إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | التعليم
20 August 2019

ما هي الحالات التي يُعدّ فيها إيقاف أجهزة دعم حياة شخص ما أمرًا أخلاقيًا؟ نقاش معاصر يدور بين رجال الدين والعلماء

مشاركة

منذ شهور، وُلد طفل في مستشفى بالدوحة مصابًا بعيوب خلقية عديدة، منها قصور في القلب والكلى. وأدرك الأطباء وأولياء الأمور أن ليس ثمة ما يمكن فعله لإنقاذ المولود الجديد، لكن والدي الطفل كانا مترددين بشأن إيقاف الأجهزة التي تبقي الطفل على قيد الحياة، خشية أن يكون ذلك محرمًا في الإسلام.

طلب المستشفى من محمد غالي، أستاذ الدراسات الإسلامية وأخلاقيات الطب الحيوي، وكذلك من ممثل عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر، أن ينظرا في القضية. فناقش الاثنان الأمر مع العائلة، ووفّرا لأفرادها خيارات تستند إلى تعاليم الإسلام تمكّنهم من اتخاذ قرار مستنير وإن كان صعبًا.

وفي هذا الصدد، قال الدكتور غالي، المدير الأكاديمي في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق: "التقاليد الإسلامية ثرية، وتتميز بالتنوع الكبير. وليس لدينا سلطة دينية ملزمة تتحدث باسم الإسلام بنفس الطريقة التي يتحدث بها البابا بشأن الكاثوليكية مثلًا. وفيما يخص أخلاقيات البيولوجيا، فإن علماء الدين وعلماء الطب الحيوي يناقشون هذه القضايا معًا من أجل البت في هذا الموضوع".

"وكثيرًا ما نصل إلى استنتاجات شتى، ونحاول (في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق) إظهار هذا التنوع للمستخدمين النهائيين".

الأخلاقيات الإسلامية والعلم الحديث

سبق للعلماء المسلمين المعاصرين أن درسوا التقنيات العلمية الناشئة في معزل عن سياقاتها، وعلى أساس فهمهم لهذه التقنيات أعلنوا ما إذا كان مسموحًا بها أم لا. وأحيانًا ما نتج عن ذلك أحكام هي موضع جدل، إذ إن كثيرًا من القرارات جرى اتخاذها من دون فهم علمي أو بيولوجي صحيح لهذه التقنيات.

مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق جزء من كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، عضو في مؤسسة قطر، وقد أنشئ لدراسة المنظورات الإسلامية بشأن القضايا الأخلاقية، والأسئلة التي تنشأ نتيجة للجمع بين التخصصات المختلفة في المعرفة والعلوم الحديثة. يحرص مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق على الاستفادة من رؤى كل من "علماء النصوص"، أي الأكاديميين ورجال الدين، و"علماء السياق"، أي العلماء والممارسون والخبراء، من أجل الحصول على صورة شاملة قدر الإمكان للقضايا المطروحة.

وبدون إشراك الجمهور قد تواجهك مشكلات خطيرة، لأنك تحتاج إلى ثقة الناس لأجل المضي قدمًا، ولا يمكنك الحصول على ثقتهم إذا أبقيتهم خارج النقاش

الدكتور محمد غالي المدير الأكاديمي في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق

يركّز الدكتور غالي في عمله على أخلاقيات البيولوجيا، والنظر فيما يقوله الإسلام عن أخلاقيات ومبادئ استخدام الاختراعات الطبية الحيوية التي لم يرد ذكرها صريحةً في النصوص الإسلامية. ويشغل منصب رئيس تحرير مجلة الأخلاق الإسلامية التي نشرتها "بريل" بالتعاون مع جامعة حمد بن خليفة، وقد ألف العديد من الكتب والمنشورات حول هذا الموضوع، ويشارك بانتظام في المحاضرات والندوات الدولية في هذا المجال.

البحوث التي يجريها مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق في أخلاقيات البيولوجيا تتناول موضوعات عديدة تتراوح بين الإنجازات الطبية المتعلقة ببداية حياة الإنسان، مثل الاختبارات الجينية قبل الزواج وتخصيب المبايض خارج جسم الإنسان (التلقيح الصناعي)، والقضايا المتعلقة بنهاية الحياة، مثل موت الدماغ أو القتل الرحيم. قال الدكتور غالي: "إذا سألتَ شخصًا عاديًا عن رأي الإسلام إزاء هذه الأشياء، فمن المؤكّد أنه سيستغرق برهةً من الوقت في التفكير ثم يقول: "لا أدري حقًا ما يقوله الإسلام عن هذا." وهذه هي الفجوة التي نحاول سدّها".

ينشط مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق في إجراء البحوث الأكاديمية والاسترشاد بها من أجل الإجابة على هذه الأسئلة، وكذلك عقد الندوات النقاشات الفكرية بانتظام بين علماء الدين والخبراء الميدانيين، ودراسة القضايا المعاصرة من منظور مصادر التوجيه الإسلامية القائمة. وما ينتج عن هذه النقاشات يتم نشره في المحاضرات والمؤتمرات العديدة على مدار العام، وكذلك في مجلة الأخلاق الإسلامية وغيرها من الدوريات، كما يتم إتاحتها للذين يسهمون في الفقه الإسلامي.

أصبحت الإجابة عن مثل هذه الأسئلة في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق أكثر أهمية الآن أكثر من أي وقت مضى، على خلفية نظام الرعاية الصحية الآخذ في التطور بسرعة في دولة قطر، والذي يحتل الآن المرتبة الخامسة على مستوى العالم والأولى في الشرق الأوسط وفق "مؤشر دليل لغاتوم للرخاء".

علّق الدكتور غالي على ذلك قائلًا: "تطمح دولتنا إلى أن تكون في المقدمة في كل مضمار، بما في ذلك الرعاية الصحية. فعلى سبيل المثال، لدى سدرة للطب أكثر الأجهزة تقدّمًا في العالم، ويرغب الأفراد هناك في تقديم أفضل خدمات الرعاية الصحية، لكنهم يدركون تمامًا أن هذه التقنيات المتقدمة ربما تصاحبها تحديات وأسئلة أخلاقية خاصة بها".

"لذلك، يحتاج الناس إلى فهم ما هو مباح أو غير مباح، وكيف يمكن للإسلام بما فيه من أخلاقيات ثرية أن يسهم إسهامًا إيجابيًا في هذا الصدد".

وعلاوةً على ذلك، أطلقت الكلية مؤخرًا برنامجًا يمنح درجة الماجستير في الأخلاقيات الإسلامية التطبيقية، وذلك من أجل تلبية حاجة ملحة في هذا المجال الوليد في مجتمعنا المعاصر. يهدف البرنامج إلى استكشاف أدوات للتفكير الأخلاقي المتأصل في التقاليد الإسلامية بما يتسنى معه معالجة المعضلات الأخلاقية المستعصية.

شراك الجمهور

يمثل الصدام المحتمل بين المعتقد والتقنيات الطبية الحيوية الحديثة مشكلة مستمرة في جميع الأديان وداخل العديد من الهيئات الدينية بمختلف أنحاء العالم. وهناك أمثلة عديدة على التحديات التي تواجه أتباع الأديان إزاء خدمات الرعاية الصحية، ابتداءً بالإجهاض في المسيحية، ومرورًا بالعقاقير المشتقة من الحيوانات في الهندوسية، وصولًا إلى الآراء التي يحملها شهود يهوه بشأن نقل الدم.

وعلى الرغم من أن العمل في مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق لا يشمل إصدار أحكام معيارية بشأن ما هو مباح أو غير مباح في الإسلام، فإنه يمهد الطريق لمؤسسات الإفتاء للقيام بذلك، إذ يؤمن المركز بقوة أن خلافات عديدة يمكن تجنّبها من خلال التفاعل المباشر مع عامة الناس.

قال الدكتور غالي: "الموضوعات التي نناقشها هي موضوعات من "العيار الثقيل"، والاعتقاد السائد هو أنه لا ينبغي مناقشتها في العلن؛ غير أن هذا هو عكس ما نعتقده، إذ نعتقد أن المنح الدراسية والمعرفة حق للجميع، ويجب ألا تكون حكرًا على النخبة".

"وبدون إشراك الجمهور قد تواجهك مشكلات خطيرة، لأنك تحتاج إلى ثقة الناس لأجل المضي قدمًا، ولا يمكنك الحصول على ثقتهم إذا أبقيتهم خارج النقاش".

يعقد المركز بانتظام محاضرات عامة على الصعيدين المحلي والدولي للتواصل مع جماهيره، كما يجري تدريبًا مع المتخصصين الأكاديميين والمدنيين والعاملين في مجال الرعاية الصحية لمشاركة الأبحاث والمبادئ التوجيهية.

وقال الدكتور غالي: "مهمتنا هي أن نكون مصدر إثراء لا نقطة إرباك. وردود الفعل حتى الآن إيجابية للغاية".

تقع أخلاقيات البيولوجيا ضمن مجال واحد فقط من المجالات الرئيسية العديدة التي تتناولها بحوث مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، إلى جانب مجالات أخرى كالهجرة وحقوق الإنسان والمنهجية المعتمدة. ويخطط المركز أيضًا لإجراء المزيد من البحوث المكثفة ذات الصلة بمجالات أخرى من قبيل النوع الاجتماعي والإعلام والفن.

بعض الأبحاث التي أجراها مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق جرى استخدامها في تقرير السياسات بدولة قطر، وتتنوع بين المبادئ التوجيهية للرعاية الملطفة والبحوث الجينية ومعايير الرعاية للعمال المهاجرين.

أوضح الدكتور غالي قائلًا: "نؤمن بالعمل الذي نقوم به، وندرك مدى أهميته. ويمكن لتقاليدنا الأخلاقية الإسلامية أن تسهم في نقاشات مفيدة حول الأسئلة الحديثة والمعاصرة وتقدّم الإجابات والحلول لها، وتساعد الناس من خلال طرق الحل المتجذرة في التقاليد الإسلامية".

قصص ذات صلة