للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
يشهد زوار المعرض الفني الجديد في مؤسسة قطر، أعمال فنانة لا تعرف الكلل أو الملل، تصنع لوحاتها الفنية بأسلوب مبتكر لا حدود له.
أتقنت فنًّا يقال عنه أنه أصبح ميتًا، وتعلّمت أساليبه المعقّدة، وبيديها وضعت اللمسات الأخيرة عليه، مستغنية بذلك عن خبرة الفنانين الآخرين وإرشاداتهم، حتى قيل لها عندما دخلت إحدى أشهر جامعات الفنون الجميلة في العالم: "لا يوجد هنك شيء جديد نعلمك إياه".
هي الفنانة المبدعة الدكتورة فيدا أحمد، التي أتاحت لها مؤسسة قطر الفرصة لعرض أعمالها في معرض فريد من نوعه متاح لجميع أفراد المجتمع في قطر، يقام تحت عنوان، "عندما يغيب الظل"، في قاعة "ذو المنارتين" (جامع المدينة التعليمية)، ويستمر حتى 15 مايو.
ويمكن للزائر، عند دخوله إلى ساحة المعرض، أن يستمتع بالأعمال المعروضة التي تتنوع بألوانها وأشكالها الزاهية، والتي تُظهر إبداعات الدكتورة في مجال رسم اللوحات الصغيرة المستوحاة من المدرسة الهندية-الباكستانية التقليدية، ويقدم المعرض كذلك قطعًا فنية مزخرفة باللون الذهبي، تعكس الفن الإسلامي الذي يتميز بأسلوبه التكراري وخطوطه الهندسية كالخطوط والزخارف المرسومة على صفحات القرآن الكريم.
إن قصة الفنانة فيدا أحمد، بما فيها من محطّات ملهمة ولحظات إصرار وعزيمة، تلوّن المعرض بألوان العمل والجهد وتعطيه بُعدًا آخرًا، وإذا قمنا بمقارنة الخطوات التي تقوم بها الدكتورة بالخطوات التي يتبعها الفنانون الآخرون عند رسمهم اللوحات، فإن الدكتورة تقوم بصنع لوحاتها من الألف إلى الياء بدقة وإتقان.
وقد يجهل الزائر في البداية، مدى الجهد الذي تبذله الدكتورة في تجهيز لوحاتها الفنية، فهي تتبع خطوات دقيقة، تبدأ من صنع الأوراق أو اللوحات التي يتم الرسم والتلوين عليها، ثم المواد والألوان المستخدمة.
وتدمج الفنانة فيدا أحمد في أسلوبها الفني، ما ورثته من تقاليد الفن الهندي-الباكستاني، مع ما تعلمته من أساليب الفن الغربي، ويمكننا أن نلقبها بالمواطنة العالمية في مجال الفن، لأنها تحب السفر حول العالم بحثًا عن خبراء وعلماء المدارس الفنية القديمة. كما حثّها والديها، منذ الصغر، على حب الفن والتعمق فيه.
تقول د. فيدا أحمد: "درست والدتي الفنون الجميلة، أما والدي، فقد درس الهندسة المعمارية في لندن. وقد شجعاني على دراسة الموسيقى الكلاسيكية، والرقص الكلاسيكي، والفنون الجميلة – ثم أكملت مسيرتي في مجال الفنون الجميلة، والتي كنت أشعر بالميل إليها وبرغبة شديدة في الرسم والتلوين".
ومن هنا فقد شقت الفنانة طريقها نحو الفن، فحصلت على شهادة الماجستير في الفنون الجميلة بامتياز من جامعة البنجاب في مدينة لاهور، ثم درست في كلية رسكن للرسم والفنون الجميلة، في جامعة أكسفورد. وكانت في هذه المرحلة قد أتقنت فن رسم اللوحات الصغيرة التقليدي عند زيارتها لباكستان، على الرغم من التعليقات الواهنة التي رددتها إحدى أساتذتها في ذلك الوقت، حيث قالت لها أن هذا الفن التقليدي لم يعد حيًّا كما كان من قبل.
وتابعت الفنانة مستعيدة ذكريات مرحلة الدراسة: "عندما دخلت جامعة أكسفورد، أبدى أساتذتي استغرابهم من متابعة تعليمي بعد حصولي على شهادة الماجستير، حيث قالوا لي: "ليس لدينا شيء جديد نعلمك إياه"، فقررت حينها أن أتعلم حرفة النحت".
وهكذا أصرّت د. فيدا أحمد بكل عزم وثبات على التعلم والدراسة والوصول إلى أعلى المراتب في مجالها، حيث حصلت على شهادة الدكتوراه، بعد دراسة استمرت لمدة 10 أعوام، من جامعة برنس للفنون التقليدية في لندن. وكان عنوان الرسالة التي قدمتها، "الاعتماد على التقاليد: التعرف على عناصر الرسم الفارسي والمغولي والبهاري وعلاقته بممارسات الفن الهندي-الباكستاني المعاصر"، وقد امتدت فترة التحضير لهذه الرسالة لسنوات طويلة بشكل مقصود، حيث يعكس ذلك اسلوبها الذي تتخذه في الفن والحياة.
"كفنان، غالبًا ما تتوفر لديك مساحة صغيرة لتنفيذ أعمالك الفنية، لكن منذ وصولي إلى الدوحة، حظيت بكرم الضيافة، وحصلت على فرصة مثالية لعرض أعمالي الفنية، ما أثار دهشتي، وجعل تجربتي في هذا البلد أكثر تميزًا"
وتشرح الفنانة رأيها، قائلة: "لقد ركزت في رسالة الدكتوراه على المدارس الفارسية والمغولية والبهارية، وذلك لأن المدرسة الفارسية أثرت على المدرسة المغولية، كما أثرت المدرسة المغولية على البهارية، وقد نصحني الأساتذة باختيار مدرسة واحدة، لكنني صممت على اختيار الثلات.
"كنت أرغب بالتركيز على الأعمال التقليدية وعلى أساليب صنعها، ولهذا فقد كانت مرحلة البحث والدراسة طويلة، لأنني سافرت حول العالم، باحثة عن فنانين وخبراء، يمكنهم تلقيني الأساليب الفنية القديمة للرسم والتلوين والتخطيط والتذهيب."
ومن الخطوات الأخيرة التي تقوم بها الدكتورة، قبل الانتهاء من لوحتها، هي الرسم بالذهب، وهذه الحرفة تسمى التذهيب، وترجع إلى الفن العثماني.
وتقول الفنانة: "قال لي الخطاط الإسلامي المشهور، ناصر منصور: "اطلبي من خبير متخصص أن يقوم بعملية التذهيب للوحاتك" فقلت له: "لا، إنني أرغب بأن أتعلم الحرفة لنفسي"، لذا سافرت إلى تركيا وتعلمت على يد أولى الفنانات اللاتي يعملن في حرفة التذهيب".
وفي الوقت الذي شهدت فيه الدكتورة العالم بمختلف ثقافاته وأذواقه وألوانه، بحثًا عن الخبرات والتجارب المختلفة، وطلبًا للعلم والتنوير، بدأت تجربتها الجديدة عندما وصلت إلى دولة قطر، لعرض ألواحها الفنية تحت عنوان "عندما يغيب الظل".
وقالت: "جئت إلى مطار قطر من قبل، لتحويل رحلتي، لكنني لم أزرها قط، كما إنني مندهشة للغاية مما آراه من حولي، خصوصًا جامع المدينة التعليمية، فهو في قمة الروعة. كما إنني كنت مرتابة من المجيء إلى هنا، لخشيتي من التقصير وألا تناسب أعمالي المساحة المتوفرة.
"كفنان، غالبًا ما تتوفر لديك مساحة صغيرة لتنفيذ أعمالك الفنية، لكن منذ وصولي إلى الدوحة، حظيت بكرم الضيافة، وحصلت على فرصة مثالية لعرض أعمالي الفنية، ما أثار دهشتي، وجعل تجربتي في هذا البلد أكثر تميزًا".
تضمنت هذه التجربة ورشة عمل لفنانين مدتها 11 يومًا في متحف الفن الاسلامي "مع طلاب رائعين لا وقت لديهم لتناول غدائهم، ويعملون بجد طوال اليوم"، فضلًا عن محاضرة للاحتفال باليوم العالمي للمرأة في مكتبة قطر الوطنية.
وعلى الرغم من التوتر الذي يصيبها عادة، لدى إقامة أي معرض فني، إلا أن ردود الفعل على عملها هذا، كانت إيجابية جدًا مما جعلها تشعر بالانتماء إلى الدوحة، شعور توّلد وكبر من خلال تجربة واحدة كانت مليئة بالوجدانية والعواطف الصادقة.
وحول ذلك، قالت الفنانة:" في اللحظة نفسها التي كنت أستعد فيها للدخول إلى جامع المدينة التعليمية لحضور إحدى المحاضرات، ارتفع صوت الآذان (الدعوة الإسلامية للصلاة)، وقد أخبرت زوجي حينها أن الآذان كان جميلًا، وكأنه سيمفونية تخبرني" لعلني أكون قد قُبلت هنا".