إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | المجتمع
2 March 2020

بلسان حالها: "أتمتم بالدعاء قبل أن أعالج مرضاي"

مشاركة

الدكتور منيرة الفضالة أول امرأة بيطرية قطرية والتي تعمل في المركز الطبي البيطري للخيل، تحدثت حول تجربتها في مجال الطب البيطري وكيف أصبحت الأولى والوحيدة في هذا المجال؟ ولماذا اختارت ان تعالج الحيوانات؟

كان ذلك في فصل الصيف، عندما عبرتُ مدرج مطار حمد الدولي، بالكاد أحسست بحرارة الشمس، حين تم استدعائي لفحص من كانوا على متن طائرة الشحن التي هبطت للتوّ.. فصعدت سلالم الطائرة وألقيت نظرة قبل أن أدخل.

عند سماع خطواتي، توجهت نحوي عيون ذات رموش طويلة تتفحصني، وسرعان ما تقدم رجل نحوي ليسألني متمتمًا: "أين الطبيب"؟، ابتسمت وقلت:" أنا"، فأجابني وهو يبدو غير مصدقًا:" أنتِ هو الطبيب؟".

بعد خمس ساعات، وبعد فحص 50 ناقة، وأخذ عشرات من عينات الدم والفحوصات، التفت إليّ الرجل نفسه قائلًا:" أنت طبيبة"! ولكن هذه المرة، مع نبرة مختلفة كليًا في صوته.

"ليس أي شخص قادرٌ على إظهار مستوى التعاطف الذي لديك".

قد أكون الطبيبة البيطرية القطرية الأولى والوحيدة التي تمارس الطب البيطري في قطر في الوقت الحالي، ولكن لو أغلقت عيناي الآن، لرأيت نفسي ابنة الست سنوات والتي تسير جنبًا إلى جنب مع جدّها في مزرعته.

ذات مرة، أشار جدي إلى إحدى البقرات في المزرعة، وقدّم لي أول درس في الطب البيطري:" الحيوانات هي كائنات لديها مشاعر ويمكنها أن تعبّر عنها، أنظري يا منيرة إلى تلك البقرة التي تمسح وجهها بي، إنها تثق بي لأنها تعرف أنني أهتم بها". لقد كانت تلك المزرعة هي المكان الذي اكتشفت فيه حبي للحيوانات.

كان عمري 10 سنوات عندما عالجت حيوانًا لأول مرة، قطة ضالة قمت بتنظيف جرحها، وتطهيره، ووضع ضمادة لها.

في المدرسة الثانوية، بدا مساري واضحًا، لقد لامس طموحي فكرة دراسة الطب، لكن، والدتي التي كانت تدرك جيدًا مدى حبي للحيوانات، رأت الأمور بشكل مختلف.

قالت لي يومًا:" أنتِ مميزة، ولديك موهبة مميزة، إذن قومي بشيء مميز. ليس أي شخص قادر أن يظهر مستوى التعاطف التي تملكينه تجاه الحيوانات". لقد أيقظني هذا الكلام. وبالصدفة، خلال تلك الفترة، تم اختياري من قبل وزارة البلدية والبيئة في قطر لدراسة العلوم البيطرية في جامعة القاهرة في مصر.

ليس المعطف الأبيض ما يصنع الفرق، بل الرعاية التي تقدمونها".

في أسبوعي الأول في الجامعة، جلست في قاعة المحاضرات مع أصدقائي، كنا حينها نشعر بالفخر لارتدائنا، ولأول مرة، معاطفنا البيضاء الامعة. وقد لاحظ أستاذنا حماسنا الشديد، وأخبرنا شيئًا مشابهًا لما قالته والدتي وجدّي قبل سنوات عديدة:" بالنسبة للحيوان المصاب، ليست معاطفكم البيضاء ما يصنع الفرق، بل الرعاية التي تقدمونها"، وكانت هذه العبارة هي الدرس الثاني لي في الطب البيطري والذي ظل يرافقني حتى يومي هذا.

سنوات دراستي الخمسة، كانت مليئة بالتشويق، حيث تعلمنا الكثير حول علم التشريح، وعلم الأمراض، وعلاج الحيوانات الأليفة والبرية، الكبيرة والصغيرة. كنت أنظر إلى كل اختبار أجتازه، كل لقاء مع حيوان جديد، كأنه إنجاز!

عند عودتي إلى قطر، قضيت عامًا كاملًا في متابعة ومراقبة ما يقوم به الأطباء البيطريون في العيادات الحكومية والتعلم منهم، وأتذكر بوضوح التدريب الذي خضعت له في حديقة حيوان الدوحة، والحماس الذي كنت أشعر به بينما أتجول في سيارة الجولف مع الأطباء البيطريين الذين يقومون بفحص كل حيوان على حدة، ومراقبة أي سلوكيات غير معتادة أو أي تغيرات في تغذيتهم.

لم يكن بوسعي، بينما أراقب ذلك، إلا أن أعجب وأحترم هؤلاء المتخصصين الذين يستيقظون كل يوم فجرًا وقبل طلوع الشمس، من أجل أن يتأكدوا أن كل حيوان تحت رعايتهم، هو بخير.

"أجل، يمكنني القيام بذلك"

بعد سنة من التدريب، انضممت إلى المستشفى الحكومي المختص برعاية الحيوانات الأليفة في الدوحة، كمديرة للعيادة ووحدة التحكم بأعداد القطط الطليقة، وأثناء وجودنا هناك، استقبلنا مريضًا- كلب الراعي الألماني- كان لديه عيب خلقي في العين شمل الجفن والرموش، وكان الحل الوحيد هو إجراء عملية جراحية. وقد شعر زملائي أن الجراحة ستكون محفوفة بالمخاطر.

لكن، بينما كنت أضع الكلب في موضعه، شعرت بأنه مسترخي، وقد أعادني هذا الشعور، لأسباب عدة، إلى القطة التي عالجتها عندما كان عمري 10 أعوام. نظرت إلى من حولي وقلت لهم:" يمكنني أن أقوم بذلك".

وبمساعدة زملائي- الذين بدوا وكأنهم شعروا بتصميمي- وشرعت في إزالة الجفن الممتد الى القرنية، وقمت بخياطة الجرح!

عندما تعافى الكلب والتئم موضع العملية، شعرت بالبهجة. وكان هذا درسي الثالث في الطب البيطري:" العلاج لا يتم بالمعرفة والمعدات وحسب، بل الشجاعة والإيمان بالرحمة ".

عندما دعتني مؤسسة قطر للمساعدة في تأسيس المركز الطبي البيطري للخيل، شعرت وكأن هذه الدعوة هي بمثابة نداء

الدكتورة منيرة الفضالة

حتى اليوم، عندما أسير على طول ممرات المركز الطبي البيطري للخيل، أشعر كما لو أنني أعيش حلمًا".

لطالما أعجبت، منذ كنت طفلة إلى حين أصبحت طبيبة بيطرية، بهيبة الخيول وجموحها، لذا في العام 2015، عندما دعتني مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، للمساعدة في تأسيس المركز الطبي البيطري للخيل في الشقب، عضو مؤسسة قطر، شعرت وكأن هذه الدعوة هي بمثابة نداء: أن أنتمي إلى منشأة طبية وبحثية مخصصة للخيل ساعد في تشكيل إرث وتاريخ المنطقة.

أشعر بالفخر لمشاركتي في مراحل مختلفة من التخطيط- بدءًا من تصميم غرف المستشفيات، وتطوير مرافق العلاج، وحتى رعاية الخيول التي يتم إحالتها إلينا.

حتى الآن، بينما أسير على طول ممرات المركز الطبي البيطري للخيل، أشعر كما لو أنني أعيش حلمًا، وأدرك كم أنني محظوظة بكوني جزءًا من منشأة تتمتع بموارد حصرية ومتاحة للجميع، فالمركز الطبي البيطري للخيل، يعالج أكثر من 15000 حصان في قطر.

بصفتي أول طبيبة بيطرية في قطر، لدي دور إضافي أقوم به: أن أثبت للشباب في قطر أنه عندما نقوم بما نحب، نصبح أكثر قدرة على مساعدة الناس

الدكتورة منيرة الفضالة

بصفتي أول طبيبة بيطرية في قطر، لدي دور إضافي أقوم به: أن أثبت للشباب في قطر أنه عندما نقوم بما نحب، نصبح أكثر قدرة على مساعدة الناس، وأنا أقول لهم أنه لا يوجد عمل لا يمكنهم القيام به، وأن هذه الدولة تحتاج إلى المزيد من الشباب الذين يقومون بوظائف تساعد البلاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي.

كما أود أن أذكر أفراد المجتمع بمبدأ ديننا الحنيف:" الرحمة مع جميع الكائنات الحية".

"كل يوم، أدعو لك يا دكتورة".

غالبًا ما يسألني الناس ما إذا كان عملي يتطلب مستوى التفاني نفسه الذي يتطلبه عمل الطبيب الذي يعالج البشر. أتمنى لو أن هؤلاء كانوا حاضرين، قبل عدة أعوام، عندما أحضرت إحدى العائلات قطهم المصاب بجروح خطيرة إلى مشفانا الحكومي، والذي كان قد تعرض لهجوم كلب شرس، سبب له تهتك في العضلات.

تمامًا كنظرائنا الذي يعالجون البشر. الحيوانات تختبر الألم والفرح، ولديها أرواح، وتحتاج لأن تعامل بلطف ورقة

الدكتورة منيرة الفضالة

بالنسبة لمعظم الناس، فإن التصرف المنطقي كان يتمثل في إراحة القط من آلامه وتركه يموت بسلام، قبل كل شيء، فرص النجاة بعد التعرض لهجوم مشابه هي طبيًا ضئيلة للغاية. ولكن، نظرة واحدة إلى مالكة القط، ونحو القط، الذي ورغم وضعه، كان ينظر إلى صاحبته، جعلتني أتخذ القرار.

بما أنهم أحضروا القطة بعد انتهاء ساعات العمل، في حالة طارئة، فقد بقيت هناك لوحدي من أجل أن أقوم بالمهمة، في تنظيف الجرح وتعقيمه وإصلاحه وخياطته. لقد تطلب ذلك عدة ساعات مني، وقضيت اليوم التالي أدعو كي ينجو القط، وبعد يومين، زال الخطر عنه.

بعد حوالي شهر من خروج القط من المستشفى، تلقيت رسالة الكترونية من مالكته، تصف كيف يتعافى قطها، وكيف كان يأكل ويشرب ويلعب بشكل طبيعي. وفي نهاية الرسالة، كتبت:" أدعو لكِ كل يوم يا دكتورة، وأدعو الله بأن تتمكني من علاج كل حيوان تلمسينه".

نحن، الأطباء البيطريون، نعتز بهذه اللحظات، تمامًا كنظرائنا الذي يعالجون البشر. الحيوانات تختبر الألم والفرح، ولديها أرواح، وتحتاج لأن تعامل بلطف ورقة. ولهذا السبب، نحن نلتزم بهذه المهنة، وهذا هو سبب وجودي هنا.

ولهذا السبب أيضًا، أتمتم بالدعاء قبل أن أعالج أي مريض: "بسم الله الرحمن الرحيم. يا رب، من فضلك أعطني الحكمة، القوة، والمعرفة مع الرحمة والتعاطف".

قصص ذات صلة