إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | المجتمع
6 December 2020

بلسان حالها: سرّ اعتزالي وسائل التواصل الاجتماعي

مشاركة

تتحدث دانا الغزال، عضو في فريق إدارة الاتصال بمؤسسة قطر، عن التحديات التي واجهتها مع وسائل التواصل الاجتماعي والُسبل الأخرى التي اختارتها من أجل التواصل مع أصدقائها وعائلتها

كان لديّ ثلاثة حسابات على موقع إنستغرام أتنقل فيما بينها وذلك قبل شهر من الآن. أحد الحسابات مخصص للأسرة والأصدقاء، الثاني أشبه بالمدونة، والثالث خاص بالعمل. كنتُ أقرب إلى الشخصية المتخفية حالي كحال العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، أتجول عبر الشبكة العنكبوتية دون الإفصاح عن هويتي الحقيقية. انطلاقًا من تجاربي الشخصية عبر هذه الحسابات، أدركتُ أن تواجدنا على شبكة الإنترنت زاد من تعقيدات علاقاتنا الاجتماعية وهويتنا، حيث طَمس الحدود التي تساعدنا في الحفاظ على أصالتنا وخصوصيتنا.

ولا أقصدُ هنا الخصوصية المتعلقة بالتفاصيل الشخصية التي تستغلها الشركات التقنية العابرة للقارات والحكومات في اقتصاد البيانات، وهو ما أشارت إليها المؤلفة كاريسا فيليز في كتابها " Privacy is Power" "الخصوصية قوة" -الذي أوصي بقراءته- وإنما إلى لحظاتنا الخاصة التي ننشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الاحتفالات الأسرية، مناسبات الزواج، مراحل الحمل، الرسائل الخاصة، الهدايا التي تلقيناها، والقائمة تتطول.

حتى عندما ننتبه لما نقوم بها ونختار الإحجام عنه، سرعان ما نعود للسقوط في براثنه مع كل علامة إعجاب نضعها، وكل مشاهدة، أو مشاركة. أقرّ باقتراف كلّ ما سبق.

إنّ الهدف الأساسي الذي وُجدت من أجله منصات التواصل الاجتماعي هو سدّ الفجوة بين الناس من مختلف أنحاء العالم، وردم الهوّة بين الشركات والمستهلكين والمجتمعات. فهي وسيلة للتواصل بيننا، إلا أن هذا الواقع تغيّر بحيث أسهمت ثقافة التواصل الاجتماعي المفتوحة على مصراعيها في تمزيق أواصر الارتباط بين الناس وتدمير العلاقات الحقيقية، وها نحن نتعرض لطوفان هائلٍ في المحتوى، وأصوات صاخبة تزداد صخبًا وتكتسب تأثيرًا يطغى على الأصوات التي تحمل قيمة حقيقية.

لا شكّ أن هذا أمرٌ محبط ومربك وأحيانًا بغيض. فالتأثير الاجتماعي يرتبط اليوم بعدد المتابعين والمصداقية مرهونة بمستوى المشاركات. فما الذي يجعل لكيم كارداشيان 191 مليون متابع مقابل 1.6 مليون متابع لملالا يوسفزاي؟

فكّروا معي في ذلك: يسهل علينا الظهور بصورة مرحة مفعمة بالحيوية على إنستغرام، وأخرى محافظة على لينكد إن، في الوقت ذاته نظهر بصورة المجادل العنيد على تويتر، وذلك دون تحمّل مسؤولياتنا في كلّ من هذه الشخصيات، على الرغم أن عالمنا الرقمي هو محارتنا الوحيدة، وأرى أننا من خلال هذه الممارسات نتنازل عن عدد من مسؤولياتنا الأخلاقية وقيمنا المتعلقة بالخصوصية والروح الاجتماعية.

أنا في أواخر العشرينيات من عمري، وطوال حياتي كنتُ أتلقّى كلمات "عيد ميلاد سعيد" وأمنيات صادقة كُتبت على بطاقات معايدة اُختيرت بعناية أو شاركونا بها عندما تذكروا يوم ميلادنا. في معظم الأحيان، كنّا نتبادل هذه الكلمات والبطاقات بشكل شخصي بين صاحب العيد وآخر مقرّب.

لكن الوضع اليوم تغيّر، إذ بات الشخص يفوز بأكثر عدد من الرسائل على صفحة فيسبوك، وشيئَا فشيئَا حلّ محله الصور والمقاطع الإنشائية على الإنستغرام. هذا الإدراك المتأخر جعلني أتساءل: هل أصبحنا أكثر تقبلًا لإرسال الأفكار والمعايدات في رسائل إلكترونية بدلًا من الإتيان بها على أرض الواقع؟

أدركتُ أيضًا أن الخصوصية رفاهية، وأن إعادة التواصل مع الناس هي تبادل هادف. إنني أذكرُ اليوم الأول لنا في المدرسة بعد انتهاء الإجازة الصيفية، وكنت حينها في المدرسة الثانوية بأكاديمية قطر- الدوحة، عضو التعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر.

كانت الفرحة تغمرنا لأنه كان ذلك يوم مميز، حيث كنّا نُقابل الأصدقاء مجددًا بعد ثلاثة أشهر، وننخرط في أحاديث لا تنقطع حول ما فعلناه في الإجازة الصيفية والأماكن التي زرناها ونتبادل القصص الخاصة. هذه ذكريات متجزأة لكنها لا تُعوض، حيث كانت لدينا الرغبة الصادقة والاهتمام الشديد. كان اجتماعنا سويًا من جديد أمرًا رائعًا، ولا يزال بعض زملاء الدراسة إلى يومنا هذا أقرب الناس إلى قلبي في العالم.

الآن نحن "متواصلون" إلى حدّ كبير، أعلم أين ذهبوا حالهم كحال المئات غيرهم، وبمن التقوا، من زاروا، وما شكل الثياب التي ارتدوها. أصبح الابتعاد لمدة ثلاثة أشهر قصير يُشبه الأسابيع الثلاث. فالذكريات تُصوّر بشكل دقيق ويُحتفظ بها، وتُنشر، هناك كل يوم احتفال بمناسبة ما أو بشخص ما.

ليس لديّ أطفال، ولكن إن حدث وأنجبت، كُلّي أمل أن يحظى أطفالي بعلاقات هادفة وأن يشعروا بالقيمة الحقيقية للمشاعر. كما آمل أن تُبنى صداقاتهم وعلاقاتهم على أساس متين، لا على أساس مجرد مشاركات رقمية مخزنة في الشبكة السحابية. الأهم أن يكون بإمكانهم التمييز بين الأوقات التي يحتاجون فيها للتواصل واللحظات الجديرة بالمشاركة مع الآخرين.

ما الذي تنطوي عليه قلوبنا، من نحبّ بصدق؟ هل يمكن أن نتحكم من جديد في قدرتنا على التعبير الصادق والملموس دون استخدام الصور الرمزية والملصقات وما إلى ذلك؟ هل يمكن أن نحبّ الناس بصدقٍ ووعي ونحبّ أيضًا ما يدافعون عنه دون أن يقتصر الأمر على وضع علامات الإعجاب بشكل سريع على منشوراتهم أو على الصور التي يحتفلون فيها الذكرى السنوية لشغل وظائفهم؟

لا شكّ أن وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت ثورة هائلة في طريقة تعاطينا مع بعضنا البعض وتواصلنا مع الآخرين. في ظل تفشي جائحة (كوفيد-19) ازداد هذا التواصل بصورة أكبر مما كانت عليه من قبل، لكن هل لدينا فعلًا حرية التصرف التعبير عن الشعور الحقيقي؟

ربّما لا زال البعض منّا ينعم بهذه الحرية، لكنّي أشك أن وسائل التواصل الاجتماعي تُهدد منظومتنا العاطفية والعقلية. وربما كان عالم الإنترنت والفضاء الإلكتروني يقضي ببطء على ما تبقى من العلاقات الإنسانية، وسيأتي يوم لن نعود قادرين فيه على استعادة حياتنا وأنفسنا الحقيقية.

قصص ذات صلة