشفى وهو يبحث عن وسائل ليخفف من معاناته وشعوره بالوحدة. جعلتني هذه المحادثة أدرك مدى تأثير المكتبة على حياة المستخدمين.

تتميز مكتبة قطر الوطنية ببيئة فريدة من نوعها، فقد نجحت في مزج الأصالة مع الحداثة، والخدمات التقليدية مع التقنيات الحديثة كمحطات الاستعارة وإرجاع الكتب ذاتيًا، ونظام فرز الكتب الآلي، وقد ساعدت تلك التقنيات على زيادة الإنتاجية وتحسين الخدمات المقدمة. ولكن أكثر ما يميز المكتبة هو اهتمامها بدعم تحول البلاد إلى اقتصاد مستدام؛ وتفانيها في دعم البحث والتعلم؛ والتزامها بالمحافظة على تراث البلاد، مما كان له أثر إيجابي على حياة العديد من الأفراد.

9 صباحًا
خلال مناوبتي في إدارة المكتب المرجعي، وإذا سمحت لي الفرصة، أحاول أن أنجز بعض المهام الأخرى. من المسؤوليات التي أتطلع إليها كل عام هي مهمة اختيار وتقييم العناوين الجديدة التي يمكننا إضافتها إلى مجموعات الكتب والدوريات وقواعد البيانات. انتهيت مؤخرًا من إعداد قائمة توصيات الكتب باللغة الإنجليزية باستخدام منصتين مختلفتين. عندما كنا نعد المجموعات الأولية للمكتبة، كان يشرف على عملية الاختيار مجموعة محدودة منا، وعلى الرغم من صعوبة تلك المهمة، إلا أنها كانت تجربة رائعة تعلمت منها الكثير.

1 ظهرًا
خلال هذه الفترة، أواصل العمل على إحدى أولى المهام التي كلفت بها بعد جائحة كوفيد-19، وهي إعداد دليل يُمكن الاستفادة منه للوصول إلى المعلومات الصحيحة بهدف حماية مستخدمينا. وقريبًا، سوف نقوم بنشر مجموعة من أدلة "ماذا أفعل؟" لمساعدة مستخدمي المكتبة عن بُعد في الوصول إلى المصادر الإلكترونية بفاعلية، مثل المجلات والكتب الإلكترونية والموسيقى. تتطلب إدارة هذه المهمة التزامًا كبيرًا، إلا أنها فرصة رائعة لاكتساب المعلومات حول استخدام أنظمة إدارة المحتوى.

خلال الشهر الماضي، عملتُ على إعداد برنامجين، الأوّل بعنوان "ألغاز وأحاجي للكبار: متعة الألعاب المحيرة للعقل"، والذي يحفز المشاركة الاجتماعية من خلال حل الألغاز، والثاني بعنوان " الاستفادة القصوى من الخدمات الإلكترونية للمكتبة" والذي يهدف إلى تعزيز المهارات الرقمية لدى مستخدمي المكتبة.

تخطيط البرامج الجديدة قد يستغرق وقتًا طويلًا من يومي، إلا أنني أجده ممتعًا جدًا لأنه يتيح لي فرصة الإبداع. في مكتبة قطر الوطنية، يتم تصميم البرامج لتشجيع المشاركة المجتمعية والتعلّم مدى الحياة، وتعزيز المعرفة الرقمية والمعلوماتية، وتحسين المهارات البحثيّة، ودعم بناء القدرات.

2 ظهرًا
تنتهي فترة مناوبتي في خدمة المحادثة، ويصبح بإمكاني التركيز على المهام الأخرى والرد على رسائل البريد الإلكتروني.

4 عصرًا
شارف اليوم على الانتهاء. أقوم بتدوين قائمة المهام لليوم التالي، أقفل باب مكتبي المنزلي، وأسجل الخروج في الساعة الرابعة عصرًا.