للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
الجوانب الأخلاقية والبيئية والمجتمعية للصيرفة الإسلامية ساهمت في اجتذاب العملاء المسلمين وغير المسلمين على حدٍ سوء، وذلك وفقًا لما ذكره خبير بمؤسسة قطر
من المرجح أن تتسبب جائحة كوفيد-19 في إحداث تأثيرات عميقة في الاقتصاد العالمي وبطرق مختلفة، وفي ظل ذلك، لايزال الطلب على أدوات التمويل الإسلامي يشهد ارتفاعًا مستمرًا، مع تزايد عدد المستثمرين الذين يفضلون الحصول على المزيد من الشفافية والقرارات الأخلاقية من مؤسساتهم المالية.
شكّلت الأهمية المتزايدة للتمويل الإسلامي كخيار للمسلمين وغير المسلمين أحد التطورات الأكثر إثارة للاهتمام في القطاع المالي بالمملكة المتحدة على مدى العقد الماضي. ويعد التمويل الإسلامي ظاهرة جديدة نسبيًا نشأت في السبعينيات من القرن الماضي، عندما بدأت البنوك في الشرق الأوسط وآسيا بطرح خدمات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية لعملائها. وفي السنوات الأخيرة، شهد هذا القطاع نموًا مضاعفًا، لاسّيما منذ الانهيار الاقتصادي عام 2008.
الدكتور أمين محسني، أستاذ مساعد التمويل الإسلامي، بجامعة حمد بن خليفة.
لجوء بعض الشركات المالية في الغرب - والتي كانت أكثر تعرضًا لآثار الانهيار الاقتصادي – إلى اتخاذ مخاطر غير مدروسة، دفع بالمستثمرين إلى البحث عن طرق بديلة للاستثمار. وقد كانت المبادئ الأساسية التي يستند إليها نموذج التمويل الإسلامي هي نفسها تلك التي يدعمها المستثمرون الأخلاقيون، مثل حظر الفوائد على القروض، وتقاسم المخاطر والأرباح بين المستثمر والمؤسسة، مما يعني أن هناك وضوحًا أكبر بشأن نوع الاستثمارات التي يتم إجراؤها.
أثبتت هذه المبادئ جاذبيتها للمستثمرين في المملكة المتحدة، إذ يبلغ إجمالي أصول المؤسسات التي تقدم خيارات التمويل الإسلامي في المملكة المتحدة حاليًا أكثر من 5 مليار دولار أمريكي. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم في السنوات المقبلة بحسب تقرير أصدرته "تومسون رويترز" يفيد بأن متوسط نمو الأصول في البنوك الإسلامية سيزيد بنسبة سبعة بالمائة سنويًا حتى عام 2023.
يعتبر بنك الريان "المملكة المتحدة" أحد اللاعبين الرئيسيين في قطاع التمويل الإسلامي في المملكة المتحدة، الذي تأسس في عام 2004 لتلبية الطلب المتزايد للمستثمرين المتوافقين مع الشريعة الإسلامية. ووفقًا لما ذكره السيد ميسم فزل، رئيس الشؤون التجارية، لبنك الريان "المملكة المتحدة"، توجد مجموعة متنوعة من العوامل التي ساهمت في نمو شعبية التمويل الإسلامي.
لقد وجدنا أن الناس أصبحوا أكثر وعيًا بمسؤوليتهم لاتباع أنماط حياة أخلاقية أكثر من أي وقت مضى
وقال فزل: "لقد وجدنا أن الناس أصبحوا أكثر وعيًا بمسؤوليتهم لاتباع أنماط حياة أخلاقية أكثر من أي وقت مضى"، وتابع: "أظهر بحثنا أن 37 بالمائة من الراشدين البريطانيين يعتقدون أن اختيار جهات تقدم خدمات مالية أخلاقية لا يقل أهمية عن قضايا مثل إعادة التدوير".
وأضاف فزل: "ما يميز المصارف الإسلامية هو أن هذه القيم الأخلاقية تعد جزءًا لا يتجزأ من طريقة عملها والخدمات التي تقدمها، نظرًا لامتثالها لإحكام الشريعة الإسلامية لذلك نتوقع نمو الاهتمام بالمصارف الإسلامية في الأشهر والسنوات القادمة. كما نشهد أيضًا اهتمامًا متزايدًا من المستثمرين في الخارج مع تزايد الوعي والشعبية أيضاً في مجال "التمويل الأخضر".
يوافق هذا الرأي الدكتور أمين محسني، أستاذ مساعد التمويل الإسلامي، بجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، قائلاً: "حظي التمويل الإسلامي باهتمام كبير خارج العالم الإسلامي بعد الأزمة المالية العالمية 2007-2009، عندما نجحت مؤسسات التمويل الإسلامي، نتيجة قوة صلتها بالاقتصاد الحقيقي، من الصمود في وجه الأزمة".
أحد المفاهيم الخاطئة للمستثمرين المحتملين هو أن المنتجات المالية الإسلامية لا تخضع لإجراءات تنظيمية صارمة حالها كحال الخدمات المالية الأخرى.
بالنسبة للمسلمين، فإن هذا مطلب ديني يجب الالتزام به، بينما بالنسبة لغير المسلمين سيكون أسلوبًا بديلًا للتمويل أكثر أخلاقية وشمولية واستقرارًا وصديقًا للبيئة
في هذا الصدد، علّق السيد فزل قائلاً: "تخضع البنوك الإسلامية في المملكة المتحدة لنفس الضوابط التنظيمية التي تحكم البنوك الأخرى بالمملكة. كما أن كافة الودائع المؤهلة لدى بنك الريان محمية بموجب برنامج تعويضات الخدمات المالية (FCSC)، أي أنه يحق للعملاء الحصول على تعويضات تصل إلى 85,000 جنية استرليني، إذا واجه البنك أي صعوبات مالية، كما هو الحال في البنوك الأخرى بالمملكة المتحدة".
وتابع: "من المفاهيم الخاطئة الأخرى حول التمويل الإسلامي هي تقاسم المخاطر بين البنك والعميل في معاملات التمويل الإسلامي. فكغيره من البنوك الإسلامية، يُقدم بنك الريان معدل الربح المتوقع (EPR) بدلاً من الفائدة على منتجاتنا. وحرص مصرف الريان دائمًا منذ بدء عملياته منذ 16 عامًا على دفع معدل الربح المتوقع المحدد مع العميل، وقد دفع أكثر منه في العديد من الحالات".
التمويل الإسلامي هو أيضًا خيار متاح لغير المسلمين، وهو أمر، وفقًا للدكتور محسني، لا يُفهم دائمًا بشكل كامل. قائلاً: "بالنسبة للمسلمين، فإن هذا مطلب ديني يجب الالتزام به، بينما بالنسبة لغير المسلمين سيكون أسلوبًا بديلًا للتمويل أكثر أخلاقية وشمولية واستقرارًا وصديقًا للبيئة".
إن قطر تسير على طريق إدخال التمويل الإسلامي الحقيقي إلى نسيج مجتمعها وكذلك مؤسساتها المالية
وأشار الدكتور محسني إلى أن هذه السمات تزداد أهمية في الغرب، لاسيما بين الأجيال الشابة. مضيفًا: "تزداد أهمية الخدمات المصرفية الأخلاقية والبيئية والمجتمعية بالنسبة لجيل الألفية، وآمل أن أرى ترويجًا أكبر لمثل تلك المثُل العالمية عند ترويج الصيرفة الإسلامية بين المجتمعات غير المسلمة".
من المعالم الرئيسية في قطاع التمويل الإسلامي في المملكة المتحدة هي عملية إصدار السندات الإسلامية أو الصكوك من قِبل بنك الريان في عام 2018، وهي أوّل سندات إسلامية يتم إصدارها خارج الدول الإسلامية. تعمل الصكوك بطريقة مشابهة للسندات التقليدية، ولكنّ مع علم المستثمرين بأن أموالهم لن تُستثمر في أنشطة تتعارض مع الشريعة الإسلامية مثل المقامرة أو شركات الكحوليات.
في هذا الصدد قال السيد فزل: "تجاوز الاكتتاب في السندات، حيث بلغ الطلب النهائي 155 في المائة، مما يعكس الطلب القوي على أدوات التمويل الإسلامي المطروحة في السوق، ومكانة المملكة المتحدة التي تُمكنها من أن تصبح وجهة إصدار الصكوك لأوروبا الغربية".
ميسم فزل، رئيس الشؤون التجارية، لبنك الريان "المملكة المتحدة".
وأضاف: "كما توضح الصكوك التقدم المحرز في هذا القطاع من حيث الوعي والفهم. ولا يزال الطريق أمامنا طويلاً، ولكن هذا مجرد مثال واحد للكيفية التي يستطيع بها القطاعان العام والخاص أن يظهروا الفرص التي يقدمها قطاع التمويل الإسلامي".
في دولة قطر، أصبح التمويل الإسلامي أكثر من مجرد حظر فرض الفوائد، وأصبح وسيلة شمولية للتمويل. ويقول الدكتور محسني: "إن قطر تسير على طريق إدخال التمويل الإسلامي الحقيقي إلى نسيج مجتمعها وكذلك مؤسساتها المالية".
وتابع الدكتور محسني: "عندما أقول "حقيقي"، أعني الانتباه إلى كل بعُد من أبعاد التمويل الإسلامي، البعُد الذي يتجاوز إلى حد بعيد حظر الربا "القروض ذات الفوائد" والمضاربة المفرطة، ويركز على المجالات الأخلاقية الأخرى مثل الاستدامة البيئية والحد من النفايات. إن العديد من أهداف التنمية المستدامة هي جزء من رؤية قطر الوطنية 2030، وتتخذ قطر خطوات مهمة نحو تعزيز هذه الأهداف في مختلف جوانب مجتمعها وعلى المستوى العالمي".