للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
أحدثت الدراسة في مؤسسة قطر تغييرًا جذريًا في حياة الطالبة كامرة تشوهرن. وهي الآن تسعى جاهدة لتوظيف ما تعلمته في إلهام الآخرين من سكان قريتها وجعلهم يقفون على الفرص الممكنة التي يتيحها التعليم.
لم يكن يخطر على بال والدي كامرة تشوهرن، اللذين كانا يعيشان في قرية نائية بإحدى مقاطعات مملكة كمبوديا ويقضيان سحابة يومهما في أعمال زراعية بسيطة، أن ابنتهما تضمر رغبة جامحة في الالتحاق بإحدى الجامعات وشق طريق مخالف عمّا اعتاده شباب قريتها.
ففي هذه البيئة القروية، يسود الاعتقاد بأن الدراسة الجامعية تعد "ترفًا" غير متاح لغالبية الشباب، لاعتبارات أهمها ضيق ذات اليد وغياب الاهتمام الأسري بموضوع التعليم، علاوة على بعد المسافة بين قريتهم وعاصمة البلاد، بنوم بنيه، حيث تتمركز معظم الجامعات.
مستحضرة تجليات تجربتها هذه، قالت كامرة، وهي الآن طالبة في ربيعها الواحد والعشرين: "لا أزال أتذكر كيف كانت والدتي تلح علي منذ سن الرابعة عشرة لكي أعمل في إحدى المصانع المتاخمة لقريتي، أملًا في أن أتحول إلى "فرد منتج" يعين الأسرة ويساعدها على الخروج من دائرة شظف العيش الذي كان يقض مضجعنا في تلك السنوات".
وأشارت كامرة إلى أنه على غرار أسرتها، كان العديد من سكان قريتها يعتقدون أن الحصول على عمل- ولو في سن متقدمة - يبقى السبيل الأنجح للارتقاء بالوضع الاجتماعي وتأسيس أسرة عن طريق الزواج. لكن كامرة كانت ترفض هذا الطرح الذي حرم العديد من أطفال كمبوديا من حقهم في التعليم.
وأوضحت أن مقتضيات قانون العمل الذي يمنع تشغيل الأطفال خففت أيضًا من وطأة طلب أمها الملح، لتتمكن بالتالي من استكمال دراستها الثانوية، وتستشرف بكل أمل آفاق دراسة جامعية باتت تراها ممكنة، لكن بعيدًا عن قريتها المثبطة لمثل هذه الطموحات. وهو المسار الذي أفضى بها إلى المجيئ إلى قطر.
طموح يُذلّل الصعاب
على غير مثال سبق، كانت كامرة تتمسك بكل إصرار برغبتها في خوض تجربتها الجامعية مهما علا بها سقف التحديات أو ارتفع صوت والدتها الرافض لمثل هذه "المغامرة التعليمية". وبالفعل تمكنت، وهي في ربيعها السابع عشر من الحصول على منحة دراسية حكومية غادرت على إثرها كنف أسرتها لتلتحق بجامعة كمبوديا.
غير أن الدراسة في عاصمة كامبوديا، بنوم بنيه، انطوت على تحديات وصعوبات إن على المستوى الشخصي أو الماضي. فهناك كان عليها أن تعتمد على نفسها لإيجاد موارد تيسر لها سبل التنقل والمسكن والمأكل، الأمر الذي اضطرها للعمل ساعات معينة في مكتبة، وإعطاء دروس للدعم في اللغة الإنجليزية، مع الحرص في الآن نفسه على التفوق في دراستها لتظل مستحقة للمنحة الجامعية.
ومن المفارقات اللطيفة أن الحلم الجامعي لهذه الفتاة كانت بذوره تنمو في هدوء كأشجار الخيزران بعيدًا ليس عن قريتها أو عاصمة بلادها فحسب، بل في بلد لم تكن قد سمعت به من قبل، وهو دولة قطر، لتجد نفسها طالبة متخصصة في السياسة الدولية بجامعة جورجتاون في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر.
استحضرت الطالبة أن مستهلّ الفضل في هذه المسيرة الدراسية الدولية يرجع إلى استفادتها من منحة دراسية جامعية أتاحتها لها مؤسسة أيادي الخير نحو آسيا (روتا)، وهي مؤسسة يوجد مقرها في قطر وتعنى بتوفير التعليم للأطفال المتأثرين بالأزمات عبر القارة الأسيوية. وقد مكنت هذه المنحة الدراسية كامرة من متابعة دراسة في برنامج الجسر الأكاديمي، التابع للتعليم ما قبل الجامعي لمؤسسة قطر، وهو ما صقل مهاراتها ومعارفها وجعل الطريق أمامها سالكًا لمتابعة دراستها في جامعة جورجتاون في قطر.
وأشارت كامرة إلى أن "اللحظة الفارقة في حياتي الجامعية تمثلت في زيارة وفد عن مؤسسة أيادي الخير نحو آسيا "روتا" في إطار مشروع بناء المؤسسة لمدرسة في إحدى مقاطعات المملكة، علاوة على مشاركتي في برنامج للمتطوعين ببلادي كانت تشرف عليه "روتا".
الطريق إلى قطر
في سنة 2016، وجهت "روتا" الدعوة لكامرة من أجل زيارة قطر في إطار فعاليات مؤتمر لتمكين الشباب، وهي المناسبة التي التقت خلالها سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني رئيس مجلس إدارة مؤسسة أيادي الخير نحو آسيا". في سياق ذلك، أوضحت كامرة أن مسارها الجامعي بدت بوادره أكثر وضوحا عندما حصلت لاحقًا على منحة استحقاق دراسية من قبل "روتا" مكنتها من الالتحاق ببرنامج الجسر الأكاديمي للارتقاء بمهاراتها اللغوية والتعليمية، ومن ثم مواصلة دراستها في جامعة جورجتاون في قطر.
إن التعليم التأسيسي الذي تلقيناه في برنامج الجسر الأكاديمي، والذي ينبني على تقوية معارف ومهارات كل طالب، غيّر بالفعل حياتي. لقد كان بحق جسرًا نحو تحقيقي حلمي، بحيث ساعدني كثيرًا في الرقي بمستواي التحصيلي ومهاراتي اللغوية والحاسوبية.
في سياق ذلك، قالت كامرة: "إن التعليم التأسيسي الذي ينبني على تقوية معارف ومهارات كل طالب الذي تلقيته في برنامج الجسر الأكاديمي غيّر بالفعل حياتي. لقد كان بحق جسرًا نحو تحقيقي حلمي، إذ ساعدني كثيرًا في الرقي بمستواي التحصيلي ومهاراتي اللغوية والحاسوبية".
وبرنامج الجسر الأكاديمي، الذي تأسس في سنة 2001 من قبل جامعة قطر، هو برنامج تأسيسي لمرحلة ما قبل الجامعة يهدف إلى تزويد خريجي المرحلة الثانوية بالمهارات اللازمة للنجاح في الجامعات العالمية المرموقة التي تعتمد اللغة الإنجليزية في تدريس مناهجها.
وشددت كامرة على أن تخرجها في البرنامج كان ثمرة عملها الدؤوب. وأضحت قائلة: "لقد عملت بكل تفان وجدّ من أجل سلك كل الطرق التي تفضي بي إلى النجاح في دراستي، وهو ما تأتى لي، لاسيما بفضل التوجيه الجيد لأساتذتي الرائعين ومواكبتهم لمجهودي التعليمي".
لذلك، تقول كامرة: "فإني أعدّهم أكثر من أساتذة وبرنامج الجسر الأكاديمي بمثابة بيتي الثاني الذي تربطني به علاقات وُدّ واحترام لم تنقطع أواصرها حتى بعد تخرجي من البرنامج".
وأقرت هذه الطالبة بأن ما تعلمته في برنامج الجسر الأكاديمي أسهم بشكل عميق في تمكينها من متابعة دراستها بجامعة جورجتاون.
تجارب جديدة وآفاق أرحب
استحضارًا لما سبق، قالت كامرة: "أعتبر قدومي إلى هذه الجامعة المرموقة تحدّيًا آخر كان ينبغي علي مجابهته".
لقد أصبحت بفضل هذه البيئية التعليمية ثواقة إلى الأخذ بزمام المبادرة والانخراط في الكثير من الفعاليات، سواء في إطار الجامعة أو المبادرات والبرامج التابعة لمؤسسة قطر وكياناتها
وقالت: "إن المنظومة الأكاديمية برمتها، من مناهج وأنشطة موازية، كانت بالنسبة لي عوالم جديدة لم أختبرها من قبل. في الوقت نفسه، أحببت خوض هذا التحدي التعليمي شغفًا بالحياة الجامعية، التي أعتبرها أغلى هدية تلقيتها على الإطلاق في حياتي".
وإبرزت كامرة أنها "تعلمت الكثير على مدى السنوات الثلاث الأخيرة التي قضيتها في قطر الكثير، بحيث أصبحت شخصًا مختلفًا تمامًا عما كنت عليه وأنا طالبة في الفصل الدراسي الأول في برنامج الجسر الأكاديمي". وقالت على سبيل التوضيح: "لقد أصبحت بفضل هذه البيئية التعليمية تواقة إلى الأخذ بزمام المبادرة والانخراط في الكثير من الفعاليات، سواء في إطار الجامعة أو المبادرات والبرامج التابعة لمؤسسة قطر وكياناتها".
ومن وجهة نظر كامرة، فإن المدينة التعليمية توفر منظومة تعليمية متميزة في تنوعها وتكاملها تبقي الطلاب على دراية ومعرفة بمجالات تخصصهم، وفي نفس الوقت تجعلهم يكتسبون مهارات قيادية بفضل الفرص التي توفرها لهم من قبيل الفعاليات العديد من الدورات التدريبية المتوفرة على مدار السنة.
حاليًا، تتابع كامرة فصلًا درسيًا في الحرم الرئيسي لجامعة جورجتاون في واشنطن العاصمة. وبعد الانتهاء من دراستها، تعتزم الإسهام في سد الفجوة الآخذة في التوسع والتي تحرم العديد من سكان قريتها من الفرص التعليمية المتاحة على أكثر من مستوى.
على خلفية ذلك، قالت كامرة: "باعتباري أول شخص في قريتي تتاح له فرصة متابعة دراسته في الخارج، أرى أن الاستثمار في التعليم ينبغي أن يعد أفضل مهمة تناط بالأطفال والشباب".
وأضافت: "شغفي بالتعليم العالي، لا يتجلى فقط في خوض غماره بشكل فردي في جامعة مرموقة، بل في التواصل وتشجيع الأطفال الآخرين في قريتي على الاهتمام أكثر بالتعليم وحثهم على انتهاز جميع الفرص التي تتاح أمامهم".