للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
الأوركسترا الفلهارمونية تقدم عرضًا رائًعا يستحق حضور أكبر لعزفها كونشيرتو الكمان الأول لبروخ
جميع الأعمال الموسيقية الرائعة تُبدع في مكان وزمان محدد، وعدم معرفة السياق التي نتجت فيه الأعمال تجعل قيمتها مجردة. وكما عكست موسيقى جورج غيرشوين التي تمزج بين الجاز الأمريكي الإفريقي المشهور والموسيقى الكلاسيكية، والتي جسدت عصر الازدهار في العشرينات من القرن الماضي في أمريكا، فإن أعمال دميتري شوستاكوفيتش عكست كذلك ببراعة المشاعر حول الحرب المرعبة التي دارت في وطنه الأم روسيا.
العمل الموسيقي الذي عرضته أوركسترا قطر الفلهارمونية مؤخرًا من تأليف ماكس بروخ، وهو ملحن ألماني عكس في الموسيقى التي لحنها أجواء موطنه ألمانيا التي كانت لا تزال في بداية نشأتها، فألمانيا الحديثة تم إنشاؤها عام 1871 حينما كان بروخ في الثلاثينيات من عمره وفي ذروة حياته المهنية. وبعد فترة قصيرة، ظهرت ألمانيا كقوى أوروبية طغت على إمبراطورية هابسبورغ في النهاية.
وبالتالي فقد عكست الموسيقى التي ألّفها بروخ وبأسلوب رومنسي، الوفرة والازدهار والأوضاع المستقرة التي ظهرت حديثًا في ألمانيا مما أتاح لها المجال لدعم الفنون وتقديرها. وعاش حينها بروخ في العصر الذهبي لألمانيا، وكان أسلوبه يخلو من الهواجس التي كانت تتخلل معاصره الألماني، ريتشارد فاغنر، وأكثر شبهًا بالملحن الفرنسي، كلود ديبوسي.
وتعدّ كونشيرتو الكمان الأول أكثر الأعمال الإبداعية التي ألّفها بروخ، والتي قدّمتها أوركسترا قطر الفلهارمونية بقيادة توبياس فيلدمان، عازف الكمان المنفرد، والمايسترو ديفيد نيمان.
ويبدو أن أنغام نيمان، وهو أحد المواهب الألمانية النامية سريعًا، تتناسب مع الأنغام الدقيقة التي تتميز بها الكونشيرتو، إلا أن عازف الكمان فيلدمان كان نجم تلك الليلة، فبعد أداءه الفردي المفعم بالحيوية، هتف له الجمهور بشدة، فأدّى العرض مرة أخرى بعد أن تم استدعائه إلى المسرح مرارًا وتكرارًا وهو يُحيّي الجمهور.
وبالإضافة إلى الكونشيرتو لـبروخ، أدّت الأوركسترا كذلك "لوسيو سيلا" لـموتسارت، والسيمفونية السابعة لـبيتهوفن، الأولى عزفتها فرقة العمود الفقري للأوركسترا، والثناية عزفتها الأوركسترا ختامًا للأمسية المثالية.
أقيم الحفل الموسيقي في القاعة الـ3 بمركز قطر الوطني للمؤتمرات، وفي حين أن الحفل لم يقام في مركز لينكولن أو قاعة كارنيجي، وهما أثنان من أهم الأماكن التي تُعرض فيها الحفلات الموسيقية الكلاسيكية، إلا أن قاعة مركز قطر الوطني للمؤتمرات مجهزة بصوتيات رائعة. كما إن الحفل لم يجذب العديد من الحضور التي غالبًا ما تجذبها الأوركسترا في حفلاتها، وهو أمر مؤسف نظرًا لمستوى الفنانين الذين أدوا العرض الموسيقي.
ربما علينا أن نتذكر في بعض الأحيان أن الحفل هو جزء من أمسية، وليس فعالية فردية، فغالبًا ما يقوم الأفراد بتنظيم أمسيتهم حول مسرحية أو عرض أو أي فعالية ثقافية أخرى. وربما لم يعرف الجمهور بإقامة هذا الحفل بالتحديد. ولكن مستوى الموسيقى التي تم عرضها بالأمس كانت بالتأكيد تستحق حضورًا أكبر.
وقريبًا سيقام الحفل الموسيقي التالي لأوركسترا قطر الفلهارمونية في مكان مختلف تمامًا يقع على الجانب الشرقي من مانهاتن، وبالقرب من ضفة النهر الشرقي في نيويورك، وذلك في 24 أكتوبر، حيث ستقوم الأوركسترا بأداء أعمال هالة العمادي ودانة الفردان، بقيادة المايسترو إيمير نون، في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة بمناسبة يوم الأمم المتحدة. إنه شرف تستحقه أوركسترا قطر الفلهارمونية.