للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
تجلت أهمية العلم وسط جائحة كوفيد-19 فلماذا لا يزال كثير من الأفراد لا يثقون به؟
مصدر الصورة: Metamorworks، عبر موقع Shutterstockعائشة تانفير، عضو إدارة الاتصال في مؤسسة قطر، تكتب عن التقدير المتزايد للعلم وكيف أنه أكبر فوز تحقق في عام 2020
لقد كانت 2020 سنة غريبة بالنسبة للعلم. فقد مرّ فيها بأطوار مختلفة فتارة تُثار حوله الشكوك والتساؤلات، وتارة يُحتفى به، وتارة أخرى تجري شيطنته.
يرى البعض أن العلم بعيد المنال يتعذر استيعابه ويلقون اللوم على العلماء فهم السبب في بقاء العلم منعزلاً في برج عاجي
في سنة 2009 أعلنت منظمة الصحة العالمية أن المعلومات الخاطئة حول اللقاحات كانت واحدة من أخطر التهديدات التي تتعرض لها الصحة العالمية، وأن الأمراض المعدية، مثل الحصبة التي قُضي عليها تقريبًا، قد عاودت الظهور مرة أخرى، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. والتفسير المباشر لعودة ظهور الحصبة، التي سبق التخلص منها تمامًا، هو تزايد أعداد المعرضين عن تناول اللقاح الذي يقيهم من الإصابة بهذا المرض.
ظهرت وجهات نظر استقطابية متباينة واستمرت لفترات طويلة. وتبيّن أن العلم يواجه مشكلة في العلاقات العامة والتواصل، فما السبب في ذلك؟
تم تسليط الضوء على أن المعلومات الخاطئة حول اللقاحات كانت واحدة من أخطر التهديدات التي تتعرض لها الصحة العالمية. مصدر الصورة: Shyntartanya، عبر موقع Shutterstock
يرى البعض أن العلم بعيد المنال يتعذر استيعابه ويلقون اللوم على العلماء فهم السبب في بقاء العلم منعزلاً في برج عاجي. فحين يتواصل العلماء حيال أمر ما، فعادة ما يكون هذا محملا باصطلاحات فنية وإحصائيات مستغلقة مما يجعل من العسير على العامّة استيعابه، بل يصعب ذلك حتى على من لديهم خلفية علمية. ثم يأتي الإعلام ليكون حلقة الوصل بين العلم والمجتمع، ولكن هذا لا يخلو في الغالب من مبالغة أو تلاعب بمعطيات العلم ونتائجه وأحيانًا تجاهل لها لمصلحة العناوين الرنانة والجذابة.
كذلك فإن الجمهور ليس مبرئًا من الذنب، إذ إن خطأ الجماهير يكمن في تكوين رأي بناء على قراءة عناوين الأخبار وحدها وهو مسلك خطير تمامًا خاصة إذا تعلق الأمر بالأخبار العلمية. نعم من حقك أن يكون لك رأي، لكن لا ينبغي أن يعتمد هذا الرأي على عناوين الأخبار وحدها. وقبل تكوين رأي في موضوع ما، يتوجب عليك أن تبحث الأمر جيدًا وتقرأ النتائج في مقالات علمية في مجلات محكمة وتتحدث إلى الخبراء. أما أن تقرأ عناوين الأخبار، فهذا قطعًا لا يكفي.
وحين تسأل الناس عن مصدر معلوماتهم فعادة ما تكون الإجابة شبكات التواصل الاجتماعي. وليست المشكلة في هذه الشبكات نفسها، فلا شك أنها أداة نافعة وفاعلة إن استُخدمت بالشكل الصحيح. وإنما المشكلة في أن شبكات التواصل الاجتماعي لا ضابط لها ينظمها ولا سياسات تحريرية تحكمها، ويمكن لمن شاء أن يقول ما شاء دون تحمل أي تبعات. وهذا كله يؤدي بنا إلى جمهور لديه نصف المعلومة فقط، بل أحيانًا تكون المعلومة خاطئة. وهي دائرة مفرغة لا يخرج منها أحد فائزًا، وعادة ما يخرج العلم منها خاسرًا.
إن الشعور بأن العلم مبهم أو غير جدير بالثقة ينبع من حالة الشك وانعدام اليقين في العلم. وكثيرًا ما نسمع أقوالاً من قبيل "أن العلماء دائمًا ما يغيرون كلامهم باستمرار، وهناك نتائج جديدة كل بضعة أيام" أو "أن العلم ليس قطعيًا". وتُظهر هذه الأقوال وغيرها أن البعض منا للأسف لا يعي المعنى الحقيقي للعلم. فليس مراد العلم الوصول إلى يقين قاطع، بل هو رحلة تبدأ من نقطة المجهول، حيث لا تكون لدينا أي معلومات، ثم ننطلق في رحلة مع العلم نمر فيها بأطوار مختلفة وبمرور الوقت نبدأ في اكتشاف الأمور تدريجيًا، وهنا تتراجع حالة انعدام اليقين شيئًا فشيئًا، وإن كنا لا نصل أبدًا إلى مرحلة اليقين المطلق.
حالة الشك هي جزء أساسي من العلم ولا يجدر بنا أن نخجل من الإفصاح عن هذا الأمر مخافة أن يؤدي إلى انعدام الثقة
حالة الشك هي جزء أساسي من العلم ولا يجدر بنا أن نخجل من الإفصاح عن هذا الأمر مخافة أن يؤدي إلى انعدام الثقة. بل إن عرض النواحي العلمية المشكوك فيها على أنها حقائق قطعية هو ما يُفقد الثقة بالعلم خاصة إذا حدث تغير في هذه النواحي، ودائمًا ما تكون هناك فرصة كبيرة في حدوث هذا التغير.
كما أن الشك، وخاصة في العلم، لا يلزم منه بالضرورة عدم الجدارة بالثقة والاعتماد. وإنما هو انعكاس لوجود احتمال آخر لنتيجة ما. والأمر أشبه بالتقاط صورة مهزوزة، إذ نكون على علم بالشكل الذي ينبغي أن تكون عليه الصورة، لكنها لا تبدو بهذا الشكل تمامًا، ورغم هذا التشوش فيها إلا أنها لا تزال معروفة يمكن تمييزها.
وبالمثال يتضح المقال. ففي أعقاب ظهور السلالة الجديدة من فيروس كوفي- 19 في المملكة المتحدة في ديسمبر 2020 وفي غضون 24 إلى 48 ساعة كان الجميع على شبكات التواصل الاجتماعي يتحدثون عن تحور الفيروس. وبطريقة ما دون فهم لطريقة تضاعف الفيروس وبدون أي دليل علمي، تكون لدى الكثيرين انطباع بأن هذه هي الطفرة الأولى للفيروس وأن التحور معناه أن الفيروس سوف يكون أشد عنفًا وخطورة من الفيروس الأصلي.
تتضاعف الفيروسات بسرعة هائلة وهذه المعدلات الهائلة للتضاعف تتيح المجال لحدوث خطأ؛ مثل ماكينة التصوير، إذا نسخنا عشر صور من صفحة ما، فمن المحتمل أنها ستكون جميعها نفس الصورة بالضبط، لكن في حال نسخ مائة أو ألف نسخة، فمن المحتمل أن تجد خللاً في بعضها. هذا بالضبط ما يحدث في حال الطفرة والتحور. فكلما زاد تكاثر الفيروس ازدادت فرص حدوث طفرة.
وقد قاربنا على العام منذ ظهور فيروس سارس كوف- ، وفي ظل السرعة التي يتضاعف بها الفيروس فلا شك أن هناك طفرة حدثت منذ فترة مضت، وبالتالي ليست هذه المرة الأولى التي يتحور فيها الفيروس، وإنما هي المرة الأولى التي ندرك فيها هذا التحور. فالأمر يتعلق بإمعان النظر، فكلما أمعنا النظر اكتشفنا المزيد، وهو ما حدث في هذه الحالة فإن المملكة المتحدة عكفت على دراسة التسلسل الجيني لهذا الفيروس واستطاعت اكتشاف هذا الأمر.
إن واجبنا تجاه أنفسنا يفرض علينا أن نتعامل مع الأخبار بمسؤولية أكبر ولا نكوّن الآراء اعتمادًا على قراءة العناوين الإخبارية فقط
إذا وضعنا هذا في الاعتبار فهل كان من الممكن لكثير من العناوين الإخبارية، إن لم يكن جميعها، التي سارت وراء تحديد السلالة الجديدة أن تُكتب بناء على حقائق أكثر وبطريقة أقل إثارة للخوف في نفوس الناس؟ الجواب نعم بكل تأكيد. فلِمَ لم يحدث ذلك؟ في ظني أن السبب وراء هذا أنها لم تكن لتحظى بنفس مستوى التفاعل وردود الأفعال.
إن واجبنا تجاه أنفسنا يفرض علينا أن نتعامل مع الأخبار بمسؤولية أكبر ولا نكوّن الآراء اعتمادًا على قراءة العناوين الإخبارية فقط، والأهم أن نفهم العلاقة بين العلم والشك. وقد تجلى هذا الأمر بوضوح أكبر في الوباء الحالي، حيث كان العلماء في سباق مع الزمن لمكافحة هذا الفيروس، في حين انطلقت النوافذ الإعلامية في تغطيتها الإخبارية على مدار الساعة، وشرعت شبكات التواصل الاجتماعي في نشر المعلومات بصورة أشبه بانتشار النار في الهشيم، دون مبالاة بمدى صحتها، وبسرعة جنونية.
لقد وضع الوباء العلماء في دائرة الضوء بشكل غير مسبوق، وأخرجهم من مناطق الراحة وبات مطلوبًا منهم التواصل مع الناس بلغة تخلو من الاختصارات والاحتمالات، وهو الأمر الذي يمثل تحديًا هائلاً لهم. وطُلبت منهم إجابات دون التفات إلى حقيقة أن المعرفة العلمية تستلزم الكثير من الوقت والأدلة المؤكدة من جانب فئات عدة للوصول إلى توافق في الآراء خاصة إذا تعلق الأمر بمجال جديد كما في حالتنا هذه.
من الضروري أن ندرك أن أفضل حالات التواصل العلمي لا تؤتي ثمارها إلا إذا كان الناس منفحتين على الاستماع لما يقوله العلماء
ولقد كان العلماء على قدر التحدي. وظهروا على شاشات التلفزيون واستضافتهم المحطات الإذاعية علاوة على الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي.
ومن الضروري أن ندرك أن أفضل حالات التواصل العلمي لا تؤتي ثمارها إلا إذا كان الناس منفحتين على الاستماع لما يقوله العلماء. لذا من المهم أن نقرأ المقالات ولا نكتفي بمطالعة العناوين فقط، وأن نقرأ بهدف تثقيف أنفسنا لا مجرد الانحياز إلى جانب دون آخر. من الضروري أن نتمهل في تكوين الآراء وأن تكون مستندة إلى الأدلة. فإن أمكننا فعل ذلك، فسوف نخطو خطوات كبيرة في تحويل العلم إلى جزء أصيل من عملية صناعة القرار، وبهذا نضمن النهوض بالرفاهية العامة.
تم وضع العلماء في دائرة الضوء بشكل غير مسبوق بسبب الوباء. مصدر الصورة:Maksim Shmeljov، عبر موقع Shutterstock
ولو أننا لم نخرج من وباء سارس كوف-2 إلا بتقدير دور العلم والعلماء لكان هذا واحدًا من أبرز النجاحات التي تحققت في عام 2020.
عائشة تانفير عالمة استهوتها الكتابة فأصبحت كاتبة، وكانت قد حصلت على درجة علمية في علم المواد، ثم تحولت من البحث العلمي إلى الكتابة العلمية. وبدلاً من أن تركز كتاباتها على بحوثها الخاصة، تساعد عائشة الباحثين في نقل نتائج أبحاثهم إلى عموم الناس بلغة سلسة.