للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
الأمل والتمسك بالأسرة ساعدا الشيف القطرية عائشة التميمي في مواجهة أصعب التحديات في حياتها
قبل 5 سنوات، كانت منهمكة في توضيب الأمتعة، استعدادًا لرحلة إلى الخارج تنطلق في اليوم التالي، عندما طرقت ابنة شقيقتها-طبيبة- باب المنزل ودخلت وفي عينيها ألف كلمة، وفي ملامحها ألف سؤال، وبين يديها، أوراق طبية مخبئة في ظرف يحمل داخله حكاية ألم وأمل.
"خالتي، أرجو منك أن تقومي بزيارة الطبيب فور وصولك إلى وجهتك، عديني بأن تفعلي ذلك".
" حسنًا، لا مشكلة سأفعل، هلا ساعدتني في رفع هذه الحقيبة الآن؟"
هكذا كان جواب الشيف عائشة التميمي، السيدة القطرية التي تعد أشهر الطهاة المحترفات في قطر، والتي بدأت للتو في خوض رحلة تحد مع سرطان الثدي، متزودة بالوعي والإيمان وبكل ما يجسد شغفها في هذه الحياة.
ففي ذلك اليوم، لم تكن تدرك عائشة أن النصيحة بزيارة الطبيب فورًا، والتي لم تتلقاها بجدّية، كان سببها نتيجة فحص أشعة (الماموجرام) التي تؤكد إصابتها، لقد كانت واثقة من أن كل تلك المخاوف والشكوك التي راودتها هي مجرد أوهام، وأنها ستحظى بالرحلة الممتعة التي تنتظرها مع أسرتها بفارغ الصبر، دون أن تتخيل للحظة واحدة أن تلك الرحلة ستكون مختلفة جدًا ومليئة بالتحديات.
عائشة التميمي، هي واحدة من أشهر الطهاة القطريات
الخبر المؤلم
تصف عائشة لحظة تلقيّها خبر إصابتها بأنها أشد اللحظات إيلامًا في حياتها، حيث أخبرتها الممرضة أن صدرها اليمين بخير، أما اليسار ففيه "سرطان صغير": “سرطان صغير"؟ يا لقساوة هذه العبارة، من أين أتى ولماذا أنا تحديدًا؟ وما الذي سيحصل لي؟ هل سيتساقط شعري كله؟ هل سيصيبني العجز والوهن، فأضعف وأنهار شيئًا فشيئًا؟ وكيف سيراني من حولي أعاني وأتعذب وأنا التي يلجأ إليها الجميع كلما شعروا بحزن أو غمٍ، وكيف سأقوى على الصمود وأنا التي اعتادت أن تمد الآخرين بالقوة والشجاعة لمواجهة أي مرض أو عارض صحي يصيبهم؟"
كانت إمكانية الخضوع للعلاج الكيماوي هي أكثر ما أخاف عائشة على الرغم من خلوّ تاريخها الأسري من هذه الحالة، وتحت تأثير صدمة الخبر، جلس معها طبيبها وسألها: "هل ترغبين في استئصال الثدي أم الورم"؟ سؤال لم تملك أي جواب له سوى سيل من الدموع لم تتوقف قبل شهرين من الآن!
وقال الطبيب متابعًا: "بفضل الاكتشاف المبكر للورم، الكتلة السرطانية ما زالت صغيرة الحجم ولم تصل إلى الغدد اللمفاوية بعد، وذلك يعني أنك لن تضطري للخضوع للعلاج الكيميائي، بل لعلاج إشعاعي للقضاء على الخلايا السرطانية، والذي يجب أن يتم في أسرع وقت ممكن".
انقلبت حياتها رأسًا على عقب عندما أصيبت بسرطان الثدي
رحلة العلاج
الأمتعة التي وضبتها عائشة لرحلة ترفيهية، نقلتها إلى المستشفى من أجل رحلة علاجية بدأت مع إجراء العملية، لتعود بعدها إلى الدوحة وتبدأ مباشرة بالخضوع للجلسات في قسم العلاج الإشعاعي في مستشفى الأمل التابع لمؤسسة حمد الطبية، وذلك ل 6 أيام في الأسبوع، وقد بلغ عددها 33 جلسة.
تقول عائشة: "عندما أخبروني أن يوم العيد هو من بين أيام الجلسات، شعرت بالحزن وطلبت تأجيل الموعد لليوم التالي، لأنني لم أرغب أن تختطف مني لمة الأسرة في البيت الكبير، بعد أن سرق المرض الكثير من أيامي الجميلة".
تلك المرأة التي كانت مجرد إطلالتها تبعث بكل الحاضرين طاقة إيجابية لا مثيل لها، تصف مشاعرها اليوم باليأس. فطوال فترة العلاج، لم تكن ترغب بأي شيء سوى الجلوس باكية في سريرها والتأمل بما أصابها دون أن تتوقف عن طرح سؤال هو بمثابة لغزٌ محير لها: لماذا أنا؟
لم تكن تنام ليلًا، لم تكن تخرج إلى النور، وتوقفت حتى عن ممارسة هوايتها التي تمثل شغفها الأكبر في الحياة وهي الطهو، فرائحة الخبز الطازج الذي كانت تعجنه يوميًا لم تعد تمتلك تلك القدرة على تبديل مزاجها، ولم تعد تتذكر طعم الحلويات الشعبية التي اعتادت أن تصنعها، بكل اختصار، لقد تغيّر كل شيء!
تأمل عائشة أن تسهم من خلال مشاركة تجربتها في رفع الوعي حول سرطان الثدي وأهمية الكشف المبكر.
قوة الإيمان
ما أحدث الفارق الكبير بالنسبة لعائشة، الأم والجدة والرفيقة، كان دعم الأسرة لها، حيث عائشة: "كان الجميع يذكرونني بمواقف سابقة علّمتهم خلالها كيف يحاربون الخيبة بالأمل، والحزن بالتفاؤل، والمرض بالصبر والقوة، ومن بين هؤلاء ابنتي التي قالت لي، أنت رفيقتي وسندي ومصدر قوتي في الحياة، فكيف نمضي قدمًا في حياتنا إذا كان من يمنحنا القوة غارقًا في اليأس؟".
تقول عائشة: "منذ ذلك الحين، بدأت أستعيد نفسي، مستمدة القوة من أبنائي، وأقاربي وكل أصدقائي، حتى حفيدايّ الصغيران اللذان كانا يتسابقان على الارتماء في حضني وتقبيلي، فقد أمداني بالقوة لأتابع رحلة العلاج المنهكة حتى النهاية".
لقد ساعدني إيماني في الشفاء، وكأن السرطان رسالة لجعلي أشد قناعة بما كتب لي في هذه الحياة
أكدت عائشة أنها خلال المرض باتت تقرأ القرآن بتمعن أكثر، وتؤدي صلاتها بخشوع أكبر، فقد أصبحت أكثر تقربًا من الله، حيث تقول: "لقد ساعدني إيماني بالله في الشفاء، لقد كان الله يقف معي في كل لحظة ولم يتخل عني، وكأن المرض رسالة لجعلي أشد قناعة بما كتب لي في هذه الحياة".
بدأت عائشة تستعيد عافيتها شيئًا فشيئًا، فالعلاج قد نجح وزياراتها للطبيب باتت تقتصر على الفحوصات التي تجريها كل 4 أشهر، ثم كل سنة، ما عدا بعض المخاوف التي كانت تعتريها من وقت لآخر حول عودة المرض، والتي كانت تنتهي بمقولة الطبيب: "أنتِ بألف خير، توقفي عن القلق ".
مشاركة التجربة
في تلك المرحلة أيضًا، قررت عائشة أن تتحدث عن تجربتها علنًا، وأن تشارك قصتها مع الآخرين من أجل مساعدتهم في التعامل مع هذا المرض، فبدأت تشارك في حملات توعوية في مختلف المراكز الطبية في قطر حول سرطان الثدي، وتتحدث عن دور الكشف المبكر في إنقاذها من معاناة أكبر ومخاطر أعلى، كما أقامت شبكة علاقات اجتماعية مع مجموعة من مريضات سرطان الثدي والمتعافيات، حيث يعملن معًا على نشر التوعية وتقديم الدعم المعنوي لهن".
وبشفائها، بدأت الشيف القطرية ممارسة شغفها في عالم الطبخ من جديد، حيث أصدرت كتابًا حول الأطباق القطرية الشعبية، وشاركت في فعاليات عالمية للطهو.
حب وعطاء
وفي شهر مارس الماضي، كانت عائشة التميمي تقف على مسرح الطهي المباشر في حديقة الأكسجين في المدينة التعليمية بمؤسسة قطر، خلال مهرجان قطر الدولي للأغذية 2019، لتحضر وجبات قطرية، ولتبتكر أنواعًا من الخبز بينما تخبر الجميع أن رائحة الخبز تشبه رائحة الحياة، فكلاهما يصنعان من مكونات متشابهة، مزيجٌ من حبٍ وشغف وعطاء.
لقد علّمني سرطان الثدي تقدير نفسي، واحترام احتياجاتي الشخصية، علمني أن أحب ذاتي، وهو الدرس الذي أحاول أن أنقله للنساء الأخريات
تقول عائشة: "بعد كل محنة نمرّ بها، نولد من جديد فنصبح أقوى وأشد تمسكًا بالحياة، لقد علّمني المرض تقدير نفسي، واحترام احتياجاتي الشخصية، علمني أن أحب ذاتي، وهو الدرس الذي أحاول أن أنقله للنساء الأخريات، فحب الذات يجعلنا أكثر عطاءً كي نؤدي رسالتنا في المجتمع على أكمل وجه".
وتابعت: " لقد جعلتني تجربتي مع سرطان الثدي أكثر شبابًا، وأكسبني قوة جديدة، إن الحياة ثمينة جدًا، والعمر ليس سوى رقم لا قيمة له أمام حجم الفرح الذي نعيشه في هذه الدنيا".