للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
يهدف خريج مؤسسة قطر، زكي حسين، إلى محاربة التصورات السلبية حول الأمراض النفسية من خلال توثيق رحلة عائلته مع المرض النفسي، واستغلال صناعة الأفلام ليس لغرض الترفيه فحسب، بل لزيادة الوعي حول القضايا المختلفة.
نشأ حسين في بيت صغير في سنغافورة، مع أمه وأختيه، حيث عايش تداعيات مرض أخته النفسي. تعاني أخت حسين الكبرى من انفصام الشخصية، وعادةً ما تصاب بالهلوسة أو تسمع أصواتًا من صنع مخيلتها، وهو أمر لم يكن يفهمه حسين في صغره.
يشرح حسين التصورات الاجتماعية حول الأمراض النفسية وكيف منعته من الحديث بحرية عن تجربة عائلته، قائلًا: "لا يمر كثيرون بتجربة العيش مع شخص يعاني مرضًا نفسيًا، وكيف يغير ذلك طريقة حياة العائلة بأكملها." ويضيف قائلًا: "من الصعب الحديث عن الصحة النفسية، حتى مع أشخاص مقربين بالنسبة لنا، وكذلك من الصعب الحصول على الدعم من الآخرين مع وجود هذه التصورات السلبية".
نشأ حسين في سنغافورة مع أمه (يسار الصورة) وأختيه (يمين الصورة).
لطالما شعر حسين بالعجز حين يتعلق الأمر بصحة أخته النفسية، ولكن بعد انتقاله إلى دولة قطر لدراسة صناعة الأفلام في جامعة نورثوسترن في قطر، أدرك أن أقل ما يمكنه فعله لتغيير تلك التصورات السلبية حول الصحة النفسية هو إعداد فيلم يوثّق تجربة عائلته.
يشرح حسين سبب إعداده لفيلم عن تجربته قائلًا: "من المهم أن تكتب أو تصور أو ترسم حول الأمور التي تمس حياتك، كصانع أفلام أو كأي شخص مهتم بالفنون. لدينا وسائل تمكننا من الوصول لأناس أكثر، ولدينا القدرة على تشكيل وتشجيع النقاش حول الأمراض النفسية أو أية موضوعات أخرى تحوم حولها تصورات سلبية".
الأفلام ليست للترفيه فحسب
كان قرار حسين بإعداد فيلم حول قصة أخته نابعًا من رؤيته لتسليط الضوء على حياة شخص يعاني انفصام الشخصية، ولكن ما ألهمه أيضًا كانت رحلة أمه بمفردها للاعتناء بأخته المريضة.
قبل تصوير الفيلم، طلب حسين الإذن من والدته وأخته، اللتان ترددتا في البداية قبل أن تمنحاه موافقتهما. حصل حسين على منحة من استوديو Q20، وهو منظمة طلابية بجامعة نورثوسترن في قطر، الجامعة الشريكة لمؤسسة قطر، تمول وترشد صانعي الأفلام من الطلاب، وأعد فيلمًا خياليًا مدته 10 دقائق استلهم قصته من تجربة حقيقية مرت بها عائلته.
كصنّاع أفلام، لدينا وسائل تمكننا من الوصول لأناس أكثر، ولدينا القدرة على تشكيل وتشجيع النقاش حول الأمراض النفسية أو أية موضوعات أخرى تحوم حولها تصورات سلبية.
قد يكون فيلم "تريما كاسيه"؛ "شكرًا" بلغة الملايو، فيلمًا قصيرًا، إلا أن إعداده استغرق ساعات طويلة من العمل المتواصل، نظرًا لطبيعة القضية التي يعالجها الفيلم.
قبل كتابة سيناريو الفيلم، أراد حسين للكتاب أن يفهموا جيدًا ما يعنيه وجود شخص يعاني من انفصام الشخصية ضمن أفراد عائلتك، ولذلك فقد نظّم مقابلات عبر برنامج "سكايب" بين طاقم العمل، وأفراد عائلته.
يقول حسين: "كان من الصعب على والدتي مشاركة تجربتها، فقد كانت تتحدث مع أناس لم تكن تعرفهم. ولكن ما دفعها للمشاركة كان فهمها لحاجتنا لزيادة الوعي وليس لإعداد فيلم بغرض الترفيه فحسب".
صور من طفولة حسين مع أختيه.
واجه حسين تحدٍ آخر، وهو إيجاد ممثلين يمكنهم تجسيد ما يعنيه التعامل مع قضية تتعلق بالصحة النفسية. عقد حسين وفريقه مقابلات مع بعض الممثلين في الخور، أقصى شمال قطر، حيث تعيش الكثير من العائلات السنغافورية، ووجد سيدة تتحدث لغة الملايو يمكنها تأدية دور والدته. أما دور أخته، فقد أدته طالبة من جامعة كارنيجي ميلون في قطر.
وبعد ثمانية شهور من الإنتاج، عُرض الفيلم لأول مرة في استوديو 20Q في أبريل عام 2018، وحصل على جائزة أفضل كتابة إبداعية خلال جوائز الطلاب السنوية بجامعة نورثوسترن في قطر، كما حصد المركز الثالث في مهرجان الإعلام الإبداعي بالجامعة.
قوة القصص
قدّم حسين عدة أفلام قصيرة في أثناء دراسته في الجامعة، بما في ذلك فيلم 9965، فيلم كوميدي ساخر يحكي قصة شخص على كرسي متحرك؛ يزحف، حرفيًا، لتحقيق أهدافه في الحياة.
حين عُرض الفيلم في مهرجان أجيال السينمائي في الدوحة، جاءت أمٌ قطرية إلى حسين لتخبره كم كان الفيلم رائعًا، الأمر الذي أدهش حسين، فقد ظن أن الفيلم لن يروق إلا لجيل الشباب.
يقول حسين: "فهمت حينها أن للفيلم قاعدة جماهيرية أوسع. فقد كانت [أي: الأم القطرية] من جيل مختلف، وأدركتُ أن فيلمًا واحدًا من شأنه أن يترك أثرًا في أناس مختلفين تمامًا".
لسنا مختصين في هذا المجال، ولكن لدينا قصص لنحكيها. هناك أطباء على استعداد للمساعدة وهناك حلول أخرى، لكن الناس لا يلجؤون لهم بسبب التصورات السلبية.
عرض حسين فيلمه في مناسبات مختلفة، في قطر وسنغافورة، حيث تلقى العديد من الردود الإيجابية، وخاصةً من أشخاص يعانون من الأمراض النفسية.
يقول حسين: "الكثير منهم لم يعلّقوا على الفيلم، بل أخبروني عن تجاربهم الشخصية"، ويضيف قائلًا: "لقد فتح الفيلم مجالًا للناس ليتحدثوا عن تجاربهم، وليعرفوا أنهم ليسوا وحدهم في مواجهة مثل هذه التحديات. كلما تحدثت عن انفصام الشخصية، أفهم المرض أكثر وأكثر".
أعد حسين الكثير من الأفلام القصيرة في أثناء دراسته في جامعة نورثوسترن في قطر، تراوحت بين الكوميديا والدراما والأفلام الوثائقية.
حاليًا، يعمل حسين مساعد إنتاج في شركة لوكاس فيلم بسنغافورة، كما عمل على إعداد مؤثرات بصرية لبعض الأفلام العالمية الرائجة، مثل فيلم "المنتقمون: نهاية اللعبة" والجزء التاسع من سلسلة أفلام "حرب النجوم"، كما كانت المهارات الاجتماعية التي تعلمها في أثناء دراسته في الجامعة، بما في ذلك التواضع والقدرة على التعامل مع أشخاص من ثقافات مختلفة، مفتاحًا لنجاحه في عمله.
يقول حسين: "في أثناء دراستي، عملت على ثلاثة أفلام مع ثلاثة منتجين من ثقافات مختلفة، وذلك ساعدني لأكون مرنًا في العمل. كما تعلمنا في جامعة نورثوسترن في قطر قيمة التواضع، وذلك ما يساعدني في استيعاب القصص ومحاولة سردها بأفضل طريقة ممكنة".
أخت حسين الصغرى، منورة حسين، شغوفة أيضًا بإعداد الأفلام، وهي حاليًا طالبة في جامعة نورثوسترن في قطر، تختص في مجال الاتصال.
يخطط حسين لمواصلة العمل في مجال الأفلام في الوقت الراهن، ولكنه يريد أن ينخرط في المجال الأكاديمي في المستقبل، ويدرّس فن سرد القصص لصناع الأفلام.