للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
خبراء من جامعة حمد بن خليفة التابعة لمؤسسة قطر يتحدّثون عن الاستدامة الاقتصادية لرعاية مرضى السرطان مع التركيز بشكل خاص على سرطان الثدي
يعتبر مرض السرطان من الأسباب الرئيسية للوفاة في جميع أنحاء العالم، وهو يمثل تحدٍ كبير للبشرية على الصعيد الصحي، كونه منهك، ذو عبء سنوي متزايد باستمرار. وفي حين يوجد العديد من الجوانب التي تمثل تحديات فيما يتعلق بمرض السرطان، مثل إدارة أعراض المرض والوفاة، إلا أنه هناك جوانب أخرى هامة يجب التركيز عليها، ألا وهي تراجع جودة الحياة لدى بعض المرضى والعبء الإضافي الذي يقع على عاتق الاقتصاد. وهو ما يترتب عليه زيادة الأعباء المالية الأخرى إلى جانب التكلفة المباشرة للعلاج، الرعاية، والاستشفاء. وقد تشمل التكاليف غير المباشرة خسارة العمل، ومطالبات التأمين بتعويضات عن التغيّب عن العمل والرواتب، والمطالبات المادية بسبب الوفاة المبكرة، ومصاريف إدارة المنزل وأخرى متعلقة برعاية الأطفال.
من الصعب تحديد حجم هذا العبء الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، ولكنه بالتأكيد يختلف من بلد إلى آخر. ففي عام 2015، في الولايات المتحدة الأمريكية، تم تقدير تكلفة الرعاية الصحية الخاصة بمرض السرطان بحوالي 80.2 مليار دولار أمريكي. بالمثل، في عام 2014، بلغت التكلفة السنوية المتعلقة بالرعاية الصحية للسرطان في أوروبا حوالي 110 مليار دولار أمريكي. ومع ذلك، من المستحيل تقدير التكلفة المباشرة أو غير المباشرة المرتبطة بالسرطان بدقة.
مصدر الصورة: Lisa-S، عبر موقع Shutterstock
يمثل السرطان حوالي 17 في المائة من إجمالي عبء الأمراض في البلدان المتقدمة، وتعتبر بعض العلاجات الجديدة والفعالة للسرطان عالية التكلفة. في الوقت نفسه، فإن ميزانيات الرعاية الصحية محدودة، ويتم إنفاق ما يتراوح بين 4 في المائة و 6 في المائة فقط من هذه الميزانية على مرض السرطان – وهي نسبة لم تتغير على مدار السنوات القليلة الماضية.
من أجل تحقيق رعاية مستدامة لمرضى السرطان، فإنه من الضروري أن يتم معالجة وتقليل أوجه القصور في النظام بأكمله لتصبّ في صالح المرضى. لحسن الحظ، يمكن الحد من خطر الإصابة بالسرطان، وتخفيف الضغوط المالية بعيدة المدى المرتبطة به إلى حد كبير من خلال وضع سياسة اقتصادية وطنية مدروسة جيدًا للرعاية الصحية، والتي قد تشمل الترويج لإتباع أسلوب حياة صحي، الفحص المبكر، وبحث خيارات الطب الدقيق لتجنب التكاليف غير الضرورية أو تقليلها لا سيما المرتبطة بالعلاج الكيميائي، والرعاية التسكينية، وأخيرًا الاستثمار في برامج التوعية العامة.
بالنسبة لسرطان الثدي، فإن الفحص والعلاج المبكر قد أحدثا ثورة في معدل النجاة من المرض والبقاء على قيد الحياة. في الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، وصل معدل البقاء على قيد الحياة لخمس سنوات لمصابي سرطان الثدي لأكثر من 90 في المائة، وذلك بفضل تقنيات الكشف المبكر المتاحة للجميع.
أحد خيارات الكشف المبكر هو الاختبار الجيني. هناك عنصر متفاوت لدى كل من أنواع السرطان يرجع للتاريخ المرضي العائلي، مما يعني أنه يرجع إلى المتغيرات الجينية المهيأة والتي قد تُظهر احتماليات الإصابة. على سبيل المثال، يعاني من 5 في المائة إلى 10 في المائة من مرضى سرطان الثدي من طفرة في أحد جيني سرطان الثدي(BRCA) ، مما يزيد بشكل كبير من فرص الإصابة بسرطان الثدي، ويعد الفحص الجيني لأفراد أسرهم إجراءً وقائيًا فعالًا.
يمكن أيضًا تحقيق الاكتشاف المبكر من خلال إتاحة برامج الفحص على مستوى السكان لمن هم في سن أكثر عرضة لخطر الإصابة. بالنسبة لسرطان الثدي، يعتبر التصوير الإشعاعي للثدي طريقة فحص حساسة، وقد ثبت في الدول التي تحظى برامج الفحص البكر لديها بمشاركة عالية، تحقيق نتائج أفضل. في نهاية المطاف، إن تثقيف كافة السكان وخاصة أطباء الأسرة الذين يمثلون نقطة التواصل الأولى مع المرضى من حيث التعرف على أعراض الإصابة بالسرطان يُعدّ طريقة فعالة للتشخيص المبكر ولتقليل التكاليف المرتبطة بالعلاج.
مع تزايد الطلب على الرعاية عالية الجودة لمرضى السرطان والأعباء المالية المرتبطة بها على أنظمة الرعاية الصحية، هناك حاجة ماسة لتخصيص الموارد بشكل مناسب لرعاية مرضى السرطان بكفاءة. لتحقيق رعاية مستدامة لمرضى السرطان، هناك حاجة لمشاركة كافة الأطراف المعنية، بما في ذلك المرضى والأطباء والأكاديميين وخبراء الرعاية الصحية، بالإضافة إلى صانعي السياسات لبناء الثقة، وضمان التبني السلس لاستراتيجية جديدة لتعزيز الكفاءات، بحيث تؤدي إلى وضع توصيات سياسية عملية، وخطوات تنفيذها.
بمجرد التأكد من الحاجة إلى العلاج، فإن أحد الجوانب الهامة لإدارة مرض سرطان الثدي تتمحور حول كفاءة العلاج. قد لا تعني الكفاءة بالضرورة انخفاض التكلفة، ولكن بدلًا من ذلك يجب أن تركز على العلاجات المستهدفة ذات النتائج المجدية للمرضى. وقد لا تكون السياسات قصيرة الأجل التي تركز فقط على تدابير خفض التكلفة وعدم أخذ نتائج المرضى في الاعتبار ذات فائدة، بل على عكس ذلك، قد تؤدي إلى زيادة الإنفاق.
تُعد شفافية الإفصاح عن بيانات النتائج الخاصة بالمريض من الأمور الهامة والمحورية لتحسين كفاءة العلاج، حيث يجب استخدام هذه البيانات لتحديد فرص التحسين المحتملة في الممارسة السريرية. لسوء الحظ، فإن عدم توفر هذه البيانات يجعل من الصعب للغاية تحديد حالات المرضى بعد العلاج، سواء من حيث عودتهم إلى الحياة الطبيعية و/أو خلوهم من أية مضاعفات، لأن معظم أنظمة الرعاية الصحية ليست مصممة لجمع البيانات غير السريرية المرتبطة بنمط حياة المرضى والعقبات الاقتصادية التي يواجهونها.
من منظور علاجي، تنقسم أنواع سرطان الثدي حاليًا إلى ثلاثة أنواع فرعية جزيئية، والتي يتم تحديدها لكل سرطان ثدي كجزء من عملية التشخيص. من المهم أن يتم التحديد المبكر للحالة من بين هذه الأنواع الفرعية لتجنب الخضوع للعلاج الكيميائي غير الضروري الذي يمثّل عبئًا ماليًا على نظام الرعاية الصحية كذلك على نمط حياة المرضى.
مصدر الصورة: H Ko، عبر موقع Shutterstock
اضغط على الرابط لقراءة: يدرس العلماء عمليات الأيض الخاصة بالمرضى والأورام لزيادة دقة علم الأورام
هناك حاجة لفحص نظام رعاية مرضى السرطان بأكمله في محاولة لتحسين الكفاءة في مختلف جوانب نظام الرعاية الصحية. ويجب تحديد أوجه القصور، كما قد تكون هناك حاجة لخلق كفاءات جديدة لتحسين نتائج المرضى والاستفادة القصوى من الموارد المتاحة. هناك حاجة لاعتماد فلسفة التحسين المستمر، مع وضع نتائج المريض في مركز اهتمامنا لتحقيق أكبر قدر من التطوير وتحسين مستوى رعايتهم بشكل مستدام.
كتب هذا المقال كلّ من: الدكتور بوربالا ميفسود، والدكتور عمر خان، الأستاذان المساعدان في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة، إلى جانب الدكتور نهاد العجيز، كبير العلماء في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي بجامعة حمد بن خليفة.