للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
واجه تحديات تعليمية واجتماعية وأكاديمية قطر للموسيقى تساعده الآن على تحقيق حلمه
في إحدى قاعات أكاديمية قطر للموسيقى، جلست سيدة بين الجمهور، تصغي بإعجاب إلى فتى يقرع على آلة الدربكة بإيقاعات موسيقية جميلة، ومع كل إيقاع كان قلبها يشتد خفقانًا بينما تعجز عن حبس دموعها، فهذا الفتى الموهوب ابن الـ 18 عامًا، هو ابنها!
أمام هذا المشهد، تعيدها الذكريات إلى سنين طويلة مرت، يوم كان سلمان ينقر على الطاولة الخشبية في منزلهم القديم في الهند، لم يكن قد تجاوز وقتها الـ 3 سنوات، وبالرغم من الأسباب خلف سمات وجهه، ونموه البطيء، إلا أن شغفه للموسيقى كان واضحًا كضوء الشمس الذي يتسلل أمامها الآن من نوافذ القاعة، وهو ما دفع والده وقتها ليشتري له أول آلة موسيقية في حياته!
تخطى سلمان سليم الحالة الطبية" متلازمة ويليام" ليطلق قدراته الموسيقية
جينات مفقودة
الحكاية بدأت مذ كانت الأم بشرى سليم حاملًا بطفلها سلمان في الشهر الثامن، حيث تقول:" كنت أتفقد بطني باستمرار وأتساءل عن سبب صغر حجمها، رغم أن صورة الموجات فوق الصوتية لم تشر إلى أي عارض، إلا أن طفلي ولد ووزنه لا يتعدى الـ 1.5 كيلوغرام، كنت في داخلي أشعر أن هناك خطب ما، إلى أن انتقلنا إلى قطر، وتم تشخيصه".
حين كانت أم سلمان تتفقد حملها، لم تكن تدرك أنه في الوقت الذي كانت تمرر يدها على بطنها لتطمئن على جنينها، كان هذا الجنين يفقد تلقائيًا ومن دون أي سبب معروف، عددًا من الجينات الموجودة في كروموسوم 7، والمسؤولة عما يسمى ب "متلازمة ويليام" والتي تم تشخيص سلمان بها في إحدى عيادات مستشفى حمد الطبية بعد أربع سنوات من ولادته!
تساءلتُ، كيف يُمكن لغياب عدد بسيط من الجينات في إحدى الصبغيات، أن يحدث هذا التغيير الهائل في جسم الإنسان، وأن يجعل ابني مختلفًا؟
تصيب متلازمة وليام طفلًا واحدًا من كل 8 آلاف شخص حول العالم، وقد كان سلمان هو هذا الطفل، حيث تقول والدته: "تساءلتُ، كيف يُمكن لغياب عدد بسيط من الجينات في إحدى الصبغيات، أن يحدث هذا التغيير الهائل في جسم الإنسان، وأن يجعل ابني مختلفًا؟".
حب غير مشروط
تلتفت أم سلمان نحو ابنها الذي يتابع قرع الدربكة في قاعة أكاديمية قطر للموسيقى-عضو مؤسسة قطر، وتتأمل للمرة الألف ملامح وجهه التي بدت أكثر وضوحًا تحت الضوء:" كم أحبّ ملامحه الفريدة التي ولدت معه، فمٌ واسع، وشفتان ممتلئتان وأسنان متباعدة وأنف صغير، قامة قصيرة لم تمنع بعض مظاهر سن المراهقة أن تبدو عليه، والأجمل من كل ذلك، الحب غير المشروط واللانهائي الذي يحمله في قلبه تجاه كل من حوله".
هذا الحب والود لكل من حوله، حيث يبادر إلى تحية الآخرين وعناقهم دون تردد، لا يبادله دائمًا بمثله زملائه في المدرسة، حيث تذكر أمه كيف كان، أحيانًا، يعود من مدرسته حزينًا، ويخبرها أن بعض رفاقه يتفادون التحدث إليه لأنه يبدو مختلفًا، وهو ما يدفعه إلى التواصل مع الأصغر سنًا من الأطفال.
تحديات في التعلم
تقول أم سلمان:" حين اكتشفت سبب حزن ابني، أصبحت أكثر إصرارًا على القيام بكل شيء لأجله، بدءًا من تعزيز ثقته بنفسه وتطوير مهاراته. ولم يكن ذلك سهلًا، فهو نتيجة لمعاناته من متلازمة ويليام، يواجه تحديات في التعلم والكتابة والانتباه، وبدلًا من تركه يشعر بالنقص لعدم حصوله على علامات جيدة في صفه أسوة بزملائه، قمت بالتركيز على قدراته ".
وتتابع: "كثيرًا ما حاول الآخرون إقناعي بضمه إلى مدرسة مختصة بحالته بدلًا من إدماجه في مدرسة عادية، لكنني أصريت على أن يتعلم في المدرسة ذاتها التي يتلقى فيها شقيقه تعليمه، والتي قدمت له دعمًا كبيرًا، وهو يتفوق الآن في مادة التاريخ، حيث يحفظ الأحداث والشخصيات التاريخية، ويعدّ المهاتما غاندي شخصيته المفضلة منذ طفولته، كما أنه مطلع على تاريخ دولة قطر ويشارك في اليوم الوطني لدولة قطر، التي يحبها".
أصغي إليه أحيانًا وهو يعزف ألحانًا أسمعها للمرة الأولى، قد تبدو لي صعبة ومعقدة، ولكن بالنسبة له هي ألحان يمكن ابتكارها بسهولة
شغف بالموسيقى
تسترجع أم سلمان أحداث اليوم الأول الذي انضم فيه سلمان إلى أكاديمية قطر للموسيقى، عضو مؤسسة قطر، حين قررت أن تصقل مهارة ابنها الفنية، حيث التقى سلمان الأساتذة في الأكاديمية فرحبوا به، وأثنوا على موهبته، وقاموا من خلال برامج أكاديمية، بمساعدته في التغلب على صعوبات القراءة، حيث كان يتعلم النوتات الموسيقية عن طريق السماع والتقليد وليس من خلال القراءة".
تقدير أكاديمية قطر للموسيقى، لموهبة ابنها، كان دافعًا جديدًا لها لدعمه أكثر، فبدأت ترافقه إلى الحصص التدريبية في برنامج "فرقة الإيقاعات العربية" في الأكاديمية، فكانت تسجل كل الدروس وتراجعها في المنزل مع ابنها، إلى أن تعلم النوتات الموسيقية وبات قادرًا على عزفها بمفرده.
تقول أم سلمان:" أصغي إليه أحيانًا وهو يعزف ألحانًا أسمعها للمرة الأولى، قد تبدو لي صعبة ومعقدة، ولكن بالنسبة له هي ألحان يمكن ابتكارها بسهولة، لقد بات يمتلك الخبرة بفضل تدريبه وإطلاق قدراته الفنية من قبل مؤسسة قطر".
لم تعزز مؤسسة قطر مهارات ابني الفنية وحسب، بل طورت شخصيته
وتضيف:" لم تعزز مؤسسة قطر مهارات ابني الفنية وحسب، بل طورت شخصيته، فقد أصبح أكثر ثقة بنفسه، وأكثر ميلًا للتواصل مع الآخرين، حتى أنه بات يحظى بترحيب في الأماكن التي يقصدها. كما أن سلمان بات متعلقًا بأستاذه "جورج أورو"، ويعتبره مثالًا أعلى له، وهو ما يجعله يقتدي بتعليماته ما ساعد في تحسين قدراته الفنية".
عن طموحها لولدها، تقول أم سلمان بتأثر شديد:" أنا أؤمن بولدي، لقد ولد هكذا وأنا أحمد الله على كل شيء، إن دوري وهدفي هو أن أجعل سلمان مستقلًا، بحيث يكبر كأي شخص عادي، ويحظى بشريكة تتقبله كما هو، ويؤسس عائلة".
وتضيف: "يحلم سلمان بأن يصبح فنانًا مشهورًا، وغالبًا ما يخبرني أنه سيصبح يومًا ما مثل الموسيقار الهندي زاكر حسين، أبرز القارعين على الطبل في العالم، ولن أتوقف عن دعمه إلى أن يحقق حلمه".
هرمون الحب
كمعظم أطفال" متلازمة وليام"، يواجه سلمان تحديات عديدة، كما لديه حساسية تجاه الضوضاء، رغم حبه للموسيقى.
لكن أطفال" متلازمة ويليام" يعانون أيضًا من فرط في في الأوكسيتوسين، والذي يعرف بهرمون الحب، وهو ما يعد سمة فيهم، فقد لا يتمكن الطفل من ردع نفسه عن عناق الآخرين، وهو يحب جميع الناس، ولا يخاف الغرباء، كما يتأثر بمشاعر غيره، وهو ما تعتبره أم سلمان هبة، حيث تقول:" سلمان شخص رائع، مدهش، مرِح، وجميل، يكفي أنه حين يراني حزينة يغمرني، ويسألني عما بي، ويفتخر بأنني أحبه كثيرًا، وعندما أبكي، يحاول أن يخفف عني معبرًا عن حبه لي، إن لحظات كهذه تجعلني أنسى التحديات، وتجعلني أكثر قوة وإصرارًا على الوصول للهدف".
يحلم سلمان أن يصبح موسيقيًا مشهورًا، وتؤكد والدته أنها مصممة على مساعدته لتحقيق هذا الحلم.
خطوة نحو الحلم
غادر شعاع الشمس الغرفة، لكن قلب أم سلمان ظل مشعًا بالحب تجاه ولدها، وها هي ترفع يداها، كما عشرات الحاضرين، لتصفق لابنها الذي أنهى للتو فقرته الموسيقية، وقد التفت مباشرة نحو والدته محاولًا أن يرصد ردة فعلها ومدى رضاها عن أدائه، ليجد دموع الفخر قد ملئت وجنتاها".
عدة جينات مفقودة في كروموسوم 7 لدى سلمان، لم تتمكن من إفقاده حقه في التطور والنمو، بل شكلت "متلازمة ويليام" دافعًا له لأن يحلم، حيث بات واثقًا أنه، وانطلاقًا من قاعة أكاديمية قطر للموسيقى، سيصبح يومًا ما نجمًا موسيقيًا، يتابعه الملايين حول العالم ويستمتعون بعزفه.