للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
اقتباس الصورة الأساسية: عودة الطلاب في نيويورك إلى صفوف الدراسة بعد الإغلاق الذي فرضته جائحة كوفيد-19.
مصدر الصورة: Latin America News Agency، عبر موقع REUTERSيُوضِّحُ مهدي بن شعبان - المديرُ العام لمعهدِ التَّطويرِ التَّربوي - التَّابعِ للتَّعليمِ ما قبلَ الجامعيِّ في مؤسسةِ قطر، كيفَ يُمكِنُ أنْ تستفيدَ المدارسُ من "الاضطرابِ القَسْريِّ"؛ لتُصبِحَ أقوى
عندَ الحديثِ عن الأزماتِ، لا بُدَّ من الإشارةِ إلى المُفَكِّرِ، والخبيرِ المالي، والمؤلِّفِ "نسيم نقولا طالب"، الذي وضَعَ نظريَّةَ "البَجَعَة السَّوداء" حولَ التَّنبُؤ بالأحداثِ المُفاجئَةِ غيرِ المُتوقَّعَة،ِ وتداعياتِها، وكانَ من بين القلائلِ الذين توقَّعُوا الأزمَةَ الماليَّةَ العالميَّةَ عام 2008.
تستطيعُ الأنظمَةُ "المَرِنَةُ" مقاومَةَ التَّغيُّراتِ، والأحداثِ المفاجئةِ، لكنْ ما يستدعي الانتباه، هو الأنظمَةُ التي تتمَتَعُ بـ "المتانة"، والتي تتقوَّى بالمصاعِبِ، والاضطرابِ الذي تَفرِضُهُ عليها أحداثٌ عالميَّةٌ مُفاجِئةٌ لم تَكُنْ بالحُسبان
منذُ ذلك الحين، نادى نسيم نقولا طالب، بضرورةِ إحداثِ تغييرٍ جَذْريٍّ في طريقَةِ تفكرينا، وتصميمِنا لأنظمَتِنا، ليس فقط لتكونَ قادرةً على الصُّمودِ في وجهِ الأزمةِ، بل من أجلِ أنْ تُحقِّقَ الإزدهارَ في ظِلِّ التَّقلُّبَاتِ، وعدمِ اليقينِ والعشوائيَّةِ، وكان قدْ كَتَبَ في عام 2012: "إذا كانتْ كُلُّ الأنظمَةِ المتينَةِ، هي التي صَمَدَتْ، فهذا يعني بالضَّرورةِ أنَّ إبعادَ تلكَ الأنظمةِ عن التَّقلُّبَاتِ والعشوائيَّةِ، والضّغوطِ سيتسَبَبُ في الإضرارِ بها. إذ سَتُوهَنُ فتموت، أو تنفجِرُ. فلمَ نَزَلْ نَعرِضُ اقتصادَنا، وصِحَّتَنا، وحياتَنا السِّياسيَّةَ، ومنظومَتَـنا التَّعليميَّةَ للهشاشَةِ بحمايتِها من التَّقلُّبَاتِ والعشوائيَّةِ".
مهدي بن شعبان، المدير العام لمعهد التطوير التربوي التابع للتعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر.
تستطيعُ الأنظمَةُ "المَرِنَةُ" مقاومَةَ التَّغيُّراتِ، والأحداثِ المفاجئةِ، لكنْ ما يستدعي الانتباه، هو الأنظمَةُ التي تتمَتَعُ بـ "المتانة"، والتي تتقوَّى بالمصاعِبِ، والاضطرابِ الذي تَفرِضُهُ عليها أحداثٌ عالميَّةٌ مُفاجِئةٌ لم تَكُنْ بالحُسبان. تُشَكِّلُ جائحةُ (كوفيد-19) - التي يواجِهُها العالَمُ اليومَ - وَجْهًا جديدًا من نظريَّةِ ""البَجَعَة السَّوداء". بينما نسعى إلى التَّعافي من هذِهِ الأزمةِ، وبناءِ عالَمٍ أفضلَ، أتساءلُ: كيفَ يُمْكِنُ أنْ ينْطَبِقَ مفهومُ "المتانةِ" على التَّعليمِ؟
هل يُمكِنُ أنْ توجدَ مَنهجيّةٌ لتصميمِ الأنظمةِ التَّعليميَّةِ تُحَقِّقُ استفادةَ المدارسِ، والهيئاتِ الدَّاعمَةِ لها من هذا التَّعَطُّلِ القَسْري، سواءٌ أكانَ ناجِمًا عن جائحةٍ، أو كارثةٍ طبيعيَّةٍ تَضَعُ الطُّلابَ، والمعلِّمين خارِجَ صفوفِ الدِّراسةِ، تاركةً قادةَ المدارسِ أمامَ خيارٍ وحيد، وهو التَّخَلِّي عن قواعدِ إدارةِ المدارسِ التَّقليديَّةِ؟
في ظِلِّ غيابِ نظامٍ صارمٍ يفرِضُ نَهْجًا واحدًا على الجميع، تستطيعُ المدارسُ أنْ تُطوِّرَ طريقةَ استجابتِها للتَّحدياتِ النَّاشئةِ
تتطلَّبُ الإجابةُ عن هذا السُّؤالِ الابتعادَ عن أيِّ نِقاشٍ حولَ الغايةِ من التَّعليمِ، أو الأجندةِ السّياسيَّةِ الدَّافِعَةِ للإصلاح، وتتطلَّبُ النَّظَرَ إلى المدارسِ كنماذِجَ مُصَغَّرَةٍ من المجتمعِ، تكونُ فيها عمليَّةُ التَّعلُّمِ مُكثَّفَةً، وتسيرُ بوتيرةٍ سريعَةٍ؛ من أجلِ اكتسابِ المرونَةِ والقدرةِ على التَّكيُّفِ، والتَّزودِ بالمهاراتِ اللازمَةِ للتَّعامُلِ مَعَ التَّحديّاتِ الحاليَّةِ، والمُستقبليَّةِ ومعالجَتِها.
على غرارِ أسلوبِ الزِّراعَةِ المُكَثَّفَةِ القائمةِ على تحسينِ ظروفِ النّمو، تهدِفُ المدارسُ إلى توفيرِ بيئةٍ آمِنَةٍ للطُّلابِ، تُتيحُ أمامَهم الفُرَصَ لمعالجَةِ تحدياتٍ مُصَغَّرَةٍ؛ لتُعِدَّهم لمواجهةِ تعقيداتِ العالَمِ، وتطوارتِهِ التي تنتظرُهم في المُستقبَلِ.
أصبح نظام التعلّم عن بُعد خاصية تتميز بها المدارس في أنحاء العالم بعد جائحة كوفيد-19. مصدر الصورة: Latin America News Agency، عبر موقع REUTERS
لكنْ، ماذا لو كانتْ قُوّةُ المدراسِ ومرونَتُها غيرَ كافيَةٍ؟
منذُ شهرِ مارس 2020، تعاونتُ مع مجموعةٍ من الزُّملاءِ في مؤسسةِ قطر لدراسَةِ تأثيرِ إغلاقِ المدراسِ على جوانبَ مختلفَةٍ من التَّعليمِ، وذلك في أربعِ عشرةَ مدرسةً تابعَةً للتَّعليمِ ما قبلَ الجامعيِّ بمؤسسةِ قطر، وبَحَثْنا في التَّحوُّل ِالمُفاجِئ إلى نظامِ التَّعلُّمِ عن بُعْدٍ، وتأثيرِهِ على العلاقَةِ بينَ الأطرافِ الأساسيَّةِ المعنيَّةِ، وتوازُنِ المناهجِ الدِّراسيَّةِ، وآراءِ المُستفيدين، ووجهاتِ نَظَرِهم. كانَ هَدفُنا التَّوصُلَ إلى أفكارٍ قَدْ تُفيدُنا عندما تُعاودُ المدارسُ فَتْحَ أبوابِها في نهايةِ المطاف، وهو ما حَدَثَ في أغسطس، بالإضافةِ إلى تصميمِ نِظامٍ يضمَنُ استمرارَ عمليَّةِ التَّعليمِ والتَّعلُّمِ بغضِ النَّظَرِ عن تطوّراتِ جائحةِ (كوفيد-19). وقد توصَّلْنا إلى مجموعةٍ من التَّوصياتِ لتطويرِ عمليَّةِ التَّعلُّم عبرَ نماذجِ التَّعليمِ المُدمَج، والاستفادةِ من التّكنولوجيا في تعزيزِ مشاركةِ الطُّلابِ وتفاعُلِهم، وتحسينِ تقييماتِ التَّعلُّمِ. كانت تلك التّوصيات من العواملِ التي دَفَعَتْنا لمناقشَةِ مسألَةِ مَدى "متانةِ" نِظامِ التَّعليمِ ما قبلَ الجامعيِّ لدينا.
تشمَلُ مدارسُ مؤسسةِ قطر أكاديميَّاتٍ تُقَـدِّمُ مناهجَ البكالوريا الدَّوليَّة، ومدارسَ أُخرى مُتخصصةً تُقَـدِّمُ خدماتِها للطُّلابِ مِمَّنْ لديهم احتياجاتٌ تعليميَّةٌ مُعيَّنَةٌ، ومدارسَ تُقَـدِّمُ مناهجًا تجريبيَّةً، أو تَقَدُّميَّةً تُلائِمُ الذين يتطلَّعون إلى ما وراءِ التَّعليمِ التَّقليدي. وقد أطلَقَتْ مؤسسةُ قطر "أكاديميتي"، وهي مدرسةٌ تَقَدُّميَّةٌ لا تتقيَّـدُ بتوزيعِ الطُّلابِ على مستوياتٍ مع مُعيَّنَةٍ، وتُمَكِّنُ الطِّفلَ من التَّعلُّمِ وفقًا لاحتياجاتِهِ الخاصَّةِ، ويُشارُ فيها إلى التَّربويين كمُتعاونين. تَعْكسُ هذه المبادرةُ رؤيتَـنا المُتمثِّلةَ في رَفْعِ مستوى التَّعليمِ وتطويرِهِ منذُ وقتٍ طويل، وقبلَ أنْ تجعلَ أزمةُ فيروس كورونا المُستجد من ذلك ضرورةً حتميَّةً.
بينما تبحثُ معظمُ أنظمةِ التَّعليمِ - خلالَ الشُّهورِ القادمةِ - عن طُرًقٍ للعودةِ إلى الوضْعِ الطَّبيعيِّ، سنعملُ مع الزُّملاءِ في مؤسسةِ قطر على التَّفكيرِ في وسائلَ؛ لجَعْلِ التَّعليمِ مُتاحًا في أيِّ مكانٍ وزمان
يُمكِنُ الاعتقادُ بأنَّ هذه المجموعةَ المتنوِّعةَ من المدارسِ بما فيها من فِرَقٍ تربويّةٍ متعددةِ الجنسيّاتِ، تحتاجُ إلى مبادئ توجيهيَّةٍ ثابتةٍ، وقِيَمٍ راسخةٍ، واتِّجاهاتٍ ومناهجَ مُوّحدةٍ؛ لصُنْعِ القرارِ من أجل التَّوصُلِ إلى رأيٍّ مُتفَقٍ بشأنِ أيِّ مسألةٍ. لكنَّ الأمرَ ليسَ كذلك.
وعليه. أعتقدُ أنَّ ما يجعلُ منظومةَ المدارسِ في مؤسسةِ قطر بيئةً جاذبةً للدِّراسَةِ في قياسِ "متانةِ" التَّعليمِ، هو أنَّ الإدارةَ التَّعليميَّةَ فيها تُمارَسُ بشكلٍ شِبْهِ مُستقلٍّ، وفي الوقتِ ذاتِهِ تنتمي المدارس جميعُها إلى قيادةٍ مركزيّةٍ واحدة. ولعلّها تركيبةٌ مُتميّزَةٌ وفريدَةٌ من نَوعِها، ناجمةٌ عن الجَمْعِ بين استقلاليَّةِ تلكِ المدارسِ، والتَّوجُّهِ الإستراتيجيّ العام للمؤسسة، والالتزامِ بتحقيقِ النّمو الأكاديميّ، وتطبيقِ مناهجِ التَّدريسِ، والتَّعلُّمِ الشَّاملةِ المتمركزةِ حول الطَّالبِ، والتي لا تفرضُ ما يجِبُ أنْ تبدوَ عليه صورةُ التَّعليمِ على أرضِ الواقع.
وفي ظِلِّ غيابِ نظامٍ صارمٍ يفرِضُ نَهْجًا واحدًا على الجميع، تستطيعُ المدارسُ أنْ تُطوِّرَ طريقةَ استجابتِها للتَّحدياتِ النَّاشئةِ، وأنْ تُؤثِّرَ على قراراتِ بعضِها بعضًا، وأنْ تعملَ على تنظيمِ نفسِها ذاتيًّا، وتًحققَ التَّوازُنَ بين النَّماذجِ المُتَّسقةِ والمُتنوِّعَةِ. عندما يُواجِهُ نظامٌ كهذا اضطرابًا مُفاجئًا، فإنَّه يُجري مُحاولاتٍ متعددةً لحَلِّ المشكلة، بدلاً من التَّركيزِ - دون جدوى - على إيجادِ الحَلِّ الأكثرِ فاعليَّة. عندما فَرَضَ الوباءُ إغلاقَ مدارسِ مؤسسةِ قطر، شَرَعْنا - على الفَورِ - بتوثيقِ آثارِ هذا الحَدَثِ على عمليَّةِ التَّعلُّمِ، واختبارِ الحلولِ التَّكنولوجيَّة البديلةِ، وتطويرِ نماذجَ مختلفةٍ من التَّعلُّمِ المُدْمَجِ وتنفيذِها؛ كُلُّ ذلكَ خلالَ الانخراطِ في مُناقشاتٍ واسعةِ النِّطاقِ حولَ الحلولِ النَّاجحةِ وأسبابِها. لمْ تَكُنْ تلكَ الآليَّاتِ جُزءًا من أيَّةِ خطَّةٍ، ولكنَّ الأزمةَ دَفَعَتْها، وكانَ هناك نظامٌ مدرسيٌّ مُجَهَّزٌ لاستيعابِها وتقديرِها.
بحثت مؤسسة قطر في التأثير الناجم عن إغلاق المدارس والتحوّل المفاجئ إلى نظام التعلّم عن بُعد في جوانب مختلفة في منظومة التعليم في المدارس. تم التقاط هذه الصورة قبل جائحة كوفيد-19
وبينما تبحثُ معظمُ أنظمةِ التَّعليمِ - خلالَ الشُّهورِ القادمةِ - عن طُرًقٍ للعودةِ إلى الوضْعِ الطَّبيعيِّ، سنعملُ مع الزُّملاءِ في مؤسسةِ قطر على التَّفكيرِ في وسائلَ؛ لجَعْلِ التَّعليمِ مُتاحًا في أيِّ مكانٍ وزمان، وعَقْدِ الشَّراكاتِ مع الجامعاتِ، والمُختبراتِ البحثيَّةِ، وإقامةِ مبادراتِ تنميةٍ المجتمعِ؛ لنبنيَ حَرَمًا جامعيًّا مفتوحًا ومتعددَ التَّخصصاتِ والوظائف، تكونُ فيه مساراتُ التَّعلُّمِ غيرَ خطيَّةٍ، وتُعزِّزُ التَّعلُّمَ الفرديَّ، وتشملُ الجميع.
وسيتمُّ ذلك خلالَ وضْعِ التَّصوّراتِ للسِّماتِ التي تُعزِّزُ "متانةَ" نظامِنا ومدى استفادتِهِ من الصَّدَمَات، وغايتنا من إحداثِ التَّغييرِ في التَّعليمِ بوضوحٍ وتماسك؛ لأنَّنا نؤمنُ بأنَّ ذلكَ سيجعلُ التَّعلُّمَ أكثرَ استدامةً، بصرفِ النَّظرِ عن "لونِ البَجَعَةِ".
مهدي بن شعبان، مديرُ معهدِ التَّطويرِ التَّربوي التابعِ للتَّعليمِ ما قبل الجامعيّ في مؤسسة قطر. يقودُ فريقًا من المُتخصصين في التَّعلُّمِ المِهْني، وخبراءِ المناهجِ مِمَّنْ يُقدِّمون الدَّعْمَ للمدارسِ، والتَّربويين من مرحلةِ الرَّوضةِ إلى الصَّفِّ الثَّاني عشر في قطر خلالَ تطويرِ مناهجَ فاعلةٍ للتَّعليم والتَّعلُّم،ِ ووضْعِ السِّياساتِ، واتِّخاذِ القراراتِ القائمةِ على البيانات.
مهدي بن شعبان مُتخصصٌ في تعليمِ الرِّياضياتِ. عَمِلَ - قبلَ انضمامِهِ إلى مؤسسةِ قطر - في مدارسَ دوليَّةٍ في: مِصْر، وكندا، وتقلّدَ عِـدَّةَ مناصبَ قياديَّةٍ في منظمَةِ البكالوريا الدَّوليَّةِ.