إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | المجتمع
6 May 2019

من قطر إلى كوكس بازار

مشاركة

أدرك الطالب راشد المرّي أن رحلته التطوعية إلى بنغلاديش ستكون رحلة فريدة من نوعها، إلا أنه لم يدرك أنها ستغير حياته.

تسعى مؤسسة قطر، من خلال برامجها الشبابية المتنوعة، إلى إلهام الشباب للابتكار في مجالاتهم المختلفة – حيث يبذل العديد من الشباب جهودهم لتحقيق النجاح ويوجهون طاقاتهم نحو تأسيس مشاريع مبتكرة، وإجراء بحوث رائدة، وقيادة جلسات حوار، كما مثّل العديد منهم، وخصوصًا الفائزين بجوائز مرموقة، الدولة ومؤسسة قطر في منصات عالمية، فأصبحوا قدوة لزملائهم وللمجتمع ككل.

وهناك أيضًا أفراد قد ألهموا الآخرين وأصبحوا مثالًا للطموح العالي، وممّن لا ينتمون إلى فئة المبتكرين، أو المتناظرين المتميزين، والحاصلين على جوائز عالمية، إنما أثبتوا مكانتهم لما أحرزوه من إنجازات ذات تأثير إيجابي على المجتمع وما وضعوه من بصمة أمل وخير – وبالرغم من أن هذه الإنجازات قد لا تكون مدوية كغيرها، إلا أنها أصبحت المحرك الأساسي لعجلة التغيير في المجتمع نحو الأفضل.

ومن الطلاب الذين حققوا مثل هذه الإنجازات: الطالب راشد المرّي.

هو طالب في السنة الثانية في برنامج دكتور القانون، التابع لكلية القانون والسياسة العامة، في جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر. عندما بدأ راشد مسيرته العلمية، قدّمت له الجامعة الفرصة للسفر إلى مدينة كوكس بازار البنغلاديشية، وهي المدينة التي تضم أكبر مخيمات النازحين من الروهينغا، وذلك ضمن رحلة تطوعية خيرية.

عندما أقدم راشد على السفر، كان يدرك أنها ستكون رحلة مثيرة للاهتمام، لكنه لم يعي حينها مدى التأثير التي ستحدثه هذه الرحلة في حياته وحياة الآخرين.

يقول المرّي: "منذ البداية، حرصتُ على المشاركة في الرحلة، لأنها عبارة عن تجربة مباشرة مع أزمة إنسانية حقيقية، ولكنني لم أكن أدرك أنها سوف تحدث تغييرًا جوهريًا في مواقفي تجاه الناس وظروفهم".

وقد حضر راشد جلسات تعريفية عن الرحلة من قبل الفريق التنظيمي في الدوحة، كما شارك في رحلات تطوعية أخرى، ولكن عندما وصل الفريق التطوعي إلى كوكس بازار في يناير 2018، اتضح لراشد أن حجم المعاناة الإنسانية التي يمر بها الروهينغا هي أكبر بكثير مما تصور.

وما رآه راشد أمام عينيه، من واقع مرير، دفعه للقيام بأنشطة تطوعية عديدة، تشمل تعليم اللاجئين الشباب والمساعدة في تنظيم الفعاليات لهم، ونقل صناديق الإمدادات الإغاثية وتوزيع حزمة المواد الغذائية.

لحظات لاتنسى

وبعد مرور عام على رحلته التطوعية إلى كوكس بازار، لا زال راشد يذكر اللحظات التي مر بها، كأنها راسخة في ذاكرته، كلقائه برجل شوّهت النيران وجنتاه، ما حرمه من نعمة تناول الطعام، والتحدث، وحتى التنفس بشكل سليم، وتعرّفه أيضًا على إحدى الجدّات وحفيدتيها الاثنتين، اللاتي يعشن في كوخ على وشك الانهيار، حيث سردن له قصة الفرار من الباب الخلفي لمنزلهن في بورما، وكيف اضطررن لترك بقية أفراد العائلة الذين قُتلوا على يد عصابة من المسلحين.

ويذكر كذلك حديثه مع رجال ونساء فرّوا من بورما سيرًا على الأقدام، أملًا في الوصول إلى مخيمات اللاجئين على الحدود، والذين كانوا يحملون على ظهورهم شيوخهم ومرضاهم، بالإضافة إلى الأفراد الذين نجوا من هذه الرحلة الشاقة، والذين كانوا في حالة هلع وصدمة شديدة، لا يملكون أي شيء سوى الملابس التي يرتدونها.

"منذ البداية، حرصتُ على المشاركة في الرحلة، لأنها عبارة عن تجربة مباشرة مع أزمة إنسانية حقيقية، ولكنني لم أكن أدرك أنها سوف تحدث تغييرًا جوهريًا في مواقفي تجاه الناس وظروفهم".

راشد المرّي.

وأشار المري إلى أن هذه الأعمال الخيرية، وإن كانت عفوية، قد أنارت الأجواء من حولها، قائلًا: "لقد علمتني هذه الرحلة معنى كلمة "الإنسانية"، حيث كان الكبار ينتظرون ساعات طويلة لاستلام حزمة المواد الغذائية في طوابير تتكون من ثلاثة إلى أربعة آلاف شخص، وعند استلامهم لها، كانوا يتناولون مقدار ضئيل من الوجبة، لحرصهم على تقديم الطعام للآخرين، وكانت أخلاق الكرم تلك تنعكس على الصغار منهم كذلك، فقد رأيت الكثير من الأطفال لا تتجاوز أعمارهم أربعة سنوات، يتشاركون بفرحة قطعة من الحلوى فيما بينهم".

تغيير المفاهيم

وما أثّر في راشد بشدة هي صفات القوة والثبات التي تتحلى بها النساء والفتيات من الروهينغا. فيذكر أن يومًا ما، أثناء توزيع الحطب إلى طابور من اللاجئين الرجال والنساء، تردد راشد بتقديم الحطب الثقيل إلى النساء في الطابور.

فكان من الصعب جدًا على راشد، على الرغم من أنه بصحة كاملة، أن يحمل الحطب الذي يصل وزنه 20 كجم. وكانت معظم النساء، هن أمهات شابات يحملن أطفالهن بيد واحدة، فكان من الطبيعي أن يتساءل راشد وأن يشك بمقدرتهن على حمل الحطب إلى المنزل. ولكن سرعان ما أجيبت تساؤلاته، فقال: "كانت كل أم شابة، تحمل طفلها بيد واحدة، وحزمة الحطب باليد الأخرى، ثم تتجه نحو منزلها البعيد – ولن أنسى أبدًا وجوههن اللاتي تنعكس فيها مشاعر اليأس والخوف من أن ينام الأطفال وبطونهم خاوية".

"هذا الموقف جعلني تحديدًا، أدرك أن النساء، وبالأخص الأمهات، يمتلكن قوة جسدية ونفسية تضاهي ما تصورناه من مفاهيم واعتقادات عنهن".

صورة 1 من 4

وبعد مرور عام على رحلته إلى كوكس بازار، استمر راشد بنقل الدروس التي تعلمها إلى أسرته وأصدقائه، بشكل يومي. فقد مرّ بمواقف عديدة ونال خبرات مختلفة، أدت إلى إحداث تأثير كبير في حياته، وجعلته يجدد نظرته عن الحياة.

يقول راشد: "أستيقظ كل صباح برضى وبحمد من الله على صحتي، وعلى توّفر منزل يأويني، وعلى وجود أب وأم وأخوة حولي، يحبونني وأحبهم، كما إنني دومًا ما أذكّر أهلي وأصدقائي ألّا يهدروا الطعام، وأن يبذلوا قصارى جهدهم ليتواصوا مع الأفراد من الثقافات المختلفة، وأن يتفهموا مشاكلهم، وأن يتبادلوا الأفراح والأحزان معهم، وغالبًا ما يعبر لي أصدقائي عن رغبتهم في المشاركة في رحلات مماثلة".

التقدير والوعي

وأشار المري، إلى أن دراسته في مؤسسة قطر، ساعدته في رؤية العالم من منظور مختلف.

فقال: "من خلال هذه الرحلة، علّمتني مؤسسة قطر، أهمية الإحسان وقوته في إحداث تأثير إيجابي، وجعلتني أقدّر كامل التقدير النعم في حياتي.

"إنني أشكر الله على وجود كوب القهوة بين يدي، لأنني أعلم أن هناك نساء ورجال وأطفال، على بعد أكثر من أربعة آلاف كم، يبحثون عن رشفة من الماء النظيف للشرب.

"وهذا الوعي لايضاهى بثمن وسيبقى معي طوال حياتي".

قصص ذات صلة