إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | المجتمع
18 May 2020

مقال رأي: ازدهار الشرق الأوسط إبّان التحوّل الجديد في عالم الطاقة عبر الاستثمار في البحوث والتطوير والابتكار والتعليم

مشاركة

عمران الكواري، الرئيس التنفيذي لمؤسسة قطر الدولية، وباحث دكتوراه في كلية لندن الجامعية، معهد الموارد المستدامة، يتحدث عن حاجة المنطقة للتموضع في مستقبل عالم خالٍ من الكربون

يمرّ العالم بمرحلة من التحوّل لمرّة واحدة في كلّ قرن، وهو تحوّل له أبعاد متعددة ولا سيّما في مجال الطاقة. إذا كانت الأجيال السابقة قد مرّت بـ"الثورة الصناعية" أو ما يُعرف بـ"عصر البخار"، فنحن اليوم في عصرنا هذا، نعيشُ في مرحلة واضحة من التحوّل مرتبطة بمجال الطاقة، وهي مرحلة تختلف بشكل جوهري عن تلك التي مررنا بها سابقًا.

من المهم معرفة طبيعة هذا التحوّل وارتباطه بالطاقة منخفضة الكربون، وإدراك حقيقة أنه يتحرّك وفق التغيّر المناخي وتأثيره على كوكبنا، ولا يتحرّك بواسطة العِلم. وعليه، من المقرر أن تتأثر منطقة الشرق الأوسط بمجموعة متنوعة من التحديات بشكل غير متكافئ، وذلك لما أصاب المنطقة خلال عقود. إذا أدركنا حقيقًة، أن نجعل اقتصاداتنا ومجتمعاتنا مرنة كفاية لمواجهة هذا التحدي، فلا بدّ لنا من الاستثمار في مجالات البحوث والتطوير والابتكار والتعليم أيضًا.

تعد مؤسسة قطر صرحًا للبحوث والتطوير والابتكار والتعليم أيضًا، وبحسب عمران الكواري فإن هذه القطاعات حيوية لتمكين الشرق الأوسط من تلبية التحديات المتعلقة بالتحول نحو الطاقة منخفضة الكربون

كذلك فإن التحذيرات المرتبطة بالتأثير المحتمل للاحتباس الحراري سرعان ما تحوّلت إلى واقع ملموس، وهذا ما ينعكس على سكّان المنطقة البالغ عددهم نحو 400 مليون نسمة، سواء من حيث الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة، وارتفاع منسوب المياه، وانقراض مجموعة متنوعة من الأجناس؛ بالإضافة إلى ذلك برزت تحديات اقتصادية واجتماعية غير مباشرة، بما فيها ارتفاع في معدلات الهجرة، وزيادة المخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي، ناهيك عن الجفاف والظروف الزراعية الأكثر قسوة. وهذا هو الدافع الأساسي للتركيز على أهمية البحوث والتطوير والابتكار والتعليم كعامل حيوي لضمان قدرة المنطقة على التكيّف ديناميكيًا في عالم سريع التغّير، وهذا يتضمن احتواء التحوّل الجديد في عالم الطاقة.

إن البلدان المنتجة للنفط والغاز في الشرق الأوسط غالبًا ما تجد نفسها في وضع متناقض من حيث تأثرهم سلبًا بالخصائص الجغرافية ومناخهم الدافئ، وهذا يعدّ جزءًا من جوانب العمل في هذه الدول. وفيما تعتبر هذه الدول الآن وضعًا جيدًا من حيث قدرتها على التكيّف في المدى القصير، إلا أن ذلك يرجع جزئيًا إلى وضع صادرات الوقود الأحفوري في الوقت الراهن، لكن انخفاض الطلب والعائدات على المدى الطويل سيؤثر على قدرة منتجي النفط والغاز في التكيّف مع آثار التغير المناخي.

إذ تقدّر منظمة "تتبع الكربون" جدولة 2 تريليون دولار أمريكي من أُصول الوقود الأحفوري بحلول منتصف هذا القرن، بسبب انخفاض الطلب بشكل كبير على المنتجات النفطية، والتوجه العالمي بقوّة نحو الطاقة الكهربائية، وعزل الكربون.

‎مع حدوث التحوّل نحو انخفاض الكربون وإيلاء الطاقة المتجددة الدور الأكبر، من المتوقع أن تتغير الجغرافيا السياسية للطاقة بشكل كبير، خصوصًا مع اقتراب العرض من الطلب

عمران الكواري

للشرق الأوسط القدرة على إطالة عمر أصوله من خلال المضي قدمًا في الإجراءات المرتبطة بالطاقة الأكثر كفاءة وفعالية في العالم على مستوى التكلفة، لكن يمكننا القول إن ذلك سيكون مسألة وقت فقط، إلى حين تحرك العالم باتجاه بعيد تمامًا عن الوقود الأحفوري.

هذه التغيّرات سيكون لها تأثير واسع وطويل الأمد من حيث الهيكلية، ومع ظهور التحوّل في مجال الطاقة منخفضة الكربون، كذلك فإن هذا التأثير لن يطال فقط الاقتصادات المعتمدة على الوقود الأحفوري، وإنما أيضًا سيطال منطقة بأكملها، لاعتمادها بشكل كبير على إيرادات هذا القطاع وارتباطها في تطوير المستقبل الاقتصادي والاجتماعي.

مع حدوث التحوّل نحو انخفاض الكربون وإيلاء الطاقة المتجددة الدور الأكبر، من المتوقع أن تتغير الجغرافيا السياسية للطاقة بشكل كبير، خصوصًا مع اقتراب العرض من الطلب. وهنا من المهم التنبه أن للموارد الطبيعية الهائلة في الشرق الأوسط أهمية في تحقيق الاستفادة من عملية التحوّل هذه، حيث يمكن لتقنيات عزل الكربون إطالة عمر أصولها الحالية، وتوفير الوقود التقليدي الذي يحتاجه العالم، وذلك من خلال الغاز الطبيعي المسال وأنواع "الانتقال الطاقي" لعقود قادمة.

‎يمكن تحقيق الازدهار على المدى الطويل، من خلال التركيز الجاد على البحوث والتطوير والابتكار والتعليم، جنبًا إلى جنب مع التنوع الاقتصادي، كعامل رئيسي في تشكيل مستقبل المنطقة.

عمران الكواري

بالنظر إلى عام 2050 وما بعده، يمكن للمنطقة الاستفادة من موقعها الجغرافي الاستراتيجي وصناعاتها المتطورة في هذا المجال، وذلك لإعادة تنصيب نفسها كمركز عالمي للطاقة المتجددة، عبر الاستفادة من وفرة الأشعة الشمسية، ومصادر الرياح، والأراضي الشاسعة لإنتاج الكهرباء وتصديرها من مصادر متعددة.

كذلك يمكن أن تشكّل هذه المنطقة موقع عبور استراتيجي رئيسي يربط إفريقيا بأوروبا وأجزاء أخرى من آسيا. ومع تطور تقنيات الهيدروجين، يمكن أن يكون الشرق الأوسط موطنًا للطاقة الهيدروجينية "الخضراء" أو "الزرقاء" على نطاق واسع، والاستفادة من الحقول المستنفدة المثالية لتخزين ثاني أكسيد الكربون. لهذا يركز قطاع البحوث والتطوير والابتكار بشكل خاص على هذه المجالات، ما سيجعل هذه المنطقة لاعبًا رئيسيًا في عصر انخفاض الكربون.

في الوقت الذي يبرز فيه الدور العالمي لشركات الطاقة المحترفة والصناديق السيادية الغنية، يمكن للشرق الأوسط أيضًا ضمان التطور الاقتصادي المستمر، وتحقيق الازدهار على المدى الطويل، من خلال التركيز الجاد على البحوث والتطوير والابتكار والتعليم، جنبًا إلى جنب مع التنوع الاقتصادي، كعامل رئيسي في تشكيل مستقبل المنطقة.

‎انطلاقًا من الإرث العظيم للعلماء العرب مثل ابن خلدون والكندي، وفي مساعٍ للاستفادة ممّا بناه هذا الإرث، يمكن للشرق الأوسط الاستفادة من التغيّر في مجال الطاقة، وتحويل الأزمة الوجودية إلى فرصة

عمران الكواري

انطلاقًا من الإرث العظيم للعلماء العرب مثل ابن خلدون والكندي، وفي مساعٍ للاستفادة ممّا بناه هذا الإرث، يمكن للشرق الأوسط الاستفادة من التغيّر في مجال الطاقة، وتحويل الأزمة الوجودية إلى فرصة، والدخول في المنافسة بالسوق العالمية عبر تعزيز القوى العاملة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والعلوم الاجتماعية بتخصصاتها المتعددة، وتحفيز الفكر النقدي البناء، ودعم المنظومة التي تشجع ريادة الأعمال والمجازفة المدروسة، وهذه كلها من سمات القرن الواحد والعشرين.

إن مرحلة التحولات هذه، تعني أننا مقبلون على فترات من التغيّر، وسيكون التغيّير في مجال الطاقة حاسمًا جدًا في ظلّ السباق العالمي المناهض لميزانية الكربون. وما تأثيرات كوفيد-19 التي انعكست على أسواق الطاقة وانهيار أسعار النفط الأمريكي، إلا مؤشر واضح على السرعة التي يمكن أن يتغير بها عالمنا.

وهذا يوضح لماذا يعدّ تطوير البحوث والتطوير والابتكار والنظام التعليمي الطريقة الأفضل والأوحد للمضي قدمًا نحو بناء مجتمعات واقتصادات مرنة قابلة للتكيّف ومستعدة لإدارة التحوّل نحو عالم منخفض الكربون.

بحسب عمران الكواري، يمكن لمنطقة الشرق الأوسط إعادة تنصيب نفسها كمركز عالمي للطاقة المتجددة عبر الاستفادة من وفرة الأشعة الشمسية ومصادر الرياح والأراضي الشاسعة. مصدر الصورة: Clemence Behier، عبر موقع Shutterstock

تويتر: @Ohalkuwari

تعدّ مؤسسة قطر وجهة عالمية للمعرفة والفرص التي تدعم التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية في دولة قطر، وتقدّم فرص التعلم مدى الحياة من خلال نموذج تعليمي فريد من نوعه، وصرحًا يعمل فيه الباحثون من أجل معالجة التحديات المحلية والإقليمية والعالمية في مجالات تشمل الطاقة والأمن المائي من خلال البحث والتطوير والابتكار.

مؤسسة قطر الدوليّة هي عضو في مؤسسة قطر، وينصبّ عملها على دعم البرامج التعليمية للطلاب والمعلمين في المدارس الابتدائية والثانوية بمختلف أنحاء العالم، وتهدف إلى تعزيز الروابط مع العالم العربي من خلال مجالات متعددة أهمها: تعليم اللغة العربية، الثقافة العربية والمجتمع العربي، وترابط المجتمعات.

قصص ذات صلة