إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | المجتمع
29 March 2020

مقال رأي: إذا طبّقنا الكوتا الجندرية.. من سيكون تحديدًا المستفيد من ذلك؟

مشاركة

رندة عبد الفتاح، الروائية والأكاديمية والمحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان- تتحدث عن أهمية تحقيق التوازن التي تتعدى قضية المساواة بين الجنسين ضمن مشاركتها في أحدث نقاش لمناظرات الدوحة التابعة لمؤسسة قطر

شاركتُ مؤخرًا في نقاش نظمته مناظرات الدوحة، إحدى مبادرات مؤسسة قطر، يسلط الضوء على قضية المساواة بين الجنسين والكوتا الجندرية. ولقد تحدثت ككاتبة استرالية، مسلمة، فلسطينية، مصرية عملت كمحامية، وتعمل الآن كباحثة أكاديمية في قضايا العرقية، الإسلاموفوبيا، التفرقة بين الجنسين، وتقاطع أشكال التمييز، وهويات الشباب والحرب ضد الإرهاب.

من خلال التعريف عن نفسي بهذه الطريقة، إنني أعارض الإتفاقيات العلمية الموضوعية التي تمحو الهوية، والموقع الاجتماعي وعلاقات القوة تحت مسمى الموضوعية وأساطير الهويات غير المُسيّسة. فجميعنا يحمل هويات مُسيّسة، ولذلك قد تبنيت مبدأ الصراحة الشديدة في ما يتعلق بضرورة محاربة ليس فقط الهرمية الجندرية، ولكن كذلك الهرمية العرقية وذلك من خلال التركيز على قضية العرق في تحليلي.

شاركت رندة عبد الفتاح مؤخرًا في نقاش نظمته مناظرات الدوحة، يسلط الضوء على قضية المساواة بين الجنسين.

وكيف يمكنني ألا أفعل ذلك؟ فقد جئت من استراليا، حيث 94.4% من الأعضاء المنتخبين في برلماننا الاتحادي وقرابة 95% من كبار القادة والكوادر التنفيذية من أصول وخلفيات أنجلو-أوروبية. أنا شخصياً أنتمي لأكاديمية، حيث 97% من نواب رؤسائها من أصول أنجلو-سيلتك/أبيض أوروبي (وقد ارتفعت نسبة نواب رؤساء الجامعات ذوي البشرة الملونة في استراليا من صفر إلى 2.6% في ما بين عام 2016 و2018 تعيين واحد لنائب رئيس جامعة غير أبيض، وذلك في جامعة كانبيرا تحديدًا).

فيبدو لي بصورة مباشرة أن الدعوة للكوتا الجندرية لا تتعلق بتقديم سياسة للتمييز الإيجابي، بل بنقل سياسة التمييز الإيجابي الموجودة بالفعل من الرجال إلى النساء.

في واقع الأمر أن التمييز الإيجابي هو نهج قائم بالفعل، وهي آلية ترسخت على مدار التاريخ في مؤسساتنا السياسية، والأكاديمية وفي قطاع الأعمال، أنتجت بدورها واقعًا يهيمن فيه الرجال بأغلبية ساحقة على كراسي البرلمان وغرف الاجتماعات ومناصب القيادة العليا، مما يمنحهم أكبر وصول إلى ساحات السلطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. لكن الحقيقة هي أن عدم المساواة بين الجنسين، تاريخياً وفي الوقت الحاضر، يؤثر على النساء بشكل مختلف.

هذا هو السبب في أن النقاش حول تكافؤ الفرص أو تكافؤ النتائج يجب أن يُصاغ بسؤال أشمل وهو: فرصة أو نتيجة لمن بالتحديد؟ فنسبة 2.8% فقط من مدراء مجلة Fortune 500 هن سيدات من ذوي البشرة الملونة. وضمن 19000 أستاذًا جامعياً في بريطانيا، هناك 4000 أستاذة جامعية بريطانية من ذوي البشرة البيضاء و 25 أستاذة من ذوي البشرة الملونة.

نحن بحاجة إلى دفع النقاش حول الكوتا الجندرية من منظور يطبق آليات التقاطع التي تأخذ في الاعتبار العلاقة بين الجنس والعرق.

رندة عبد الفتاح

نحن بحاجة إلى دفع النقاش حول الكوتا الجندرية من منظور يطبق آليات التقاطع التي تأخذ في الاعتبار العلاقة بين الجنس والعرق، مع الاعتراف بأنه هناك فئة تتألف من نساء من ذوي البشرة الملونة، لذا فهم يواجهون تحيزًا جنسياً وعنصرياً. ومع ذلك، فإن الجدل حول الكوتا الجندرية، خاصةً في الدول الغربية، غالبًا ما يتناول النساء كمجموعة بمحور واحد من القمع. وتصبح "المرأة" فئة رئيسية، تمثل نصف المجتمع، مع تجاهل حقيقة أن مسألة العرق ستستمر في خلق فروق اجتماعية ومادية لهذا النصف.

ومع ذلك، ما أصبح جلياً بالنسبة لي على الفور من خلال المناظرة والمناقشات التي تلتها عبر الإنترنت- هو كيف أن النقاش حول قضية المساواة بين الجنسين تضع عبء الإثبات على كاهل النساء والنساء من ذوي البشرة الملونة لابتكار حلول من نوع "حل واحد يستوعب الجميع"، ولتبرير حقهم في الإندماج، وحاجتهم لرفع دعوى ضد الافتراض بأنهن غير جديرات أو بأنهن لسن جيدات بما فيه الكفاية أو بأنهن سيتسببن في إحداث انقسام واستياء، وأنهن يستحقَن مكانًا على الطاولة. والدفاع عن الكوتا الجندرية، ووصم حقيقة انعدام المساواة بين الجنسين، وامتياز ذوي البشرة البيضاء على وجه التحديد، قد تم تفسيره على أنه دعوة لحمل السلاح ضد الرجال وضد النساء البيض. وعليه قد يتم تأطير الجدل على أنه معارضة ثنائية بين "الرجال الأشرار والنساء البيض الخونة" من ناحية والنساء من ذوي البشرة الملونة "الضحايا" من ناحية أخرى.

النتيجة الحتمية هي الوصول لطريق مسدود؛ وهي نتيجة معروفة أيضًا لدى أي فرد يتعامل ضمن إطار عمل متعدد القطاعات. فيُختذل النقاش ليكون بين أفراد وليس بين الهياكل والأنظمة التي نتعامل من خلالها في الوقت الحالي نتيجة للتطورات التاريخية، والاجتماعية والمادية. في تلك الحالة الأخلاق، والنوايا الحسنة ليست ذات صلة. ليس هناك عدو أو حليف منفرد. بل هناك وضع هيكلي ومؤسسي قائم لا يمكن إنكاره وهو: أن الرجال يسيطرون على المناصب العليا في العالم السياسي والتجاري والأكاديمي. ومع ذلك، يُطلب من النساء، وخاصة النساء من ذوي البشرة الملونة أن يثقن بتصريحات النوايا الحسنة، وبأن الوضع الراهن سيفسح لهم المجال "تلقائياً" في نهاية المطاف.

ولكي ينمو أي شيء، فهو يحتاج إلى التربة والظروف المناسبة. تلك ليست صفقة خاسرة. وقضية الكوتا الجندرية ليست هي الحل الوحيد.

رندة عبد الفتاح

ولكي ينمو أي شيء، فهو يحتاج إلى التربة والظروف المناسبة. تلك ليست صفقة خاسرة. وقضية الكوتا الجندرية ليست هي الحل الوحيد. فهم جزء واحد من خطة أكبر تهدف إلى تقليب واستصلاح التربة التي ما تنفك تنبت أغلبية ساحقة من الرجال والنساء من ذوي البشرة البيضاء.

ما أصبح جلياً أيضًا، هو أن مشكلة النقاش حول المساواة بين الجنسين والكوتا الجندرية أصبحت في الحديث المُقيّد بالتركيز على نقص تمثيل المرأة. فنحن مطالبون بشرح كيفية أن لا يتم ترميزنا "كنساء كوتا". كيف نشعر عندما يتم الحكم علينا ويتم تحديدنا من خلال "سياسات الهوية"؟ لماذا لا نُقبل جميعنا كأفراد، بناءًا على مميزاتنا الفردية، وليس كممثلين لمجموعة؟ "كلنا بشر" هي عبارة يمكن تصديقها فقط إذا تجاهلنا حقيقة أن البشرة البيضاء تعتبر هي أيضًا هوية في حد ذاتها. يتم منحها رفاهية "الحياد" و"الخفاء" فقط لأنها تُعتبر شائع مٌسلّم به عالمياً.

ماذا لو قلبنا السؤال؟ ماذا لو بدلاً من أن نسأل لماذا لا تحظى النساء أو النساء ذوي البشرة الملونة بنسبة تمثيل عادلة في المناصب السياسية العليا، وفي قطاع الأعمال والقطاع الأكاديمي، نسأل: لماذا يحظى الرجال بنسبة تمثيل زائدة؟ ولماذا يتم التغاضي عن تلك الظاهرة، ولماذا هناك افتراض مسبق بأنهم جديرين بتلك المناصب لكفاءتهم؟ أليسوا "رجال كوتا"؟ يتمتعون بمناصب بسبب افتراضية أن الرجال يستحقون أعلى المناصب التنفيذية، أو المناصب الأستاذية أو أكبر عدد من المقاعد في البرلمان؟ نادرًا ما يتم التفكير أو التردد في ما يتعلق بهذا الشأن، لأن أسطورة الجدارة قد جعلت الناس يؤمنون بالفرضية المهينة التي تقضي بأن النظام الذي يفترض أنه يعتمد على المواهب والجدارة المتأصلة، يُنتج حتمًا غالبية من الرجال لأنهم بشكل طبيعي متفوقون وأكثر استحقاقًا.

تقول رندة عبد الفتاح أن العديد من النقاشات حول قضية المساواة بين الجنسين تركز على ابتكار حلول من نوع "حل واحد يستوعب الجميع"

الكوتا الجندرية التي لا تكترث لمبدأ العمل متعدد القطاعات كخطة تهدف إلى النهوض بالمرأة بشكل عام، تؤثر سلبًا بل وتعيق الخطة من خلال تمكين النساء ذوي البشرة البيضاء على حساب النساء الملونات. فالنساء من ذوي البشرة البيضاء يتمتعون بمزايا عرقية خلال معركتهم ضد التحيز الجنسي في مجتمع يسيطر عليه الذكور، والأهم من ذلك، أن مثل تلك المزايا العرقية قد تتواطأ بصورة غير مقصودة مع التحيز الجنسي، وتؤدي إلى زيادة التهميش والعنصرية ضد المرأة ذات البشرة الملونة.

أنا غير مهتمة بالكوتا الجندرية التي هدفها أن تنتج برلمانات، وغرف اجتماعات أو أكاديميات بها تمثيل متساو بين الرجال والنساء من ذوي البشرة البيضاء. فهذا ليس تمكينًا أو مساواة – بل حركة نسائية تعمل على ترسيخ الهيمنة العنصرية. نحن بحاجة إلى استخدام الكوتا الجندرية كواحدة من أدوات كثيرة ضمن خطة تغيير شاملة، تسعى إلى تحقيق إعادة توزيع جذرية لديناميكية القوى تلك.

قصص ذات صلة