إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | المجتمع
16 December 2019

بلسان حاله يقول: رغم رحيله، ما زال حاضرًا في كل قطعة فنية أنجزها ضمن "سيروا في الأرض" بالمدينة التعليمية

مشاركة

سعادة الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني، مستشار الشؤون الثقافية، بمؤسسة قطر.

قبل عشرون عامًا، كنت مدعواً في أحد المطاعم الهندية في دبي، وكان برفقتي أحد الأصدقاء، واسترعى انتباهي وجود الفنان الهندي مقبول حسين فسألت صديقي، هل هو “مقبول حسين؟ أجابني بالتأكيد. كنت أرغب في إلقاء السلام عليه، لكنني في الوقت نفسه لم أرغب في مقاطعته، لأنه كان جالسًا مع مجموعة من ضيوفه.

وبعد ذلك بحوالي خمس سنوات، كلفتني صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر الاتصال به ودعوته للحضور إلى الدوحة، كفنان مقيم، فاتصلت به ومن جانبه لبى الدعوة ممتناً لهذا التقدير، وجاء إلى الدوحة ليقابل صاحبة السمو، ثم شرع يعرض مشروعه الفني "سيروا في الأرض" الذي يجسد رؤيته في أطار الحضارة الإسلامية ، فلقي كل تشجيع ودعم من سموها.

كان من الواضح أن تجاربه الغنية والمتنوعة منحته مخزون ثري من المواقف والذكريات وفي الوقت نفسه يملك رؤية فلسفية عميقة في الحياة

سعادة الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني

فقد طلبت سموها بتقديم كل العون له كي يحقق أمنيته، وقامت مؤسسة قطر بجلب بعض من أعماله من الهند بناءً على طلبه لوضعها في مكان خاص به فقد كان خائفًا من أن يتم بيعها أو حرقها أو العبث بها بعد وفاته ، ويضيع تاريخه الفني .

ومنذ مجيئه كنا نلتقي بين الحين والأخر حيث يدور بيننا حواراً حول تجربته الفنية الطويلة، فقد كان لديه مخزون ثري من المواقف والذكريات وفي الوقت نفسه يملك رؤية فلسفية عميقة في الحياة.

لا أنسى حادثة علقت في ذاكرتي معه، فقد زارني في أحد الأيام بمكتبي، وقال لي:

"أشعر أنني تأخرت ". فأجبته : "لماذا ؟" فقال: "منذ عامين وأنا أعمل على صنع فيلم يتضمن سيرتي الفنية وتجربتي في الحياة ، وأخشى أن أغادر الحياة قبل الانتهاء منه".

كانت هذه المرة الأولى التي يذكر فيها الموت أمامي، حينها سألته: "لماذا تقول هذا؟

هل تشعر بأي متاعب صحية ؟ فأنت تبدو بصحة جيدة!"

فأجاب: "أنا متعب جدًا، وأشعر بشيء غريب وكأن نهايتي قد اقتربت".

قال لي هكذا وقد طلب مني أن يستمر هذا المشروع في حال أنه لم يتمكن من إنهائه، فقد كان قلقًا من الرحيل قبل أن يكتمل العمل، وقال لي في ذلك الوقت: "سنتان فترة طويلة بالنسبة لي، ولا أعتقد أنني سأبقى حيًا حتى ذلك الوقت".

وأذكر أيضاً أنه في أحد الأيام، زارني وهو يحمل لي هدية وهي عبارة عن لوحة مرسوم عليها حصان بجانبه حروف اسمه باللون الأزرق، وأخبرني:

"لقد رسمت لك هذه اللوحة بالأمس لأنني أكملت 100 عام". وعادة لا يقوم حسين بالتوقيع على لوحاته، وعندما طلبت منه ذلك، كتب خلف اللوحة: "اليوم، عمري 100 بالعام الهجري".

لم أكن أدرك أن مقبول حسين كان يستعيد ذكريات وأحداث لم ينسها يومًا، ورحلة من التنقل في بقاع الأرض، تمامًا كـمشروع "سيروا في الأرض.

سعادة الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني

بعد شهر تحديدًا، كنت خارج البلاد عندما تلقيت اتصالًا من صديق له يخبرني أنه ليس بصحة جيدة، وبعد مرور أسبوع علمت بأن صديقي قد فارق الحياة.

في تلك اللحظة، تذكرت ما قاله لي عندما أتى إلى مكتبي قبل أربعة أشهر من وفاته وأخبرني بأنه يشعر بقرب النهاية، حتى أنه في ذلك اليوم كان يحدثني عن حياته، والمواقف المؤلمة التي مر بها.

لقد كان يسترسل بالكلام، وكأنه يفرغ أحزانه التي أثقلته كل تلك السنوات. لم أكن أدرك حينها أن مقبول حسين كان يستعيد ذكريات وأحداث لم ينسها يومًا، ورحلة من التنقل في بقاع الأرض، تمامًا كـمشروع "سيروا في الأرض" الذي يجسد قصة ترحاله والبحث المستمر عن معنى الحياة. ولعله كان يرغب بتوديعي عندما كان يحدثني عن حياته دون أن يسبب لي الحزن!

لقد سعدت بمعرفة هذا الفنان عن قرب، من خلال ما وفرته له صاحبة السمو من دعم وإمكانيات ورعاية كبيرة لتحقيق مشروع حياته وحلمه: "سيروا في الأرض"، الذي اكتمل الآن بعد أن رحل هذا الفنان الكبير الذي يعد أحد رموز الفن المعاصر في منطقة الشرق الأوسط .

قصص ذات صلة