للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
بعد مرور عام غير مسبوق، أجرت مؤسسة قطر مسحًا داخل مجتمعها لمحاولة إلقاء نظرة فاحصة على أبرز التغييرات التي طرأت على حياة الأفراد خلال تلك الأزمة.
مصدر الصورة: Dilok Klaisataporn، عبر موقع Shutterstockالدكتورة عائشة هند رفاعي، أستاذة الطب النفسي السريري في وايل كورنيل للطب – قطر ، تُعلق على انعكاسات الجائحة على جوانب التجربة الإنسانية وفقًا لنتائج استطلاع رأي تم بين أفراد مجتمع مؤسسة قطر
بغض النظر عن فئاتنا العمرية، وظروفنا الاجتماعية، تأثرت البشرية جمعاء بانتشار جائحة لم يكن لأحد أن يتوقع أن يشهدها في حياته. فلم يقتصر أثرها على زعزعة أساس نمط حياتنا واستقرارنا، بل كان لها انعكاسات مسّت جوهر معتقداتنا وأولوياتنا وقيمنا.
بعد مرور عام غير مسبوق، وتطلعاتنا نحو مرحلة جديدة بنوع من التفاؤل والحذر في آن واحد، حان الوقت للتمهل قليلًا والتأمل في رحلة إعادة اكتشاف الذات التي قدمتها لنا الجائحة.
الدكتورة عائشة هند رفاعي
في مسعى لرصد لتأثيرات العام الماضي على التجربة الإنسانية، أجرت إدارة الاتصال في مؤسسة قطر مسحًا داخل مجتمعها لمحاولة إلقاء نظرة فاحصة على أبرز التغييرات التي طرأت على حياة الأفراد خلال الأشهر الإثنى عشر الماضية، بهدف فهم كيفية تجاوب الأفراد مع الأزمات، وما تحمله من فرص لمساعدة الأفراد على التعرف بشكل أفضل على ذاتهم وأهدافهم الحقيقية في الحياة، وإعادة ترتيب أولوياتهم، وتحفيزهم ليكونوا أشخاصًا أفضل.
طرح الاستطلاع سؤالين على الأفراد من مختلف الفئات العمرية والحالات الاجتماعية من الجنسين، وهما "ما هي الفكرة الأساسية أو وجهات النظر التي تغيرت لديكم بعد الجائحة؟" و "ما هي أولوياتكم للمستقبل؟"
الأفكار مقارنة بالواقع 2020
كشفت نتائج الاستطلاع أن الاعتقادات والأفكار الأكثر شيوعًا التي تغيّرت خلال العام الماضي لدى الأفراد، تتعلق بمدى قدرتهم على التحكم بمسارات حياتهم، واعتقادهم بأنهم لا يملكون المرونة الكافية للتأقلم مع التغيير، والنظر إلى الأمور من النواحي المُسلّم بها، وأنهم ليسوا بالضرورة على الطريق الأمثل لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم.
تشرح الدكتورة عائشة هند رفاعي، الأستاذ المساعد في الطب النفسي السريري بكلية وايل كورنيل للطب – قطر، الجامعة الشريكة لمؤسسة قطر، كيف تسببت الجائحة في إبطاء عجلة حياتنا اليومية بوتير سريعة، ومنحتنا الفرصة لإعادة النظر في حياتنا، وفتحت أعيننا على الأخطاء التي لم نلحظها من قبل، وبالتالي كيف ساعدتنا على النضج والتطور.
تقول: " كشفت الجائحة للكثير من الأشخاص أننا لسنا قادرين على التحكم في مسارات حياتنا، وهي حقيقة أساسية منصوص عليها في كافة العقائد والسياقات الروحانية. وعلى الرغم من ذلك، يتعذر على أغلبنا وضع تلك الحقيقة نصب عينيه في خضم حياتنا السريعة والمزدحمة بالأحداث. فقد كانت أزمة الجائحة خير مثال على أنه ليس علينا سوى المحاولة وبذل قصارى جهدنا، ولكن النتائج ليست بالضرورة في أيدينا. وإن إدراك تلك الحقيقة، والتعلّم منها، وتقبّلها، إنما هو خطوة في الطريق نحو النضج والتطور".
منحتنا هذه الأزمة فرصة لنثق بأنفسنا وأظهرت لنا أنه ليس علينا دائمًا اتباع أنماط وقوالب محددة بشكل صارم لتحقيق النجاح
فيما يتعلق بالاعتقاد الخاطئ حول افتقارنا للمرونة والقدرة على التكيف، تعتقد الدكتور رفاعي أن الطريقة التي تعاملنا بها مع تبعات الجائحة كانت مفاجأة لمعظمنا. تقول الدكتورة رفاعي: " في واقعنا الحالي، يتم قياس ذكاء الفرد وصحته النفسية من خلال مرونته وقدرته على التكيّف. فقد منحتنا هذه الأزمة فرصة لنثق بأنفسنا وأظهرت لنا أنه ليس علينا دائمًا اتباع أنماط وقوالب محددة بشكل صارم لتحقيق النجاح، بل إن الإبداع هو الوسيلة والأداة التي ستجعلنا نواصل التقدم".
تعتقد الدكتورة الرفاعي أن تعرضنا لقيود السفر والتباعد الاجتماعي قد ضاعف وعينا بأهمية قضاء المزيد من الوقت مع العائلة والأحباء. مصدر الصورة: Ulza، عبر موقع Shutterstock
أما بالنسبة لاتخاذ كل ما لدينا في الحياة كأمر مسلم به، تعتقد الدكتورة رفاعي بأن ذلك ينبع من الوهم الذي نعيشه بأننا سنحيا إلى الأبد، ويميل الإنسان بطبيعته إلى إغفال حقيقة هذا الوهم، حتى يقع أمر جلل يزعزع هذا التصور لديه. فالحياة هي أشبه بالسفينة التي تأخذنا في رحلة، نخطط لأيامنا ونستمتع بها، ولكننا لا ندرك حقيقة أننا على متنها حتى تضربنا العاصفة. وإن هذا الاحتكاك بين الواقع الذي نعيشه ومعتقداتنا العميقة إنما يسمى باختبار البصيرة، وهي خطوة أخرى مررنا بها نحو النضج".
كشف الاستطلاع أن غالبية الأفراد قد أدركوا مقدار الطاقة والوقت الذي يبذلونه في جانب واحد من جوانب الحياة، وهو الجانب المتعلق بالعمل وإعالة أسرهم. بعد تطبيق سياسات العمل والتعلم عن بُعد، تم استثمار الوقت الذي عادة ما يتم قضاؤه في المواصلات وسط ازدحام ساعات الذروة بشكل أفضل. حيث بدأ الكثير من الأفراد في استئناف بعض هواياتهم وخصصوا المزيد من الوقت لاستعادة شغفهم الخاص.
فإن التمهّل ومراجعة ما نفعله، وإتاحة الوقت لأنفسنا كي ننصت لأحلامنا وأن نسعى لتحقيقها هو شيء ضروري للحفاظ على توازننا وصحتنا النفسية
تقول الدكتورة رفاعي: "تعلّمنا من هذا الوقت العصيب أنه لا ينبغي لنا أن نعيش وكأننا نخوض سباقًا. فإن التمهّل ومراجعة ما نفعله، وإتاحة الوقت لأنفسنا كي ننصت لأحلامنا وأن نسعى لتحقيقها هو شيء ضروري للحفاظ على توازننا وصحتنا النفسية".
الأولويات المستقبلية
جاءت على رأس قائمة الأولويات التي كشف عنها الاستطلاع، ضرورة الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية، وتخصيص المزيد من الوقت لقضائه مع العائلة والأحباء، والسعي لتعلّم المزيد خارج مجال الخبرة والعمل، والشكر والامتنان لكل ما هو لدينا مهما كان يبدو بسيطًا، والسفر قدر الإمكان عندما تسنح الفرصة لذلك.
تقول الدكتورة رفاعي: " يعتمد جزء من نظام عمل النفس البشرية على تجاهل حقيقة أننا قد نمرض في يوم من الأيام أو حتى أننا سنموت، وهي إحدى الآليات الطبيعية التي نستخدمها لتجنب الشعور بالقلق المفرط أو الإصابة بالأمراض النفسية. ولكن الآن، بسبب الجائحة، وتردد إحصاءات حول عدد الوفيات والمرضى في المستشفيات ووحدات العناية المركزة على مسامعنا باستمرار، فإنه أمر يهدد تجاهلنا الفطري للمرض والموت الذي نعتمد عليه بشكل أساسي في حياتنا، وكنوع من رد الفعل الدفاعي، تم تنبيهنا إلى أهمية وضع صحتنا كأولوية".
التعلم الرقمي، وسهولة التسجيل في البرامج عن بُعد وإتاحتها، قد حفز العديد من الأفراد على توسيع معارفهم والسعي لتحقيق الاستفادة القصوى من وقتهم
وأضافت: " أما عن العائلة والأصدقاء فهم يمثلون نظام الدعم الخاص بنا، وهو أمر بالغ الصعوبة عندما نضطر إلى الانفصال عنهم، سواءً لتواجدنا في بلدان مختلفة أو بسبب التباعد الجسدي. وتزداد معاناتنا من هذه القيود مع عدم اليقين الذي نشعر به لأول مرة، مما يجعلنا أكثر إدراكًا لقيمة الوقت الذي نقضيه مع الأشخاص الذين نهتم لأمرهم واستغلال كل فرصة ممكنة للتواصل معهم".
الحلم بالسفر هو علامة على أننا مازلنا نتمتع بصحة نفسية جيدة
أوضحت الدكتورة رفاعي، وهي أيضًا رئيسة اللجنة المشرفة على سلسلة المحاضرات المتخصصة في وايل كورنيل للطب - قطر، أن فترة الجائحة قد شهدت زيادة هائلة في عدد المتقدمين الجدد للالتحاق ببرامج الجامعة المتاحة عبر الإنترنت لجميع ممارسي الرعاية الصحية في المجتمع من الأطباء وأطباء الأسنان والممرضات والصيادلة والمهنيون الصحيون ذوي الصلة، بمعدل يتجاوز ألف متقدم جديد كل أسبوعين. حيث تقول: "أعتقد أن التعلم الرقمي، وسهولة التسجيل في البرامج عن بُعد وإتاحتها، قد حفز العديد من الأفراد على توسيع معارفهم والسعي لتحقيق الاستفادة القصوى من وقتهم، بالإضافة إلى إعداد أنفسهم لأي تحديات مهنية في المستقبل."
أظهر الاستطلاع أن السفر جاء من بين الأولويات الأكثر شيوعًا التي يتطلع إليها الأفراد في المستقبل. مصدر الصورة: Jaiz Anuar، عبر موقع Shutterstock
بالحديث عن النزعة المتزايدة بين الناس حول أهمية الشعور بالشكر والامتنان، تقول الدكتورة رفاعي: "يتعلق الأمر إلى حد كبير بإدراك أننا دائمًا ما نأخذ كل شيء كأمر مسلم به، إلى أن نصطدم بالواقع ونواجه تهديدًا وجوديًا. فقد جعلتنا هذه الجائحة نشعر بالضعف من خلال تعرضنا لخطر فقدان سلامتنا وصحتنا. تجاه هذا الوضع تحديدًا، لا يسعني سوى الاعتقاد بأن الغالبية العظمى ممن يعيشون في قطر هم ممتنون لذلك، وأنهم قدّروا حقيقة أنهم في دولة لديها بالتأكيد واحدة من أفضل الحملات التي تديرها البلدان للوقاية من فيروس كورونا المستجد والسيطرة عليه وعلاجه، كما أنها بلا شك تمتلك واحدًا من أكثر أنظمة الرعاية الصحية شفافية في جميع أنحاء العالم".
كما كشف الاستطلاع أن السفر عند انتهاء هذه الجائحة جاء من بين الأولويات الأكثر شيوعًا التي أشار إليها الأفراد، وتصف الدكتورة رفاعي ذلك بأنه رد فعل صحي وطبيعي للجائحة. وتوضح: "يُعد التخطيط للمستقبل والتأمل فيه بمثابة أفضل وسيلة لتجديد الأمل، فالجميع يميلون لتصوّر أنفسهم في مستقبل أفضل، حيث يتمتعون بحرية السفر دون خوف أو قيود بعد أن حوصروا لفترة طويلة. والحلم بالسفر هو علامة على أننا مازلنا نتمتع بصحة نفسية جيدة".