للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
يتحدث الدكتور غوفيندا كلايتن، "وسيط" برنامج مناظرات الدوحة بمؤسسة قطر، عن أمله في أن يكون للبرنامج دور في تحسين مستوى المناظرات حول العالم
من المعروف أن الصراعات والنزاعات هما جزء من حياة الإنسان، وهو ما يتسم به البشر. فلا بد من وجود خلافات بين الناس ولا بد من وجود أهداف غير متوافقة بينهم. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا الأمر لا يُعد أمرًا سيئًا فنحن عادة ما نتعلم من الأفراد الذين نختلف معهم، حيث يمكن أن تكون مخرجات النقاشات التي تحتوي على الأفكار المختلفة مفيدة كالإبداع وإحراز التقدم وتعزيز التفاهم العميق والموافقة الجماعية.
ومع ذلك فإن عملية إنتاج الصراعات البناءة والإيجابية لها تحدياتها الخاصة، إذ يستدعي النقاش وجود احترام متبادل بين الأطراف وأن يتّسم كل منهم بحب الاستطلاع لطرق جديدة للتفاهم وأن يكونوا منفتحين لها. وللأسف فنحن نعيش في عالم يتفادى فيه الأفراد الدخول في محادثات حول أهم المشكلات القائمة وأفراد يفضلون تبادل أطراف الحديث مع من يؤيدهم الرأي، ما يخلق مشكلة الموافقة العمياء التي من الصعب أن يتعلم الأفراد من خلالها وجهات النظر المختلفة، والتي تؤدي إلى خلق فجوة أكبر بين الشعوب.
تسعى مناظرات الدوحة إلى خلق أسلوب نقاش قائم على إيجاد توافق في الآراء. على إيجاد وجهات النظر المتوافقة.
سعت مناظرات الدوحة، وهو برنامج مباشر تم تصميمه حديثًا، لاتخاذ نهج مختلف وذلك من خلال ابتعاده عن الأسلوب التلفزيوني الاعتيادي وتبني أسلوب نقاش جديد يعتمد على إيجاد موافقة جماعية وسد الفجوات. حيث ركّزت كل حلقة نقاش على أهم التحديات الإنسانية المعاصرة، بما في ذلك أزمة اللاجئين وأزمة المياه وموضوع اختلال الثقة بالمؤسسات الكبرى. وعوضًا عن تبني أسلوب مناظرات أكسفورد الذي تتنافس فيه الفرق للفوز بالنقاش، توفر مناظرات الدوحة مساحة من خلال مجلس عربي تقليدي للتناظر وإيجاد حلول وموافقة جماعية. حيث يتيح المجلس المجال للمتناظرين النقاش والاختلاف بشكل إبداعي وأن يوجد احترام متبادل وفضول لمعرفة وجهات النظر المختلفة. كما يستضيف المجلس خبير حل النزاعات أو "وسيط" يساعد مديرة الحوار والمتحدثين على تحديد النقاط التي تلتقي فيها وجهات النظر والموافقة الجماعية بينهم.
العام الماضي، قام برنامج مناظرات الدوحة بالتواصل معي لتولي دور "الوسيط"، وهذا بعد أن قضيت معظم حياتي في محاولة لفهم الطرق السلمية وتعزيزها لحل النزاعات لكي يعم السلام. ولدي الخبرة كذلك في المساعدة على تطوير مهارات حل النزاع بين مجموعات مختلفة والتي تشمل لاجئين من منطقة الشرق الأوسط وحتى مسؤولي الحكومات الغربية وموظفي الأمم المتحدة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه نادرًا ما أتيحت لي الفرصة لإظهار تلك المهارات لعامة الناس واستعراض كيفية استخدامها ضمن السياق اليومي.
غالبًا ما يشعر البعض أن النزاعات الكبيرة والخلافات العظيمة قد تكون ممتعة بالنسبة لهم، ولكنها تتعارض مع أسلوب بناء الجسور الذي يتبناه برنامج مناظرات الدوحة.
وهذا ما شجعني على مشاركة مهارات حل النزاعات لدي مع الملايين من مشاهدي مناظرات الدوحة، والمساعدة في إحداث نقاش خلاصته الموافقة الجماعية، وكالعديد من الناس، شعرت بخيبة أمل من جودة البرامج الأخرى للمناظرات ولا سيما من عدم مقدرتهم على إيجاد وجهات النظر المتوافقة وحل الصراعات، ولهذا فقد كنت حريصًا على تولي هذا المنصب والذي جاء في الوقت المناسب. وكان ينتابني الفضول مع القليل من الشك في آن واحد حول الطريقة التي سيعالج فيها البرنامج تحدي الموافقة ما بين عنصر الترفيه وتقريب وجهات النظر.
وغالبًا ما يشعر البعض أن النزاعات الكبيرة والخلافات العظيمة قد تكون ممتعة بالنسبة لهم، ولكنها تتعارض مع أسلوب بناء الجسور الذي يتبناه برنامج مناظرات الدوحة. ومع ذلك فإن إيجاد النقاط المشتركة في الآراء غالبًا ما يستغرق وقتًا طويلًا، ومع وجود تقارب بصفة عامة بين آراء المتحدثين والتي تساعد على توضيح القضية، فإن التقارب الكثير بين الآراء قد لا يكون كافيًا لتسلية الجمهور الذين تطغي عليه فئة الشباب.
وقد نجح برنامج مناظرات الدوحة حتى الآن في بناء نوع من الاختلافات التي توّلد الابداع، وبما أن ذلك يعدّ مهمة صعبة الانجاز، فقد انقلبت كفة الميزان لكلتا الحالتين، ففي بعض الأحيان، أدى الخلاف بين المتحدثين إلى نقاش ممتع، ولكنه لم يصل في النهاية إلى القواسم المشتركة بين المتحدثين، وفي أحيان أخرى، انتجت بعض النقاشات موافقة جماعية بين المتحدثين وتقارب في آرائهم. ورغم هذا التنوع، فقد نجح برنامج مناظرات الدوحة في جميع حلقاته في الموازنة بين الكفتين وإيجاد حل وسط من خلال مجلس يحتضن نقاشات مسلية وتعليمية تسعى للوصول إلى الموافقة الجماعية في آن واحد.
أثبتت مؤسسة قطر أن البرامج المباشرة التي تتبنى نهج بناء الجسور هي بالفعل ممكنة، وأنه يوجد جمهور كبير في جميع أنحاء العالم متعطش لمشاهدة مناظرات تتبنى أسلوبًا تعاونيًا.
عد النقاش في إحدى الحلقات الذي ناقش الرأسمالية مثالًا رئيسيًا على التوافق بين الجانبين، فقد ركّز النقاش على ما إذا كان النمو الاقتصادي مهم لنمو البشر. حيث تُمثل الحلقة ترابطًا رائعًا بين وجهات النظر العلمية والمتنوعة والخلافات الإبداعية، حتى أنه في النهاية، تم استنتاج النقاط التي تلتقي فيها وجهات النظر. وهذا مثال رائع يبرز الإمكانات التي يحتويها النهج المتّبع، ويوضّح كذلك كيف يمكن للخلافات الإبداعية والموافقة الجماعية أن تكون مسلية.
في الختام، فإن اتباع نهج الخلافات الإبداعية للبرامج التلفزيونية هو أمر صعب، فمن السهل جدًا استعراض جدالات سطحية ترتكز على آراء متعصّبة لجهة ما أو تحتوي على متحدثين ليس لديهم الرغبة في معرفة الرأي الآخر أو حتى التواصل معه. ولكن من أجل أن ينجح تطبيق هذا النهج، فيجب اختيار موضوع نقاش دقيق ومركّز ومتحدثين ماهرين وموقع مميز يتخذ شكل المجلس. وقد أثبتت مؤسسة قطر أن البرامج المباشرة التي تتبنى نهج بناء الجسور هي بالفعل ممكنة، وأنه يوجد جمهور كبير في جميع أنحاء العالم متعطش لمشاهدة مناظرات تتبنى أسلوبًا تعاونيًا.
من جهتي، آمل أن يصبح المجلس الذي يحثّ على بناء جسور بين الأطراف، والذي طوّره برنامج مناظرات الدوحة، نموذجًا لبرامج أخرى، وأن يكون له دور في تعزيز نقاشات وحوارات ومناظرات بنّاءة وإبداعية تناقش القضايا الصعبة التي تتناولها المناظرة وتسعى لمعالجتها.
تركز كل فعالية تنظمها مناظرات الدوحة على مناقشة أكثر القضايا التي تواجه البشرية إلحاحًا، مثل شح المياه والثقة في المؤسسات.
الدكتور غوفيندا كلايتن هو كبير الباحثين في عمليات حفظ السلام بمركز الدراسات الأمنية في جامعة إي تي إتش في زوريخ، ولديه كذلك مجموعة من الأبحاث المنشورة في مجلات علمية مرموقة على مستوى العالم وهو نائب رئيس تحرير عمليات حفظ السلام الدولي، أما في المجالات غير الأكاديمية، فله دور فعّال في تطوير طرق تسوية النزاعات واستخدامها العملي، ويدير كذلك ورش عمل حول بناء القدرات التفاوضية ومشاريع بناء السلام في مدن عديدة مثل روما وإسطنبول وبيروت وسيول، ويستشير كذلك شركات ومؤسسات دولية حول طرق تسوية النزاعات. كما يعمل الدكتور كلايتن كوسيط لمناظرات الدوحة ودوره يشمل تقريب وجهات النظر خلال المناظرات.
ستُقام الفعاليات المباشرة القادمة لمناظرات الدوحة يومي 9 و 11 مارس في الدوحة، حيث يركّز النقاش الأول على المساواة بين الجنسين والثاني على مستقبل مجال الوراثة.