إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | التعليم
11 April 2021

مقال رأي: الموقف الشرعي من العملات الرقمية المشفرة

مشاركة

مصدر الصورة: Krakenimages.com، عبر موقع Shutterstock

د. عبد العظيم أبو زيد، أستاذ التمويل الإسلامي المشارك بكلية الدراسات الإسلامية، جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، يتحدث عن أسباب عدم صلاحية العملات الرقمية الشبيهة بعملة البيتكوين من منظور الشريعة

يتفق الدين الإسلامي والنظام الاقتصادي التقليدي في الرؤية ذاتها لمعايير العملة المقبولة ووظائفها الاقتصادية المتصورة. ووفقًا للرؤيتين ورغم كون العملات الرقمية المشفرة وسيلة مبتكرة للسداد وأداة للتداول والتجارة إلا أنها لا تزال عملة غير قانونية نظرًا لافتقارها إلى أهم خصائص العملات، وهي أن تكون وسيلة للصرف والتبادل، ووحدة للحساب، ومستودعًا للقيمة.

ولا تزال البيتكوين تفتقر إلى الخصائص الضرورية للعملة القانونية في ظل القبول المحدود لها، وبعض المشاكل المتعلقة بالأمان وسلامة الاستخدام، علاوة على تذبذب قيمتها بشكل كبير

الدكتور عبد العظيم أبو زيد

وعلى الرغم من توافر هذه السمات الثلاث في العملات الرقمية المشفرة إلى حد ما، إلا أنها ليست جلية أو متأصلة فيها لدرجة تؤهلها لأن تكون عملة صالحة. ومن الممكن مستقبلاً أن تتطور هذه العملات وتصبح عملة معترفاً بها عالمياً، ولربما حلّت محل العملات التقليدية، لكن هذا الأمر يحتاج إلى بعض الوقت ويتطلب إجراءات حوكمة مناسبة لتنظيمها وإخضاعها للرقابة والسيطرة بهدف تفادي المخاطر الكبيرة والمخاوف المرتبطة بالتعامل بهذه العملة. وقد جاء في بيان لبنك التسويات الدولية، الذي يعد المصرف المركزي لكل المصارف المركزية الأخرى: "في الوقت الذي تعد فيه العملات الرقمية أداة ثورية مبتكرة إلا أنه من الخطورة البالغة أن تُستخدم كعملة قانونية في الوقت الحالي".

الدكتور عبد العظيم أبو زيد من جامعة حمد بن خليفة.

وبالنسبة لعملة البيتكوين على وجه التحديد، فقد امتازت على غيرها من العملات الرقمية المشفرة، لكن على الأرجح كأداة للمضاربة لا أكثر. ولا تزال البيتكوين تفتقر إلى الخصائص الضرورية للعملة القانونية في ظل القبول المحدود لها، وبعض المشاكل المتعلقة بالأمان وسلامة الاستخدام، علاوة على تذبذب قيمتها بشكل كبير. وقد بدأت بقيمة دون الدولار الأمريكي بكثير ثم ارتفعت قيمتها في 2017 من 1000 دولار أمريكي إلى عشرين ألف دولار، وبنهاية نفس العام فقدت ما يقرب من نصف قيمتها. وفي أبريل من هذا العام وصلت قيمتها إلى 61,259 دولارا أمريكيًا بعد أن تراجعت إلى 4500 دولار أمريكي في عام 2020.

ومع ذلك، ربما يكون لدى عملة البيتكوين فرصة التطور واكتساب سمات العملة القانونية العالمية إذا أقرتها سلطات العالم وخضعت للوائح والقيود الضرورية.

ليس ثمّة اعتراض شرعي من حيث المبدأ على ابتكار عملات جديدة مثل العملة الرقمية أو العملة المشفرة طالما استوفت الشروط الشرعية للعملة القانونية

الدكتور عبد العظيم أبو زيد

ويمكن إجمال القول في موقف الشريعة من العملات الرقمية المشفرة وفق فهمي له في النقاط التالية:

  • مفهوم العملة في الشريعة لا ينحصر في الذهب أو الفضة، بل إن الشريعة تقر أي عملة يستخدمها الناس استخدام الأثمان. ومعنى هذا أنه ليس ثمّة اعتراض شرعي من حيث المبدأ على ابتكار عملات جديدة مثل العملة الرقمية أو العملة المشفرة طالما استوفت الشروط الشرعية للعملة القانونية وخضعت في تداولها ومعاملاتها لنفس القواعد الشرعية المتبعة مع العملات المعتادة.
  • ومن المنظور الشرعي، فإن العملة التي تكون قيمتها تقنية لا جوهرية لا بد من دعمها بأصول لها قيمة حقيقية ملموسة أو الإشراف عليها من جانب هيئة مالية معتبرة لحماية المتعاملين بها من الوقوع ضحية للنصب والاحتيال أو حمايتهم من التقلبات الهائلة في قيمتها.
  • النجاح الذي أحرزته عملة البيتكوين يعود إلى استخدامها كأداة للمضاربة السعرية وليس باعتبارها عملة حقيقية. ومعظم من اشترى هذه العملة هم مضاربون يهدفون إلى تحقيق كسب سريع من المضاربة دون المخاطرة بالاحتفاظ بها لفترة طويلة. وبالنسبة لهم، فإن البيتكوين فرصة استثمارية وليست عملة يجري التعامل بها كسائر العملات. وطالما أن هذا هو حقيقة الحال، فإن الساعين خلف الكسب السريع قد يتوفقون عن الإقبال عليها في يوم من الأيام ويتجهون إلى أداة مضاربة أحدث، ولا سيما أن التكنولوجيا الحديثة قد يسّرت على نحو كبير خلق أدوات استثمارية تحمل ذات المضمون القماري.

التداول بالعملات المشفرة ينطوي على مخاطرة كبيرة بسبب التقلب الشديد في القيمة، مما يجعل الاستثمار فيها أشبه بالمقامرة، وهو ما ترفضه الشريعة

الدكتور عبد العظيم أبو زيد
  • التداول بالعملات المشفرة ينطوي على مخاطرة كبيرة بسبب التقلب الشديد في القيمة، مما يجعل الاستثمار فيها أشبه بالمقامرة، وهو ما ترفضه الشريعة. ولا شك أن التقلب الشديد في قيمة العملات المشفرة والإقبال المضطرب عليها يؤثر على ثمنيتها، مما يعوق وظائفها الاقتصادية كعملة صالحة ومقبول من المنظور الشرعي.
  • إمكان تعرض البيتكوين وسائر العملات الرقمية المشفرة للسرقة الإلكترونية، وللتلاعب والاحتكار، يجعلها محل نقد شديد في المنظور الشرعي، ولا سيما مع الدراية الإلكترونية الرقمية المحدودة لأكثر الناس، مما يجعلهم فريسة سهلة للقرصنة والهجمات الإلكترونية. ولا تجدي الحماية والحلول المضادة التي يبتكرها المختصون، لأنه هذه الحلول تأتي دائماً علاجاً لهجمات سابقة، وفي الفترة ما بين الهجمة إلى إيجاد الحل المضاد يمكن أن تفقد وتسرق عملاتٌ كثيرة.

العملات المشفرة لا تزال تفتقر إلى كثير من الخصائص الضرورية للعملات من المنظر الشرعي بحسب الدكتور عبد العظيم أبو زيد.

والخلاصة أن العملات المشفرة لا تزال تفتقر إلى كثير من الخصائص الضرورية للعملات من المنظر الشرعي، كما أنها تنطوي على مخاطر كبيرة ترتبط بالتداول فيها وتضفي عليها صبغة المقامرة. ولو أمكن حل هذه الإشكالات فقد تقرها الشريعة كما حدث مع الأوراق النقدية من قبل.

د. عبد العظيم أبو زيد حاصل على درجتي الماجستير والدكتوراة في الفقه المالي، وقد قدّم العديد من ورش العمل والدورات التدريبية في المصارف الإسلامية والمؤسسات المالية والجامعات، وعمل لدى عدد من المصارف الإسلامية، ونشر أكثر من 70 مؤلفًا في التمويل الإسلامي. وهو أستاذ مشارك للتمويل الإسلامي في جامعة حمد بن خليفة، العضو في مؤسسة قطر.

قصص ذات صلة