للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
الصورة الأساسية: آثار الحياة الصحراوية من التاريخ القطري المعروضة في متحف قطر الوطني، أحد أهم المراكز الثقافية في قطر.
مصدر الصورة: رويترز / ابراهيم العمريسعادة الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري، وزير الدولة ورئيس مكتبة قطر الوطنية، يتحدث عن إيمانه بقوة الدبلوماسية الثقافية
لقد أدركتُ من خلال تجربتي الدبلوماسيّة ومسيرتي الحياتيّة بأنّ السبيل إلى الوفاق العالمي يبدأ بتعزيز مكانة الثقافة في العلاقات الدوليّة. لذلك آمنتُ بأنّ الدبلوماسيّة الثقافيّة هي مفتاح التقارب بين الشّعوب، وهي صمّام أمان حقيقي للأمم التي تبحث عن السّلام، فالسياسة لا تكفي لحلّ المشاكل القائمة بين الدّول وهو ما ترجمه الواقع الدولي منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية و إبّان دخول العالم في تجاذب قطبي بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي. فقد اكتشف السياسيّون في تلك المرحلة أنّهم بحاجة إلى وسيلة أكثر فاعلية من طاولات المفاوضات، وأدركوا دور الثقافة في التأثير على الشّعوب وقدرتها على تشكيل العلاقات الدوليّة.
أجزم بأنّ الدّبلوماسيّة الثقافيّة رغم تشكّلها المعاصر، لم تكن غائبة في التاريخ الوسيط تمامًا
وأعتقد أنّ ظهور مصطلح "القوّة الناعمة" في مطلع التسعينات من القرن العشرين، منح الثقافة دورًا دوليًّا جديدًا، فلم تعد قوّة الدولة تُقاس فحسب بقوّة اقتصادها أو حضورها السياسي والعسكري، وإنّما بمدى قدرتها الثقافية على إنشاء العلاقات بينها وبين الدّول الأخرى، وحجم مكانتها في تبوأ مواقع متقدّمة في المؤسسات الدوليّة. ولكنّني أجزم بأنّ الدّبلوماسيّة الثقافيّة رغم تشكّلها المعاصر، لم تكن غائبة في التاريخ الوسيط تمامًا، بل كانت لها جذور متنوّعة، إذ تعتبر الدبلوماسيّة الثقافيّة التطوّر الأرقى لأشكال أخرى من التواصل بين الدّول والشّعوب على مستوى تبادل الثقافات والتعبيرات الرّمزيّة. انطلاقًا من ذلك، تعدّ الهديّة أحد هذه الأشكال التي ترجمت إرادة التّواصل بين الشّعوب منذ قرون حتّى أصبحت رمزًا للتّقارب، وقد ألّف القاضي الرّشيد بن الزبير في القرن الخامس الهجري، كتاب "الذّخائر والتّحف"، وفيه يستعرض أخبار الهدايا والتّحف بين الملوك والرُّؤساء وغرائب المقتنيات، ممّا يدلّ على اتّساع الصّلات بين الشّعوب، واعتبار الهديّة أداة للتقارب.
الدّبلوماسيّة الثقافيّة
وإنّني على ثقة أنّ دور الدبلوماسية الثقافية سيزداد توسّعا في المستقبل، ولن تستطيع الدبلوماسيّة التقليديّة الاستغناء عنه، وقد كنّا في قطر واعين تمام الوعي بهذا الأمر، وتميزّنا بالدبلوماسيّة الثقافيّة ممّا عزّز من مكانة بلدنا وتفاعله مع العالم، فكانت تجربة السّنوات الثقافيّة بين قطر وبعض دول العالم علامةً فريدة على نجاح الثقافة في بناء جسر بين الشّعوب، وتعزيز التفاهم من خلال تبادل التجارب الإبداعيّة، واستكشاف التنوّع الثقافي والتفاعل الحضاري. وشاركت مختلف المؤسسات الثقافيّة في هذا الاتّجاه، لتمنح الدبلوماسيّة الثقافيّة محتوى متجدّدًا، وهو ما عكسته البرامج الثقافيّة لهيئة متاحف قطر، ومؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، والمؤسسة العامة للحيّ الثقافي "كتارا"، ومكتبة قطر الوطنيّة على امتداد سنوات، فتوطّدت العلاقات مع دول العالم، بل وأصبحت الدّوحة مفترقًا حضاريّا للثقافات العالميّة.
إنّني على ثقة أنّ دور الدبلوماسية الثقافية سيزداد توسّعا في المستقبل، ولن تستطيع الدبلوماسيّة التقليديّة الاستغناء عنه
كما ساهمتْ مبادرات "التّعليم فوق الجميع" و"علّم طفلًا" في تعزيز الروابط الدّبلوماسيّة لما تحمله رسالة التّعليم من تنمية لثقافة السّلم. كذلك سيعزّز احتضان دولة قطر لبطولة كأس العالم FIFA قطر ٢٠٢٢™، الصّلات مع سائر دول العالم، حيثُ تلعب الرياضة دورًا أساسيًّا في هذه القوّة الناعمة.
إنّني أؤمن بأنّ هذه الدبلوماسية الثقافيّة تزدادُ نجاحًا كلّما شارك فيها الأكاديميون والمؤسسات الأكاديميّة
وقد لمستُ تأثير الدبلوماسية الثقافية من خلال ممارسة هذا الشكل من أشكال الدبلوماسية خلال حملة ترشحي للأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) التي حققت نتيجة مبهرة لما تتمتع به بلادي من مكانة متقدّمة في هذا المجال الدبلوماسي.
وإنّني أؤمن بأنّ هذه الدبلوماسية الثقافيّة تزدادُ نجاحًا كلّما شارك فيها الأكاديميون والمؤسسات الأكاديميّة، فالعلوم التي تدرّس في الجامعات ليس غايتها الأساسيّة توفير كفاءات للمجتمع فحسب، بل تأهيل مواطنين يُمارسون قيم الحوار وتبادل الثقافات من أجل نشر التّفاهم، فتكون الدبلوماسيّة الثقافيّة ذات فاعليّة بين الشباب المتعلّم وحصنًا منيعًا للأجيال القادمة. من هنا يتوجب اليوم على العالم بتعقيداته السياسية أن يعطي الدبلوماسية الثقافية المكانة المناسبة لها ليتمكن من التعارف والتعايش.