إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | التعليم
10 November 2020

"الزهايمر أضعف جدّتي، لكنه لم يبدّل من صورتها الجميلة في مخيلتي"

مشاركة

مصدر الصورة: Eric Gaillard، عبر موقع REUTERS

تروي الحفيدة دنيا الخشن معاناة جدتها مع مرض الزهايمر وتأثيره على حياة أسرتها بالكامل وطبيب في وايل كورنيل للطب- قطر يؤكد على حجم التحديات النفسية التي تواجه مقدمي الرعاية لأفراد أُسرهم المرضى

"هذه السيدة التي كانت تجلس قبالتي تشبه جدّتي ولكنها ليست كذلك، وكأن روحًا أخرى قد سكنت جسدها، جدتي التي ربتني وكانت في منزلة والدتي، ذات شخصية قوية، مرحة، تعرف كل شيء عن حياتنا، وعن عائلاتنا، لكن هذه السيدة حزينة ومرهقة، لا تتذكر حتى أحفادها".

جدتي التي ربتني ذات شخصية قوية، مرحة، تعرف كل شيء عن حياتنا، وعن عائلاتنا، لكن هذه السيدة حزينة ومرهقة، لا تتذكر حتى أحفادها

دنيا الخشن

تتحدث دنيا الخشن، عن جدتها ومعاناتها مع مرض الزهايمر، الذي أصابها قبل سنتين. تقول دنيا:" قبل سنتين، كنا في بيت جدتي، حين بدأت تقص علينا قصة قديمة جدًا من ماضيها، حول كيف بنت هذا البيت الكبير مع جدّي بنفسها، وبعد أن تنتهي من رواية القصة، تعيد سردها مرتين وثلاثة وأكثر، ويتوقف بها الزمن عند الأحداث التي عاشتها قبل عشرين عامًا تحديدًا، أما ما بعد ذلك، فتنسى كل شيء وكأنه لم يكن".

تتابع:" هنا، بدأنا نشعر بأن جدتي ليست بخير، لنكتشف أنها بداية لمعاناة مع مرض الزهايمر، لم نكن حينها نعرف الكثير عن هذا المرض، لكننا أدركنا أننا أمام مريض يحتاج منا أن نكون في منتهى الشجاعة والقوة كي نتمكن من رعايته".

الدكتور سلمان الجردي

دنيا وحفيدتها

يقول الدكتور سلمان الجردي، الأستاذ المساعد لطب الأعصاب في وايل كورنيل للطب - قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر: "الخَرَف هو أحد الأمراض التنكسية العصبية البالغة التعقيد، ويؤثر هذا المرض في حياة المريض وأسرته وأحبائه على حد سواء. ويُعَدُّ داء الزهايمر ومرض الخرف الوعائي من أكثر أشكال الخرف شيوعاً".

ويشير الدكتور الجردي إلى أن المرضى لا يفقدون قدرتهم على التواصل بشكل فعّال مع أفراد أُسرهم ولا يبدؤون بنسيان أبنائهم إلا في الحالات المتقدمة من الخرف. وحالة مرضى الخرف تسوء بوتيرة بطيئة، ما يمكّن القائمين على تقديم الرعاية لهم من تطوير طرق للتأقلم تساعدهم على التكيف مع عوامل التوتر والإجهاد المحتملة الناجمة عن تقديم الرعاية والعناية اللازمة.

عوارض المرض
في بداية المرض، لم تنس الجدّة أسماء ووجوه أبنائها، ولكنها نسيت الأحفاد والأقارب جميعهم، حيث تقول دنيا أنها في كل مرة كانت جدتها تسألها عن هوية أبنائها، وعندما تخبرها أنهم أحفادها تستنكر قائلة:" لماذا تزوجتِ وأنجبتِ ولم تخبرينني بذلك؟"

تضيف:" لقد كنت أريها صورها مع أطفالي في كل مرة، لم يكن ذلك سهلًا عليهم أيضًا، فابنتي الكبرى كانت شديدة التعلق بها، ولا تيأس من أن تعرّفها بنفسها وتغمرها، كانت تكرر ذلك كل بضعة دقائق وهي الفترة الكافية كي تنسى مجددًا ما أخبرتها إياه للتو".

حال جدتي أصاب والدتي باكتئاب شديد، كانت تنظر إليها وتبكي، وهي تقول: اشتقت إلى والدتي، كأنها لم تعد موجودة بيننا، وكأننا خسرناها للأبد

دنيا الخشن

بدأت عوارض المرض تشتد، ومعها بدأت الجدة تفقد السيطرة على الأمور أكثر، لقد باتت تنسى ما قامت به قبل دقائق فقط.

تقول دنيا:" كانت تأكل، ثم بعد فترة قصيرة تنسى أنها أكلت، فتأكل من جديد، وقد أدى ذلك إلى زيادة في وزنها، قبل أن تعيد خسارته في مراحل المرض المتقدمة. كانت تلتقي بوالدتي، وبعد دقائق تسألني:" لماذا لم تعد والدتك تزورني؟" وعندما تقترب منها والدتي تحضنها بلهفة وكأنها رأتها للتو. كانت مشاعرها تتبدل بسرعة، أحيانًا تضحك وأحيانًا أخرى تبكي، أحيانًا تغضب ثم تهدأ".

تتابع:" في مراحل لاحقة، فقدت جدتي حاستي الشم والذوق، بدأنا نجبرها على تناول طعامها، بدأت صحتها تتراجع، كما بدأت تقوم بأمور تشعرنا بالقلق عليها، كتلك المرة التي غادرت فيها منزلها لوحدها بحثًا عن والدتي التي كانت تنام إلى جنبها في السرير!".

وتضيف:" حال جدتي أصاب والدتي باكتئاب شديد، كانت تنظر إليها وتبكي، وهي تقول: اشتقت إلى والدتي، كأنها لم تعد موجودة بيننا، وكأننا خسرناها للأبد".

لا علاج
تقول دنيا أن والدتها وخالاتها كن الأكثر تواجدًا مع الجدة خلال مرضها، لناحية تقديم الرعاية لها، ولم يكن من السهل تحديد أسلوب التعامل الأنسب لها في حالات معينة، مما أدى إلى حالة من التوتر العاطفي بين الجميع، وخصوصًا مع رفض الجدة تناول أي أدوية، ومع إدراك الجميع لعدم وجود علاج لهذا المرض.

لعبت العلاجات الحالية لمرض الزهايمر دورًا محدودًا في علاج المرض. فالعقاقير المتاحة في الأسواق اليوم تسهم في إبطاء تفاقُم المرض، دون إظهار دليل على وقف تفاقُم حالة المريض أو التعافي

د. سلمان الجردي

يقول الدكتور الجردي: "لعبت العلاجات الحالية لمرض الزهايمر دورًا محدودًا نسبيًا في علاج المرض. فالعقاقير الدوائية المتاحة في الأسواق اليوم تسهم في إبطاء تفاقُم المرض، دون إظهار دليل على وقف تفاقُم حالة المريض أو بدء مسار تعافيه منه".

ويضيف: "الأسباب الكامنة وراء ذلك متعددة ومعقدة، يتعلق بعضها بالمفهوم العلمي غير المكتمل حتى الآن للمرض وإِن كان الطب ماضٍ في تحقيق تقدم في هذا المضمار، فيما يتعلق بعضها الآخر بالافتقار إلى الاستثمارات الكبيرة في تطوير عقاقير جديدة".

ويتابع حديثه قائلًا "عدم وجود علاج ناجع يزيد من التحديات الماثلة أمام القائمين على تقديم الرعاية اللازمة، ما قد يتسبّب بعلامات إجهاد شديد أو اكتئاب أو إعياء، ويتعيّن التنبه لها قبل تفاقمها من أجل تقديم الدعم والخدمات الصحية والنفسية لمثل هؤلاء حتى يتمكنوا هم أنفسهم من الاعتناء بأحبائهم".

السيدة التي كانت في منتهى الأناقة والرزانة، باتت تنسى متى وكيف تعتني بنظافتها الشخصية، تتذكر الحفيدة دنيا بينما تسرح ضفائر جدّتها، كيف كانت الجدة تزين شعرها حين كانت طفلة، وكيف كانت تخيط لها أثوابًا لحفلات المدرسة باستخدام آلة الخياطة التي ما زالت تحتفظ بها حتى اليوم، والتي خاطت فيها ثوبها الأحمر الأخير الذي ارتدته في آخر حفلة عائلية جمعتها مع كل أفراد أسرتها قبل رحيلها".

تقول دنيا:" رغم مرضها وتقدمها في السن، كنت لا أزال أراها جميلة، وخصوصًا حين ترتدي ثوبها الأحمر وشالها الأسود، ولأنني كنت أدرك كم تحب جدتي أن تظهر أنيقة طوال الوقت، فقد كنت أهتم بمظهرها، خلال مرضها، وأضع لها عطرها المفضل".

الوصمة الاجتماعية
لم تحاول أسرة الجدة أن تخفي حقيقة إصابتها بالمرض، باعتبار أن هذا المرض قد يصيب أي فرد في المجتمع، ولا داعي للخجل منه أمام الآخرين.

يقول الدكتور سلمان:" في أحيان عدة، قد يختار أفراد الأسرة إخفاء تشخيص المرض خوفًا من نظرة المجتمع من حولهم، وقد يقود ذلك في الحالات القصوى إلى رفض عائلات أخرى الزواج من أفراد أسرة المريض. وفي حالات أخرى، قد يتسبّب التأخير في مناقشة قضايا المريض في تأخر تشخيص المرض وبدء علاجه، ما سيؤثر بشكل ملموس في صحة المريض وسلامته".

المصابون بالخرف أكثر عرضة للإصابة بكوفيد-19، بسبب السن، والسيرة المرضية وضعف المناعة أمام العدوى، ما تطلب حمايتهم بتطبيق تدابير التباعد جسديًا وتقييد عدد الزيارات الأُسرية

د. سلمان الجردي

التعامل مع (كوفيد-19)
حين انتشرت جائحة (كوفيد-19)، لم تعرف الجدة أي شيء عنه، ولكنها كانت تسأل عن السبب الذي يجعل أبنائها يتفادون الاقتراب منها، ولماذا تكلمها حفيدتها عبر النافذة؟ لقد أرادوا، في الواقع، حمايتها من العدوى، حيث يؤكد الدكتور سلمان على أن المصابين بالخرف أكثر عرضة للخطر من غيرهم بسبب السن، والسيرة المرضية ذات الصلة بما فيها من أمراض مزمنة، وضعف المناعة أمام العدوى، ما جعل مؤسسات صحية عدة تحاول حماية مثل هؤلاء المرضى بتطبيق تدابير التباعد جسديًا ومكافحة العدوى على نحو صارم، وأيضًا بتقييد عدد الزيارات الأُسرية".

صورة 1 من 3

ابنة دنيا مع جدتها قبل اصابتها بالزهايمر.

الجدة مع حفيديها

الجدة مع ابنتها

تستعيد دنيا الأيام الأخيرة التي سبقت رحيل جدّتها، بعد تقدم مرض الزهايمر وعجز جسدها عن مقاومة آثاره، حيث تقول:" توفيت جدّتي بعد أشهر قليلة من انتشار الوباء، ولم تعثر على إجابة حول سبب خوفنا من الاقتراب منها، ولو علمت، كانت لتحزن كثيرًا، لقد عاشت في منزل مكتظ بالأبناء والأحفاد والأحباء، ومن دون هذه التجمعات العائلية، كانت لتعاني كثيرًاً".

الزهايمر لن يمحي صورة السيدة التي رافقتنا طوال سنين عمرنا، سيدة نابضة بالحياة، وجميلة وحكيمة، هكذا كانت وهكذا سنتذكرها دائمًا

دنيا الخشن

وتتابع:" حين زرت بيتها لأول مرة بعد وفاتها، افتقدتها كثيرًا، وأخذت ثوبها الأحمر لأحتفظ به وأرتديه عندما أصبح جدّة".

وتتختم:" منذ وفاتها، وأنا أستحضر صورتها في مخيلتي قبل إصابتها بالمرض، لقد تمكن الزهايمر من خطف جدتي منا، لكنه لن يمحي صورة السيدة التي رافقتنا طوال سنين عمرنا، سيدة نابضة بالحياة، وجميلة وحكيمة، هكذا كانت وهكذا سنتذكرها دائمًا".

قصص ذات صلة