للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
لمحة عن وحدة الرعاية التلطيفية الأولى في قطر، وكيف تتقاطع رسالة التعاطف مع المفاهيم الثقافية والدينية
تقول الدكتورة عزة عادل إبراهيم حسن: "لطالما ارتبط الموت والمرض بالروحانية في جميع المناطق والثقافات، بما في ذلك الشرق الأوسط. كما أن هذه المنطقة مهد ثلاث ديانات رئيسية في العالم؛ وبالتالي فإن ارتباط المعتقدات الدينية بالحديث عن الرعاية التلطيفية أو الأمراض المستعصية -مثل السرطان- أمر مفروغ منه".
تستند الدكتورة بكلامها إلى خبرتها التي تزيد عن عقدين من الزمن في هذا المجال، إضافة إلى كونها تعمل في منصب مدير برنامج الرعاية التلطيفية وتخفيف الألم في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان (NCCCR)، إلى جانب عملها كأستاذ مساعد في الطب السريري في كلية وايل كورنيل للطب – قطر ، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر.
تقول الدكتورة عزة عادل إبراهيم حسن إن هنا حاجة إلى تسريع توفير خدمات الرعاية التلطيفية في جميع أنحاء المنطقة
بحسب الدكتورة عزة، فإن "تقديرات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن عدد الإصابات السنوية الجديدة بالسرطان في منطقة الشرق الأوسط، ستزيد عن 950 ألف حالة بحلول عام 2030، مما يعني أن هذا الجزء من العالم سيشهد أعلى زيادة نسبية للسرطان بين جميع مناطق العالم. وهذه الحقيقة وحدها كافية لإظهار الحاجة إلى تسريع توفير خدمات الرعاية التلطيفية في جميع أنحاء المنطقة."
وكان المجلس الأعلى للصحة في دولة قطر (وزارة الصحة حالياً) قد دعا الدكتورة عزة عام 2008 لإنشاء أول وحدة للرعاية التلطيفية في الدولة، في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان (مستشفى أمل سابقاً) وقد كان هذا تحديًا كبيرًا، لزيادة الوعي بالمعنى الحقيقي للرعاية التلطيفية، وتغيير المفاهيم الخاطئة المرتبطة بها، حتى بين المتخصصين في الرعاية الصحية.
تقول الدكتورة: "عندما جئت إلى قطر لأول مرة، لاحظت أن الناس، بما في ذلك الأطباء، يتعاطون مع الرعاية التلطيفية وكأنها رعاية نهاية الحياة، وقد كان مجرد ذكر مصطلح العناية التلطيفية كفيلاً بإثارة الهلع، وهذا بلا شك فهم مغلوط للأمر، فالرعاية التلطيفية تتعامل مع المعاناة الجسدية والعاطفية والاجتماعية والروحية للمرضى الذين يواجهون أي أمراض مستعصية، وعائلاتهم، ولا يقتصر الأمر على السرطان وحده. أما رعاية نهاية العمر فهي ليست سوى جزء واحد من الرعاية التلطيفية. لهذا جعلت هدفي الأول تثقيف مختصي الرعاية الصحية، وكذلك الجمهور، حول معنى هذه الخدمات والحاجة إليها في القطاع الصحي في قطر. "
تتعامل الرعاية التلطيفية مع المعاناة الجسدية والعاطفية والاجتماعية والروحية للمرضى الذين يواجهون أي أمراض مستعصية، وعائلاتهم، ولا يقتصر الأمر على السرطان وحده
وقد استطاعت الدكتورة عزة إحراز تقدم كبير وملموس من خلال ورش العمل والاجتماعات المباشرة مع الجهات المعنية، إلى أن أثمرت الجهود عن إنشاء وحدة متخصصة تضم 10 أسرّة، بدلًا من الأسرّة القليلة التي كانت مستخدمة في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان منذ عام 2014.
اليوم، وبعد 11 عامًا، توسّع الفريق الذي كان مكوناً من عضو واحد في البداية، ليصبح فريقًا مكونًا من سبعة أطباء متخصصين، واثنين من الممرضين السريريين، و25 ممرضة، يدعمهم فريق متعدد التخصصات من أخصائيي التغذية، والجهاز التنفسي، والعلاج الطبيعي، والأخصائيين الاجتماعيين، والصيدلانيين السريريين، والأخصائيين النفسيين.
تعترف الدكتورة بأنها وفريقها اضطروا للتعامل مع المفاهيم الدينية والثقافية التي تؤثر على مواقف الناس تجاه الرعاية التلطيفية، بما في ذلك التردد من استخدام المسكنات الأفيونية بشكل عام لتخفيف الآلام وضيق التنفس، وفقدان ثقة العائلة في قدرات المريض على اتخاذ القرارات، والإحجام عن إيقاف العلاج المكثف الذي يتخذ في مواجهة الموت المحتم.
تقول الدكتور عزة، إنه تعين عليها هي وفريقها التعامل مع المفاهيم الدينية والثقافية التي تؤثر على مواقف الناس تجاه الرعاية التلطيفية.
ترى الدكتورة عزة أن جميع الأديان تتطلع إلى تخفيف المعاناة الإنسانية، وتؤكد الدكتورة ضرورة إقناع المرضى وعائلاتهم بأن جميع القرارات الطبية تضع راحة المريض في عين الاعتبار، وتحترم دينه، وهي نقطة تأمل أن يركز عليها المؤتمر الذي يُعقد الآن في مدينة الفاتيكان.
تنعقد الندوة تحت عنوان "الدين والأخلاق الطبية: الرعاية التلطيفية والصحة النفسية لكبار السن" بمبادرة من مؤتمر القمة العالمي للابتكار في الرعاية الصحية (WISH)، إحدى مبادرات مؤسسة قطر، بالشراكة مع الأكاديمية البابوية من أجل الحياة.
ويضم المؤتمر مناقشات صريحة بين المجتمع الطبي والقادة الدينيين حول أفضل طريقة لمساعدة المرضى الذين يواجهون ظروفًا طبية تهدد حياتهم، وكذلك مساعدة عائلاتهم، وهذا أمر بالغ الأهمية للتوصل إلى مجموعة من الإرشادات التي يمكن استخدامها من قبل الأطباء في جميع أنحاء العالم.
وتقول الدكتورة: "عزة إن القدرة على إنشاء أول وحدة للعناية التلطيفية في دولة قطر كانت إنجازًا كبيرًا بالنسبة لي على المستوى الشخصي، لكن ما يزال أمام قطر طريق طويل".
"على سبيل المثال، نظرًا لأن وحدتنا تقع في المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان، فلا يمكننا توفير الرعاية التلطيفية إلا لمرضى السرطان، وهذا يعني أن على فريقنا العمل مع مختلف الإدارات الطبية لتقديم الخدمات التلطيفية لغير مرضى الأورام الخبيثة".
تشير الدكتورة إلى أن جوهر الرعاية التلطيفية يكمن في قدرتها على إعطاء المرضى الموشكين على الموت الخيار ليكونوا بين أحبائهم، وبالتالي فإن الخدمات التلطيفية يجب ألا تكون مقتصرة على المستشفى، بل أن تمتد إلى منازل المرضى.
تضيف الدكتورة: "أظهرت دراساتنا أن المرضى في قطر يقضون أطول وقت في المستشفى للحصول على الرعاية التلطيفية مقارنة بالبلدان الأخرى التي تمتلك مرافق رعاية صحية مماثلة. ومن أجل تحقيق رغباتهم، علينا ضمان وجود القوى البشرية والموارد اللازمة لتوفير الرعاية المنزلية. "
يعد برنامج الرعاية التلطيفية في قطر، رغم حداثة عهده مقارنة بنظرائه في الغرب، أول برنامج للرعاية التلطيفية في المنطقة يحصل على اعتراف اللجنة الدولية المشتركة ثلاث مرات، وهي هيئة اعتماد دولية متخصصة في الرعاية الصحية. كما أطلق البرنامج، إضافة إلى ذلك، برنامجَ زمالةٍ في الرعاية التلطيفية.
ليس عليك سوى السير عبر أبواب وحدة الرعاية التلطيفية وتخفيف الألم وستشعر فورًا باللطف والتفهم والقبول الذي يبدو وكأنه يشع من الأطباء والممرضين والموظفين هناك
تعتبر وحدة الرعاية التلطيفية -المكونة من 10 أسرة والواقعة في الطابق الأول من مقر المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان- بداية مهمة وقوية. وما تقوله عائلة مريض اعتنت به المنشأة يساعد على توفير فهم حقيقي لتأثير هذه الوحدة.
زينب الدكالي، مساعد رئيس تحرير نشرات الأخبار في قناة الجزيرة، فقدت أمها قبل عام نتيجة إصابتها بالسرطان، وقد تلقت أمها الرعاية في وحدة العناية المركزة في مؤسسة حمد الطبية، وكذلك وحدة الرعاية التلطيفية في مقر المركز الوطني لعلاج وأبحاث السرطان تحت إشراف الدكتورة عزة.
وتقول زينب: "ليس عليك سوى السير عبر أبواب وحدة الرعاية التلطيفية وتخفيف الألم وستشعر فورًا باللطف والتفهم والقبول الذي يبدو وكأنه يشع من الأطباء والممرضين والموظفين هناك. وكم هو صعب وصف مستوى الرعاية التي قدموها لأمي، بابتساماتهم المطمئنة، ومحادثاتهم الهادئة، والاحترام الذي أظهروه لها إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة. حتى طريقة لمسهم لوالدتي وكيف كانوا يقلبونها في السرير كما لو أنها أثمن شيء في حياتهم. أتذكر كيف استعادت حيويتها خلال بضعة أيام فقط من إقامتها الأولى في الوحدة، بعد أن كانت قبل ذلك مريضة وضعيفة جدًا".
"أنا صحفية وأعتبر نفسي ماهرة في وصف المشاعر، لكن عندما رأيت التفاعل بين والدتي، التي لم تكن تتحدث الإنجليزية، وفريق التمريض -ومعظمهم لا يستطيعون التحدث بالعربية- أدركت أن لغة التعاطف لا تحتاج إلى حروف ومفردات".