للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
متحف يختتم معرضه في قصر طوكيو -باريس بمشاركة أكثر من ثلاثين فنانًا من جميع أنحاء العالم
من تلك اللوحة الزيتية للفنانة إنجي أفلاطون بعنوان "تحية إلى عروس جنوب لبنان" وهي تحمل البندقية عام 1985 لتُكمل مسيرة سيزا نبراوي المرأة المصرية المناضلة التي تقدّمت الصفوف الأمامية لتظاهرات ثورة عام 1919 وعُرفت بدورها التأسيسي للاتحاد النسائي في مصر؛ مرورًا بالعمل الفنّي للفنان المغربي مصطفى أكريم الذي وضع كلمة "الحقّ" في قالب حديدي وراء القضبان في رسالة إلى العالم عن تضييق الخناق على الحقوق الوطنية والعالمية، وتوسع الفجوة بين النظريات والممارسات السلطوية السالبة لحقوق الشعوب.
معرض عالمنا يحترق في قصر طوكيو بباريس.
إلى ذلك العمل الفنّي للفنان السوري بادي دلّول، والذي اختزل مأساة الأطفال في سوريا بعنوان "بلدٌ بلا باب أو نافذة" حيث رسومات الأطفال التي تعكس أحلامهم وأحزانهم أضحت رهينة النار والحروب وعلب عود الثقاب الصغيرة؛ وصولًا إلى أعمال الفنان العراقي-الأمريكي مايكل راكويتز الذي اشتهرت سلسلة أعماله بعنوان "العدو الخفي: يجب ألا يتواجد"، مع ابتكاره الفني لنسخ طبق الأصل عن كنوز أثرية دُمرّت ونُهبت من المتحف الوطني العراقي منذ عام2003، مستخدمًا في أعماله الفنية عبوات المنتجات الغذائية، وأوراق الصحف وغيرها من المواد، مكرسًا رغم الواقع المأساوي "انتصار عشتار على أعدائها".
هذه الأعمال وغيرها كانت في ضيافة معرض "عالمنا يحترق" الذي انعقد في قصر طوكيو -باريس خلال الفترة الممتدة بين 21 فبراير لغاية 13 سبتمبر 2020 بالتعاون مع متحف: المتحف العربي للفنّ الحديث، وذلك بمناسبة العام الثقافي قطر-فرنسا 2020، بمشاركة أكثر من ثلاثين فنانًا من دول متعددة منها (قطر، فرنسا، أفغانستان، اسبانيا، بلجيكا، الدنمارك، المغرب، الجزائر، سوريا، الكويت، الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، نيجيريا، كونغو، وغيرها).
لا بدّ لنا اليوم من التفكير بشكل جماعي بدلًا من عزل انفسنا في برج عالٍ تشتعل قاعدته
عكست الأعمال الفنية التي شهدها المعرض مواقف الفنانين المشاركين من الأزمات الوجودية التي تواجه الإنسان اليوم على المستويات السياسية، الاجتماعية، الأخلاقية، والبيئية. كما جسدت حالة عدم اليقين التي يمرّ بها العالم وخصوصًا شعوب المنطقة العربية في ظلّ التحولات التي شهدها الشرق الأوسط خلال مرحلة الربيع العربي وما بعده؛ والصراعات الجيوسياسية التي تمرّ بها المنطقة، سواء في الحصار المفروض على دولة قطر، أو الحرب على اليمن، النزاع في سوريا، إضافة إلى الانتفاضات الشعبية في السودان، لبنان، الجزائر، مصر، وغيرها؛ ناهيك عن الكوارث البيئية المتمثلة بحرائق سيبيريا، أستراليا، كاليفورنيا وما إلى ذلك.
الدكتور عبدالله كروم مدير المتحف العربي للفن الحديث.
يقول الدكتور عبدالله كروم مدير المتحف العربي للفن الحديث:" كلّ عمل فنّي في معرض عالمنا يحترق يتصل بالأزمات الوجودية التي نعيشها اليوم في هذا العالم. ليس لدى الفنانين اليوم خيار الانطواء أو العزلة أو الابتعاد عمّا تعيشه المجتمعات. لا بدّ لنا اليوم من التفكير بشكل جماعي بدلًا من عزل انفسنا في برج عالٍ تشتعل قاعدته، ومن المهم تحفيز الفنانين على التواصل والحوار بين الكائنات وما يدور في هذا العالم من ظواهر".
أضاف د. كرّوم:" يعبر معرض عالمنا يحترق عن هذا الوعي. فعنوان المعرض لا يعكس آلاف الحرائق التي تلتهم الغابات في كل قارة فحسب، وإنما يشير أيضًا إلى جحيم الحروب التي تحصد آلاف الأرواح. يتجلى الهدف من هذا المعرض في النظر إلى العالم من حولنا، والتفكير في مدى التقارب بين الزمان والمكان والظاهرة سواء كانت سياسية كالحصار المفروض على دولة قطر، أو الحرب على اليمن، أو غيرها من الحروب أو إنسانية وبيئية ومجتمعية".
يتجلى الهدف من هذا المعرض في النظر إلى العالم من حولنا، والتفكير في مدى التقارب بين الزمان والمكان والظاهرة سواء كانت سياسية أو إنسانية وبيئية ومجتمعية
وتابع د. كرّوم:" إذا أردنا فعلًا لمؤسساتنا أن تكون راسخة بقوة في العالم الحقيقي، فيجب أن نكون بمثابة منصة للحوار من أجل تعزيز الصلة بين الأعمال الفنية والسياقات التي دفعت الفنان لابتكار عمله. وهذا ما يساهم في تعزيز تأثيرنا الخاص على العالم ويُسهّل عملية فهم الآخرين لرؤيتنا وعملنا". ضمّ المعرض أيضًا "مجموعة رقص ميديا" لكلّ من الفنانين جيبيش باغشي، ومونيكا نارولا، وشودابراتا سينغوبتا، التي يتجسد فيها مفهوم التحوّل اللانهائي، من خلال عرض صور رقمية للحشرات التي تتكيف وتتغير ضمن بيئتها الطبيعية في حركة دائمة تعكس التعايش بين المواد والكائنات الحيّة، مع التأكيد على قدرة الكائنات على التكيّف ومواصلة البحث عن شكل من أشكال التوازن، وذلك على الرغم من التهديدات التي تشكلها المستعمرات البشرية والتي تحتل مناطق شاسعة على حساب البيئة.
الفنانة القطرية بثينة المفتاح كانت من بين المشاركين في معرض "عالمنا يحترق" وذلك في عملها الذي حمل عنوان" طاق طاق طاقية" - الجملة الأولى من أغنية لعبة جماعية تقليدية للفتيان والفتيات في مختلف أرجاء منطقة الخليج العربي- حيث قامت المفتاح بتأطير هذه اللعبة التقليدية من خلال ذكرياتها الشخصية، وتفكيك أشكالها لإعادة صياغة السرد الثقافي، وتقديم تجربة رمزية يتقاطع فيها الماضي مع الحاضر، وتوجه الإنسان نحو المستقبل.
إذا أردنا فعلًا لمؤسساتنا أن تكون راسخة بقوة في العالم الحقيقي، فيجب أن نكون بمثابة منصة للحوار من أجل تعزيز الصلة بين الأعمال الفنية والسياقات التي دفعت الفنان لابتكار عمله
فيما عرض الفنان وائل شوقي ثلاثية فنية تحمل اسم "العرابة المدفونة" ومادتها المستمدة من أعمال الكاتب محمد مستجاب المتأثرة بنشأته في منطقة صعيد مصر، واستخدام في أعماله المعروضة الموسيقى التصويرية التي تحكي مشهد أطفال ناطقين بأصوات البالغين في تتبع للعلاقة المترابطة بين الأجيال.
حضور بارز للفنانة القطرية صوفيا المارية من خلال عملها الفني الشهير بـ"الكشافة" هو عبارة عن نحت وتركيب الصوت والضوء داخل الألياف الزجاجية المنحوتة ويجسد مفهوم "مستقبلية الخليج".
نظم المعرض بمناسبة العام الثقافي قطر-فرنسا 2020.
عكست الأعمال الفنية التي تم عرضها خلال معرض عالمنا يحترق وجهات نظر المبدعين حول الأزمات التي تواجه العالم اليوم.
بدوره بحث عمل الفنان القطري فرج دهّام الذي حمل عنوان "لغة الشارع" في تحول أنماط الحياة بدول الخليج، ولا سيما التحول الحضري في الدوحة وتأثيره على حياة القطريين، ومعضلة الحفاظ على العلاقات الإنسانية والمتطلبات الاقتصادية. انعكس ذلك في لوحة تضمّ صورة لعمّال مجهولي الهوية في مواقع البناء يحاولون حماية أنفسهم من أشعة الشمس والغبار والعواصف الرملية، ويُصوّرهم الفنان على أنهم أبطال غير مرئيين في حياتنا اليومية، مترجمًا واقع اجتماعي صعب لأُناس هاجروا بعيدًا عن عائلاتهم خاضعين لظروف صعبة بوتيرة مكثفة تدفعنا للتفكير مليًا بمن حولنا، وبالعالم الذي نتطلع إليه، والذي نحاول إطفاء حرائقه عبثًا.
تجدر الإشارة إلى أن معرض "عالمنا يحترق" جمع أعمالًا من مجموعة "متحف" وأخرى أُنتجت خصيصًا للمعرض، ما يطرح تساؤلات حول دور الفن وقدرته على الاستجابة مع قضايا الإنسانية، ويقترح في الوقت نفسه تساؤلات عن دور متحف الفنّ العربي الحديث الرائد ومساهمته تجاه التغيرات المجتمعية.