للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
الدكتور جورج ماتياس ديتيرمان، الأستاذ المشارك في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر.
نات مولر، متخصصة بتقييم المعارض فنية وناقدة مستقلة، تستعرض كتاب "الإسلام والخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض: ثقافة البيولوجيا الفلكية في العالم الإسلامي" لمؤلفه جورج ماتياس ديتيرمان، الأستاذ المشارك في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، الذي يلقي في ثناياه الضوء على التصور السائد في البلدان ذات الغالبية المسلمة عن مفهوم الحياة خارج الأرض
كيف وأين وفي أي السياقات التاريخية والجيوسياسية يلتقي كل من الإسلام والخيال العلمي والكائنات الفضائية والعلم معًا؟ هذا هو السؤال الغريب، والمُلحُّ للغاية، الذي يسعى المؤرخ جورج ماتياس ديتيرمان للإجابة عنه في كتابه الجديد "الإسلام والخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض: ثقافة البيولوجيا الفلكية في العالم الإسلامي".
ينبئنا الكتاب بأن جذور الخيال العلمي في التراث الإسلامي تمتد إلى كتابات العلماء المسلمين من القرون الوسطى، إلا أن نتاج الخيال العلمي في البلدان ذات الغالبية المسلمة لا يلزم منه أن يتناول موضوعات إسلامية بحد ذاتها
يتتبع ديتيرمان التصور السائد في البلدان ذات الغالبية المسلمة عن مفهوم الحياة خارج الأرض، فيصطحب القارئ في رحلة عبر سوريا ومصر والكويت وتركيا وباكستان وإندونيسيا يطوف خلالها على طائفة متنوعة من الموضوعات التي تتضمن نصوصًا قرآنية، ودوريات علمية وثقافية، وروايات وأفلام خيال علمي، وفنونًا بصرية، بالإضافة إلى موضوع العلم الزائف ودراسة الأجسام الطائرة المجهولة (يوفولوجي).
كتاب الدكتور ديتيرمان، "الإسلام والخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض: ثقافة البيولوجيا الفلكية في العالم الإسلامي".
وعلى غرار كتابه الصادر عام 2018 تحت عنوان "علم الفضاء والعالم العربي: رواد الفضاء والمراصد الفلكية والقومية في الشرق الأوسط"، يحكي ديتيرمان التاريخ عبر الشخصيات التي رسمت ملامحه، وفي كتابه موضوع مقالتنا تتجلى هذه الشخصيات في مجموعة متنوعة المشارب من العلماء وأساتذة تفسير القرآن وفلاسفة العصر الوسيط والمنظرين السياسيين والروائيين وصناع الأفلام والفنانين.
محتكمًا إلى المعيار الذي يسميه "الخيال العلمي"، يتقصى ديتيرمان مفهوم الحياة خارج كوكب الأرض وكيف كانت تمثلاته تتجلى ولا تزال في الواقع والخيال، ما يجعل قراءة كتابه تجربة ممتعة وساحرة؛ إذ يتنقل عبر صفحاته بسلاسة ورشاقة من نصوص القرآن التي يستشهد بها، ويأتي بعضها على ذكر عوالم البشر والملائكة والجن بما يشي بتعددية العوالم، إلى علم الكونيات الحديث ونظريات العوالم المتعددة.
ما يظهر بوضوح في ثنايا الكتاب أن تصوير الكائنات الفضائية لا يأخذ شكلاً موحدًا على الإطلاق
وينبئنا الكتاب بأن جذور الخيال العلمي في التراث الإسلامي تمتد إلى كتابات العلماء المسلمين من القرون الوسطى، إلا أن نتاج الخيال العلمي في البلدان ذات الغالبية المسلمة لا يلزم منه أن يتناول موضوعات إسلامية بحد ذاتها. وفي واقع الأمر، تتمثل أهم إسهامات ديتيرمان في تسليطه الضوء على ما اتسم به الخيال العلمي في هذه البلدان من نطاق واسع وطيف متنوع، وتفنيده الفكرة القائلة بأن الخيال العلمي صنعة غربية؛ فها هي المجلات العلمية من الحقبة العثمانية التي كانت تصدر في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين مثل مجلة المقتطف ومجلة المشرق، الضاربتين بجذورهما في الأوساط التبشيرية، تطالعنا بمناقشات ساخنة على صفحاتها حول موضوعات دينية وعلمية وتكنولوجية وكذلك احتمالية وجود حياة على كواكب أخرى غير كوكب الأرض، وهذه مجلة الهلال الثقافية المصرية ذائعة الصيت، التي تصدر شهريًا منذ انطلاقتها الأولى عام 1892 ولا تزال توزع إلى اليوم، قد تناولت على امتداد إصداراتها المختلفة مسألة الكائنات الفضائية والحياة خارج الأرض والسفر عبر الفضاء.
هذا الافتتان بأوجه الحياة المحتملة خارج الأرض انتقل أيضًا إلى الشاشة الفضية، حيث أنتجت شركة الإنتاج السينمائي المصرية الشهيرة "ستوديو مصر" سلسلة من الأفلام الخيالية خلال عصرها الذهبي الذي امتد من أواخر الأربعينيات إلى الستينيات من القرن الماضي، وكان الإصدار الأبرز في هذا المجال فيلم "رحلة إلى القمر" الذي عرض عام 1959 من تأليف وإخراج حمادة عبد الوهاب. بيد أن سياسة التأميم التي انتهجها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، والتي طالت ستوديو مصر ومجلة الهلال، أحدثت تغييرًا عميقًا في الخط التحريري، وترتب على ذلك تراجع السينما المصرية منذ السبعينيات، وفي المقابل ازدهر المسرح وأنتجت عدة مسرحيات قدمت تصورات تخيلية لعوالم إسلامية فضائية بديلاً عن مصر عبد الناصر وسياسة الحرب الباردة.
وما يظهر بوضوح في ثنايا الكتاب أن تصوير الكائنات الفضائية لا يأخذ شكلاً موحدًا على الإطلاق؛ فتارة نراها في صورة نساء مغريات غريبات المظهر، وتارة تكون مخلوقات مسالمة مُخلِصة من كواكب أخرى، وأحيانًا كائنات شريرة تتنقل عبر المجرات، أو منقذين مُخلِّصين، وذلك كله يعتمد على نظرة مبتكرها للعالم أو السياق الوطني الذي يحكم تصورها. ويُبين لنا ديتيرمان في كتابه كيف شجعت تركيا أتاتورك وسوريا الأسد على توظيف أدب الخيال العلمي كأداة لإبراز العلم والحداثة بوصفهما منجزات وطنية؛ فقد أنتجت تركيا منذ خمسينيات القرن العشرين سلسلة من أفلام الخيال العلمي المستلهمة من أعمال هوليوود وليس من التراث الإسلامي، وكثيرًا ما كانت هذه الأفلام اقتباسات تركية زهيدة التكلفة أو محاكاة ساخرة لأفلام غربية ضخمة حققت نجاحًا باهرًا مثل حرب النجوم وإي تي وماتريكس ومسلسل ستار تريك.
الإسلام والخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض: ثقافة البيولوجيا الفلكية في العالم الإسلامي" مرجعًا ثريًا لا غنى عنه للباحثين متعددي التخصصات وهواة الخيال العلمي على السواء.
ويأخذ الفصل المعقود لموضوع دراسة الأجسام الطائرة المجهولة منحىً مختلفًا؛ إذ يعرض المؤلف في ثناياه تأصيلاً لاعتقاد المسلمين في هذه المسألة، ونطالع مثالًا لذلك في القسم الذي يتحدث عن حركة "أمة الإسلام" التي أطلقها المسلمون الأمريكيون من أصل إفريقي. تأسست هذه الحركة عام 1930 على يد والاس فرد محمد، وطوّر خلفه إلايجا محمد عقيدة وضعية خرافية للحركة استندت إلى عناصر من علم تحسين النسل واليهودية والإسلام ومصر القديمة إلى جانب عناصر أكثر غرابة استمدت من مبحث الأجسام الطائرة المجهولة والكائنات الفضائية. وبعد انضمام مالكوم إكس إلى مجلس إدارة الحركة وذهابه للحج، طفق يقرّب "أمة الإسلام" أكثر من التيار الإسلامي التقليدي السائد ويبعدها عن تأثيرات علم الكونيات، ولكن بعد اغتياله عام 1965 حاول لويس فرخان أن يعيد الحركة إلى التمسك بتعاليم إلايجا محمد الأصلية.
ومع توالي فصول الكتاب يتسع نطاق مبدأ ديتيرمان الناظم لمفهوم الخيال العلمي نوعًا ما، ولعل أكثر ما حمله على ذلك رغبته في تقييم الديناميات المعقدة للحركات السياسية والدينية، أو نظريات المؤامرة المحاكة حول العلم الزائف الروحاني، أو التجسدات العديدة للصورة المتخيلة عن الكائنات الفضائية في الثقافة الشعبية. ولا شك أن ثمة مناطق رمادية وتقاطعات بين هذه الظواهر المتنوعة، بيد أنه كان بالإمكان تجليتها بصورة أوضح في هذه الدراسة.
ويتناول المؤلف في الفصلين الأخيرين تجليات الخيال العلمي في الإنتاج الأدبي من روايات أو قصص قصيرة وفي عالم الفنون البصرية. وكدأبه في سائر فصول الكتاب، يحشد ديتيرمان في هذين الفصلين كمًا هائلاً من المصادر والنصوص الأولية، فيعرض نماذج من باكستان وبنغلاديش ومصر وإندونيسيا وإيران والعراق وفلسطين ودول الخليج، ويقدم روائيين من أمثال ظفر إقبال ونهاد شريف ونبيل فاروق ورؤوف وصفي وأحمد خالد توفيق ودي لستاري ودجوكو ليلونو وإليزا فيتري هانداياني، وكذلك فنانين من أمثال جودت محمد كوسمن وصوفيا آل ماريا ومنيرة القديري وساكس أفريدي وريا جاما، وغيرهم الكثير.
تركز الاهتمامات البحثية للدكتور ديتيرمان على تاريخ العلوم والعلماء، وتاريخ العالم الإسلامي.
يضم هذا الكتاب بين دفتيه كنزًا ثمينًا من المعلومات، إلا أن التركيز على التفاصيل الدقيقة في السير الذاتية للشخصيات واستعراض العديد من ملخصات القصص والحبكات الدرامية ينزع إلى التشويش على موضوع النقاش الأكبر والإطار النقدي للكتاب ويجازف بإثقال كاهل القارئ. ومع ذلك يظل كتاب "الإسلام والخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض: ثقافة البيولوجيا الفلكية في العالم الإسلامي" مرجعًا ثريًا لا غنى عنه للباحثين متعددي التخصصات وهواة الخيال العلمي على السواء.
نات مولر قيّمة معارض فنية وكاتبة مستقلة تتمتع بخبرة في مجال الفن المعاصر القادم من منطقة الشرق الأوسط. تتضمن أحدث مشروعاتها الفنية الجناح الدنماركي بمشاركة الفنانة الفلسطينية لاريسا صنصور ضمن فعاليات النسخة 58 من بينالي البندقية عام 2019، وتحرير أول كتاب للفنان العراقي الكردي وليد ستي من إصدارات دار "Kehrer Verlag" عام 2020. وتتابع نات دراستها بتمويل من مجلس أبحاث الآداب والعلوم الإنسانية لإتمام الدكتوراه في دراسة الخيال العلمي في تطبيقات الفنون البصرية المعاصرة في الشرق الأوسط بجامعة مدينة برمنغهام، ويُقام حاليًا أحدث معارضها الفنية تحت عنوان "مناظر طبيعية مرتجفة: بين الواقع والخيال" في متحف السينما "EYE" بالعاصمة الهولندية أمستردام.