للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
مقيمة في الدوحة تشاركنا تجربتها مع الفنان مقبول فداء حسين، صاحب العمل الفني "سيروا في الأرض" في مؤسسة قطر
"بعد انتهاء عرض الفلم، ذهب حسين إلى منزله سيرًا على الأقدام"، هذا ما قالته سوجاتا فارما التي تقيم في الدوحة". وتابعت: "لابد أنه كان يبلغ من العمر 75 عامًا حينها، لكنه مع ذلك مشى إلى بيته سيرًا على الأقدام".
كانت فارما تجلس في مدرج السينما في مسقط رأسها، الهند، عندما مر رجل مسن أمامها وجلس وحيدًا في نفس الصف الذي كانت تجلس به. بدا غريبًا لها أن يشاهد رجل في السبعين من عمره فيلمًا بمفرده، ودفعها فضولها لمحاولة التعرف على من يكون هذا الشخص، وبعد بضعة دقائق، قام هذا الرجل بوضع ساق فوق الأخرى، وعندها اتضح لها الأمر.
قالت فارما: "عندما رأيته حافي القدمين، أدركت أنني كنت أجلس بجانب مقبول فداء حسين.
تصف فارما لقاء حسين بأنه كان مُلهمًا ومتواضعًا.
الفن كمهنة
قالت سوجاتا فارما في عبارة لطالما أثارت استغراب الناس، على حد قولها، عند معرفتهم بأنها تعمل في المجال المصرفي في إحدى المؤسسات المالية الرائدة في دولة قطر: "الفن هو محور حياتي".
يُمكن كبح أي شكوك حول مدى ارتباط سوجاتا بالفن بمجرد إلقاء نظرة على منزلها الكائن بمنطقة المطار القديم بالدوحة، حيث تصطف مجموعة من أعمال أفضل الفنانين المعروفين من الهند وقطر على جدران كل طابق من منزلها، والذي يكاد يُشابه معرضًا فنيًا.
وفي وصفها لمجموعتها الفنية، ذكرت سوجاتا أسماء الفنانين وأنماط لوحاتهم بكل تقدير واحترام: إف إن سوزا، أنجانيولو غوندو، مانو باريك، ثوتا فايكونتام، رام كومار، جوبو أديكاري، ميلبورن شيريان، لالو شو، ياشوانت شيروادكار، سانجيتا ثوكرال، يوسف الحميد، وموزا الكواري.
كان تصوره هو مرور فترة زمنية قبل أن يتوقف عالم الفن في الهند عن استخدام حياته كجدول زمني لكل ما يتعلق بالفن الهندي الحديث.
كانت فارما تربط كل لوحة من لوحات هؤلاء الفنانين بالفنان مقبول فداء حسين، إما بكونهم معاصرين له، أو أصدقاءه، أو أحد معارفه، أو ببساطة كأحد معجبيه.
وقالت فارما: "عندما يفكر متذوق فني بالمشهد الفني الحديث والمعاصر في الهند، فإن أول اسم يتوارد إلى ذهنه هو اسم مقبول فداء حسين" وأضافت قائلةً: "كان تصوره هو مرور فترة زمنية قبل أن يتوقف عالم الفن في الهند عن استخدام حياته كجدول زمني لكل ما يتعلق بالفن الهندي الحديث".
مع استعداد مؤسسة قطر لإطلاق "سيروا في الأرض" وهو آخر عمل فني لمقبول فداء حسين، تسترجع فارما ذكرياتها في عدة مواقف جمعتها بهذا الفنان أثناء فترة نشأتها في أحمد آباد في غرب الهند، وهي المدينة التي كانت ولا تزال ترتبط دومًا بالفن والتصميم وحسين.
حسين وكهفه في أحمد آباد
علّقت فارما قائلةً: "عندما نتحدث عن مدينة غارقة في الفن والتصميم والهندسة المعمارية، فإننا نتحدث عن أحمد أباد، وعندما نتحدث عن أحمد أباد ، فنحن نتحدث عن حسين".
"لقد أحب حسين هذه المدينة لعدة أسباب، وعلى مدى عدة قرون، كان سكان هذه المدينة يدعمون الفنانين والحرفيين. وبما أنها أول مدينة في الهند تعترف بها اليونسكو كمدينة للتراث العالمي، فهذا يدل على ما تتمتع به من تاريخ وثقافة.
"وعلاوة على ذلك، بدأت المدينة في فترة الستينيات والسبعينيات بجذب موجات متزايدة من الفنانين المعاصرين الذين كانوا حريصين على اتخاذها كموطن لهم، وهو اتجاه مازال قائمًا حتى يومنا هذا".
لقد دفع إعجاب حسين بهذه المدينة إلى قراره ببناء متحف في المدينة يضم أعماله الفنية.
على مر الأجيال، كانت عائلة فارما مهتمة بالفنون الجميلة والفنون التعبيرية. تُظهر هذه الصورة التي التقطت في عام 1935، جدها الكبير الدكتور رانجيث سينغ، (الخامس من اليسار) في مؤتمر الله أباد للموسيقى.
تعاون مع المهندس المعماري الهندي الشهير وصديقه، بلكريشنا دوشي، لتصميم متحف "أمدافاد ني غوفا" الذي لا يزال قائماً حتى اليوم. وقالت فارما إنها التقت بحسين كثيرًا أثناء زياراتها إلى "غوفا"، كما هو معروف به، وذلك في فترة التسعينيات عندما كانت تعيش في أحمد آباد.
صانع الأعمال الفنية ومحطمها
قالت فارما: "كان لقائي الشخصي به ملهمًا ومتواضعًا، فشخصيته المتواضعة والبسيطة، إلى جانب أسلوبه الجريء في الرسم، جعلت منه شخصًا لا يُنسى".
كانت فارما كثيرًا ما تلتقي بالفنان صدفة في "لاكي تي ستال"، وهو المقهى المفضل لديه في أحمد أباد، وفي المعارض الفنية والحدائق.
كان وكأنه يريد أن يرينا أن الفنان بوسعه الإبداع والتدمير على حد سواء
وقالت: "في إحدى زياراتي له مع أصدقائي، كان يرسم على قطعة من القماش في متحف "غوفا"، وعندما انتهى من الرسم وتراجع إلى الخلف، اقترب بعض منا إلى الأمام لننظر بإعجاب إلى رسمه.
"بعد بضعة دقائق، أخذ حسين فرشاةً وطلاءً أبيض اللون وقام بالرسم فوق لوحته، وكأنه كان يريد أن يرينا أن الفنان بوسعه الإبداع والتدمير على حد سواء".
وتُشير فارما أنه على الرغم من عرض أعمال حسين في متاحف حول العالم، إلا أن متحف "غوفا" يبقى مميزًا لسبب معين.
وأوضحت قائلة: "على خلاف المتاحف الأخرى التي تُعلق فيها لوحات حسين على الحائط، كانت أعماله الفنية في متحف "غوفا" مختلفة، حيث أن جدران المتحف منحنية، مما يجعل من المستحيل تعليق أي شيء عليها بشكل مستقيم، ولذلك رسم حسين مباشرة على الجدران، بما في ذلك مكيفات الهواء والمداخل".
قطعة من أحمد أباد في الدوحة
وحسبما ذكرت المصرفية، فقد حدثت ضجة كبيرة عندما تم افتتاح متحف "غوفا" لعامة الجماهير، حيث أن الناس لم يروا شيئًا من هذا القبيل في السابق، وقالوا إن المبنى يعكس شخصية حسين. لقد كان الإرث الذي خلفه لمدينة كان مولعًا بها.
وقالت فارما مبتسمة: "اليوم، يُجسد "سيروا في الأرض" تجربة أخرى لا يمكن نسيانها.
"من خلال معرفتي بحسين وتعاملي معه، فأنا أعلم أن حسين قادر على أن يفوق التوقعات، ومن بين جميع مشاريعه وأعماله، من المحتمل أن يُثير عمله الأخير هذا دهشة الناس، كما قد يجعلهم يشعرون بالسعادة والتحدي والاستغراب، أو حتى الانزعاج.
"إذا كان لايزال على قيد الحياة، فقد كان سيصطدم عند مشاهدة ردود فعل المشاهدين المرسومة على وجوههم، وهو تحديدًا ما كان سيرغب به.
"بطريقة ما، يبدو أنه من المناسب أن يخلف حسين مثل هذا الإرث في هذه المدينة، وكما هو الحال بالنسبة لأحمد أباد، منحته أجواء الدوحة التي تُحب الفن السلام والهدوء ليعبر عن ذاته، وربما هذا هو السبب الذي منحه الثقة والمساحة الذهنية لتصور تركيب عمله الفني بهذا الشكل النهائي".