في دائرة الضوء: بين التشيللو والربابة.. رحلة موسيقار في مؤسسة قطر

منذ صغر سنه اعتاد حسن أن يجلس ويستمع إلى شقيقته الكبرى وهي تعزف على آلة البيانو، حيث كان أفراد عائلته يلتفون حولها للاستمتاع بالموسيقى التي تعزفها خلال المناسبات، وكان منبهرًا جدًا بأدائها، مما دفعه إلى محاولة العزف خلسة عليه.
يقول حسن معتز الملا، عازف تشيللو وربابة في أوركسترا قطر الفلهارمونية، عضو مؤسسة قطر:"في إحدى المناسبات نست شقيقتي البيانو موصولًا بالكهرباء فحاولت الضغط عليه بشكل عشوائي، رغم أنني لم أكن حينها محبًا للموسيقى، لكنّ فضولي دفعني إلى تجربته والاستماع إلى ألحانه، واكتشفت حينئذ أنني استطيع العزف بشكل عشوائي، لكننّي أحتاج مزيدٍ من الوقت والتدريب".

لاحظَ أهل حسن ارتباطه بالعزف والموسيقى وشغفه بها، وقرروا حينها أن يلحقوه بالدراسة في "معهد الكونسرفتوار" بأكاديمية الفنون في القاهرة، وهو في التاسعة من عمره، ليتعلّم العزف على آلة التشيللو، ودرس الآلة إلى أن نهاية التعليم العالي، ثم حصل على درجة الماجستير في الفنون من المعهد نفسه.

تحدّث حسن عن بداية انضمامه للمعهد وقال: "بالرغم من بُعد المسافة بين منزلنا والمعهد، إلا أن والدتي كانت مُصرّة على تسجيلي للدراسة فيه، أما بالنسبة لي فكان المستقبل مجهول، فلم أكن أعلم شيئًا عن التشيللو، ولا عن عالم الموسيقى، لكن والدايّ ظلا يبذلون كل الجهد لتسهيل مشوار التعلم في المعهد، وقد أعطاني هذا الاهتمام حافزًا للاستمرار في دراستي، بالإضافة إلى دعم أساتذتي الذي ساهم في تفوقي بالإختبارات الدورية لآلة التشيللو".

كانت أول تجربة حقيقية لحسن في عالم الأوركسترا عندما بلغ سن الرابعة عشرة، اثناء سفره إلى فرنسا للإشتراك مع أوركسترا شباب دول البحر المتوسط، حيث قابل موسيقيين من مختلف الدول، وأيقن أن التواصل وتبادل الأفكار في سنّ مبكرة يوسع الآفاق، ويرسخ فكرة احترام الغير، واحترام وجهات النظر المختلفة، لأن هذه العوامل تؤثر في أداء الفنان وقوة فكرته، ويساعده في إيصال أفكاره إلى قلب من يستمع إليه وعقله .

عن انضمامه لأوركسترا قطر الفلهارمونية، يقول حسن: "كنت مسافرًا إلى إيطاليا عام 2007 لأشارك في حفل موسيقي تحت إدارة فريق من سويسرا، وفي مطار نابولي قابلني زميلي من اليونان وأخبرني أن هناك أوركسترا جديدة سيتم تأسيسها في دولة قطر، ونصحني بأن أتقدّم للعمل بها، بالفعل تقدمت ووقع عليّ الإختيار من قبل اللجنة المختصة وسافرتُ وأسرتي إلى الدوحة في سبتمبر 2008".

تابع الملا:"كانت البداية شيّقة للغاية، لكنها تحمل كثيرًا من الغموض والتساؤلات على المستوى الشخصي والأسري وتساؤلات أخرى تتعلق بالتواصل مع زملائي، وكيفية إيجاد طريقة مثالية للوصول إلى العمل الجماعي".

لقد أضاف إنضمام حسن الملا لأوركسترا قطر الفلهارمونية مسارًا موسيقيًا جديدًا، فقد تأثّر بالبيئة والثقافة القطرية، وكانت نتيجة هذا التأثر احترافه العزف على الربابة وهي آلة موسيقية عربية قديمة ذات وتر واحد تمتاز بها البيئة البدوية، وتمثل جزءًا هامًا من الفلكلور الموسيقي في قطر.

وعن احترافه للربابة أوضح الملا قائلًا: "حينما علمت بأنني اجتزتُ اختبار التقديم لأوركسترا قطر الفلهارمونية، قررتُ حينها أن أتدرب على الربابة خلال أوقات فراغي، حيث أنني أحبّ كثيرّا عزف الموسيقى العربية، وخبرتي جيّدة فيها، فقد شاركت في أداء فعاليات مع كبار المطربين والمطربات في العالم العربي أمثال أبو بكر سالم، ووردة الجزائرية، وعلي عبد الستار".

لا شك أن الربابة ساحرة جلسات الصحراء وأمسيات القصص والحكايات، حيث وصفها حسن قائلًا: "الربابة سيدة جميع الآلات الوترية وسيدة الروايات والقصص والشعر العربي، نسمعها في الغيط داخل خيمة في الصحراء، كما نسمعها أيضًا في تسجيلات قديمة لفنانين قطريين، وقد استعملت من قبل الشعراء المداحين وهي الآلة البارزة في مجالس البادية، وسر تعلق أهل البادية بهذه الآلة كونها تتناسب مع طبيعة البادية من حيث صنعها وملاءمتها للمناخ الصحراوي".

أضاف: "أحبّ كثيرًا الارتجال دون قيود في عزف الموسيقي العربية، وقد طلب منّي الفنان مارسيل خليفة تأدية مقطع إرتجالي بسيط كان سيقدمه مع أوركسترا قطر الفلهارمونية في باريس، بالفعل إنتهيت من الإرتجالات العربية الشرقية التي نالت إستحسان الجمهور واعجابه، حينها قلت له، لو كنت أحضرت الربابة لكان مذاق الفقرة الإرتجالية مؤثرًا أكثر، فأعجبته الفكرة لدرجة أنه أخبرني أنه ينوي كتابة كونشرتو للربابة ليكون الأول من نوعها في العالم كله، وسيكون منبعها الأوركسترا القطرية الفلهارمونية. بالفعل، بعد انتهاء الفنان مارسيل خليفة من كتابة الكونشرتو الأول للربابة، وبدعم كبير من أوركسترا قطر الفلهارمونية، تم تحدد تاريخ الحفل نوفمبر عام 2010، وكان حدثًا رائعًا أن يرى هذا العمل النور للمرة الأولى في الدوحة، حيث يعدّ هذا الكونشرتو نتاج مجهودات أوركسترا قطر الفلهارمونية للمزج بين أصالة التاريخ البدوي والشعبي، ووضعه في إطار كلاسيكي موسيقي عالمي يصل إلى قلوب الجمهور العربي، الأوروبي، والعالمي" .بالنسبة لحسن معتز الملا ، كانت تلك لحظة فخر بالنسبة له, وطريق طويل منذ تلك الأيام التي كان يتسلل فيها إلى بيانو العائلة حيث ولِد حبه للموسيقى.