للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
في اليوم العالمي للمرأة، تتحدث شيرين خالد، عضو إدارة الاتصال في مؤسسة قطر، كيف غيّرتها تجربتها مع الأمومة، والتحديات التي واجهتها كأم عاملة مع انتشار جائحة (كوفيد-19)
بَدَأَت رحلتي مع الأمومة منذ حوالي ثمانية أعوام، عندما نظرت أول مرة لطفلتي التي وُلدت للتو وهي نائمة في سريرها بالمستشفى. لم أستطع حينها إدراك معنى أن يأتي إنسان جديد إلى الحياة، إنسان لا تألفه عيناي ولكنه جزء من وجداني. في تلك اللحظة تحديدًا، انقسمت رحلتي في الحياة إلى فصلين: ما قبل وما بعد أن أصبحت أُمًا.
شيرين خالد مع طفلتيها.
منذ تلك اللحظة، مثل العديد من الأمهات، بات كياني المستقل ضربًا من الماضي. أصبحت تفاصيل الحياة التي طالما اتخذتها كأمر مسلم به أكثر تعقيدًا، أصبحتْ بحاجة إلى وضع خطة للقيام بأبسط الأشياء مثل أخذ قيلولة، أو إجراء مكالمة هاتفية، أو تناول وجبة طعام، ناهيك عن كيف أصبح الأمر أكثر صعوبة خلال فترة جائحة كوفيد-19 لأم عاملة، تحتاج إلى التوفيق بين مسؤوليات عملها ومهامها العائلية للحفاظ على توازن كافة الأطراف.
على الرغم من كل ذلك، يمنح الوالدين وقتهم وطاقتهم وكل ما يملكونه لأبنائهم دون تردد، مدفوعين بفيض من مشاعر الحب والرعاية والمسؤولية اتجاههم.
فقد أدركت أنني المسؤولة الأولى عن تنشئة إنسان آخر، وأن كل الخيارات التي أتخذها يوميًا تؤثر بشكل مباشر على ما ستصبحن عليه ابنتيّ في المستقبل
مع الأمومة، أصبح أسلوب الحياة أكثر عملية وسرعة، أصبحت أهتم بكل ما هو صحي ومفيد وأتجنب كل ما هو دون ذلك. تغيّرت الكثير من أفكاري ووجهات نظري السابقة بعد أن أصبحت أمًا. فبين عشية وضحاها، أصبحت كل تفاصيل الحياة مهما كانت تبدو صغيرة مهمة للغاية. المكونات الغذائية للمنتجات؛ اللغة التي يتم تداولها في محيط أطفالي؛ اختيار المنتجات التي يمكن إعادة تدويرها بدلاً من منتجات الاستخدام الواحد. أصبح هناك قائمة لا تنتهي من القرارات والاختيارات التي على القيام بها بشكل يومي. فقد أدركت أنني المسؤولة الأولى عن تنشئة إنسان آخر، وأن كل الخيارات التي أتخذها يوميًا تؤثر بشكل مباشر على ما ستصبحن عليه ابنتيّ في المستقبل. وبذلك، شرعت في رحلة إعادة التعلّم والنظر في كل ما هو حولي أثناء تربية طفلتيّ.
مثل جميع الأمهات، ضاعفت تلك الأزمة العالمية من حجم المسؤولية والرعاية للأطفال على مستويات عديدة
إلى جانب كل تلك التغييرات، لم أكن أتصور ولو للحظة أن يمر العالم بجائحة عالمية، ومثل جميع الأمهات، ضاعفت تلك الأزمة العالمية من حجم المسؤولية والرعاية للأطفال على مستويات عديدة، سواء من حيث متابعة العمل والتعلّم عن بعد؛ أو الحفاظ على الصحة العقلية والجسدية للأطفال أثناء إجراءات الحظر؛ وتثقيفهم حول الأزمة التي يمر بها العالم وكيفية حماية أنفسهم.
تقول شيرين أن ما تعلمته خلال الجائحة هو ما ستنقله لأطفالها في المستقبل.
ومع ذلك، كنت محظوظة ، فقد تمكنت كأم عاملة من موازنة مهام عملي وشؤون أسرتي إلى حد كبير منذ انضمامي إلى العمل ضمن فريق إدارة الاتصالات في مؤسسة قطر – وقد تصادف يومي الأول في العمل لدى مؤسسة قطر مع أول أيام تطبيق إجراءات الحظر في مارس 2020. يعود الفضل في تحقيق ذلك التوازن إلى تطبيق سياسات العمل المرنة التي كان لها أثر هائل في التخفيف من وطأة الضغوط، الأمر الذي لم يكن ممكنًا لولا سياسات العمل المرنة التي يتم تنفيذها في مؤسسة قطر.
علّمتني الأمومة الكثير عن الحياة وعن ذاتي. فقد تعلمت أن أكون أكثر تعاطفًا، وألا أصدر أحكامًا على من هم حولي ممن لا يتفقون بالضرورة مع معتقداتي واختياراتي. كما تعلّمت أنه ليس بإمكاني السيطرة على شؤون حياتي وحياة أبنائي بالكامل، عندما واجهت بعض المواقف الصعبة من مرضهم في بعض الأحيان أو خضوع إحداهن لعملية جراحية، تعلّمت أهمية التقبّل والرضا بمشيئة الله في الأمور التي تتخطى مقدرتي.
الأمومة ليست مرحلة أو حالة عابرة، بل هي أمر يمتد مدى الحياة
أتاحت لنا تلك الجائحة فرصة البقاء آمنين في منازلنا ومنحتنا الوقت للتأمل في ذاتنا. ما تعلمته خلال هذا الوقت هو ما سأنقله لأطفالي، أن التعاطف والرحمة تجاه كل شيء، سواء كانت الطبيعة أو الحيوانات أو البشر إنما هي أهم الخصال؛ أن يتعلمن أهمية تناغم الأخذ والعطاء، وأن يدركن أن هناك سعادة كبيرة في العطاء، وأن الاهتمام بالذات ضروري بنفس القدر، فتلك قيم حاسمة في تربية الجيل القادم الذي يمكنه جعل العالم مكانًا أفضل.
الأمومة ليست مرحلة أو حالة عابرة، بل هي أمر يمتد مدى الحياة. فبمجرد أن أصبحت أُمًا لم يعد هناك مكانًا لراحة البال. لم أعد أتذكر متى كانت آخر مرة استغرقت خلالها في نوم عميق، فالآن، حتى في أعمق فترات نومي، يمكنني أن أسمع أكثر الأصوات خفوتًا كسقطة الدبوس من خلال بابين مغلقين، على بعد غرفتين. أصبح عقلي يقظ على الدوام. ويستمر في التفكير: هل سمعت سعال إحداهن؟ هل قمن بتعقيم أيديهن في المدرسة؟ هل تناولوا ما يكفي من الطعام؟ هل كنت قاسية معهن اليوم؟ ثم تدفعني تلك الأسئلة إلى التفكير في كوني أم جيدة بما فيه الكفاية؟ وتستمر تلك الزوبعة في رأسي بلا توقف.
يمثل يوم المرأة العالمي مناسبة خاصة للاحتفاء بإسهامات المرأة وقوتها وتأثيرها في عالمنا
عندما تشعر الأم بالإرهاق أو عدم قدرتها على مواجهة العالم ليوم واحد، فهي لا تأخذ اليوم عطلة، بل تسرع لتغسل وجهها، وتضع عباءة أمومتها السحرية، وتدفن شعورها بالإرهاق في أعمق شقوق كيانها، وتواصل الحياة، وتبذل قصارى جهدها في كل يوم جديد وهي مبتسمة.
الرحمة والعطاء هما ما يحتاجه الجيل القادم لجعل العالم مكانًا أفضل.
يقول المؤلف الإنجليزي روديارد كيبلينج: "إن أقل ما تفعله الأم وإن وازى قيمته درهمًا، فإنما يساوي قناطيرًا مما تحمله مذاهب العالم "، فآلاف الليالِ التي قضتها ساهرة، وتضحياتها، واهتمامها ورعايتها التي تنبع من أعماق قلبها، لا تذهب سدى.
يمثل يوم المرأة العالمي مناسبة خاصة للاحتفاء بإسهامات المرأة وقوتها وتأثيرها في عالمنا. هذا العام يُعد هذا اليوم أكثر تميّزًا للمرأة، لأنها منحت الحب والأمل والرعاية لمن حولها؛ وحاربت المجهول من أجل الحفاظ على صحة أبنائها وإنتاجيتهم، وبقائهم آمنين.