للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
الدكتورة سهيلة الخضر، مدير برنامج صحة الأم والطفل في سدرة للطب، وفريقها يتوصلون إلى التوصيف الأول من نوعه لتكوين الميكروبيوم اللعابي لدى القطريين
لا يُنظر دومًا إلى الدور الذي يقوم به اللعاب في أجسامنا بما يستحقه من تقدير؛ فإلى جانب مساعدتنا في هضم الطعام يحمل اللعاب معلومات عن الحالة الفسيولوجية للجسم، ما يعني أن المراقبة الآنية للبيانات المستقاة من اللعاب يمكن أن تتيح تطبيقات سريرية نافعة للطب الانتقالي في الكشف عن العديد من الأمراض.
اللعاب أشبه بمرآة تعكس الحالة الصحية لجسم الإنسان
إنّ التحوّل إلى ما يعرف بالطب الشخصي أو الطب الدقيق يمكن تعزيزه من خلال تشخيص اللعاب كأحد عوامل التطوير في الأدوات التشخيصية، إذ يمكن استخدام اللعاب في تحديد المؤشرات الحيوية وقياسها ما يفسح المجال أمام ممارسات تشخيصية وعلاجية تتناسب بدرجة كبيرة مع الحالات الفردية.
سهيلة الخضر
تقول الدكتورة سهيلة الخضر، مدير برنامج صحة الأم والطفل بإدارة البحوث في سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر، ومستشفى النساء والأطفال الذي يَعتبر الطب الدقيق إحدى ركائزه الرئيسية: "اللعاب أشبه بمرآة تعكس الحالة الصحية لجسم الإنسان؛ إذ يدخل في تكوينه الحمض النووي الريبي (الرنا) والحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين (الدنا) والبروتينات والشوارد الكهربية (الإلكتروليتات) والمستقلبات (مجموعة من الجزيئات الصغيرة التي توجد في خلايا الجسم) والمجهريات الميكروبية، وأي تغير يطرأ على أي من هذه المكونات قد يشير إلى تغير في الحالة الصحية للفرد."
وتوضح الدكتورة سهيلة قائلة: "لا يحدث التغير في الميكروبيوم اللعابي من مرض لآخر فحسب، بل يتغير أيضًا تبعًا للانتماء العرقي أو الإثنية، ويعزى ذلك في جانب منه إلى التباينات في العوامل الوراثية والنظام الغذائي والعوامل البيئية."
يُشار هنا إلى أن درجة التغير في الميكروبيوم اللعابي على مستوى المجموعات السكانية لم تُدرس على نطاق واسع، فضلاً عن أن الدراسات المعدودة المتاحة في هذا المجال لا تأخذ في الاعتبار السكان العرب أو السكان القطريين. واليوم نجح فريق الدكتورة سهيلة في وضع التوصيف الأول من نوعه لتكوين الميكروبيوم اللعابي لدى القطريين باستخدام بيانات 1000 شخص من المشاركين في برنامج قطر جينوم.
إن انعدام البيانات التي تمثل العرب في هذا المجال البحثي يضع المسؤولية الأولى في سدّ هذه الفجوة على عاتقنا نحن العلماء العرب
تعليقًا على هذا الإنجاز تقول الدكتورة سهيلة: "إن انعدام البيانات التي تمثل العرب في هذا المجال البحثي يضع المسؤولية الأولى في سدّ هذه الفجوة على عاتقنا نحن العلماء العرب، ونأمل أن يسهم هذا التوصيف الأول من نوعه للميكروبيوم اللعابي عند القطريين في تمهيد الطريق مستقبلًا أمام الدراسات التشخيصية المعتمدة على اللعاب."
وحتى يتسنى إحراز تقدّم في مجال تشخيص اللعاب، فمن الضروري إنشاء قاعدة بيانات شاملة تضمّ المؤشرات الحيوية التي تدل على وجود اضطراب ما في اللعاب. بمجرد اكتمال فهرسة هذه البيانات، يصبح للتغيّرات التي تطرأ على مستويات المؤشرات الحيوية دور رئيسي في الحفاظ على الصحة والرفاه والكشف المبكر عن الأمراض. في هذا الصدد تقول الدكتورة سهيلة: "يتوقف نجاح التشخيص اللعابي على تحديد مؤشرات حيوية جرى التحقق منها سريريًا بحيث يمكن ربطها بشكل موثوق بمرض محدد وتعطينا مستهدفات موثوقة أيضًا للعلاج."
وفي إطار مشروع بحثي قيد التنفيذ بتمويل من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي التابع لمؤسسة قطر، تعكف الدكتورة سهيلة على دراسة مدى قدرة التغيرات في ميكروبيوم وبروتيوم اللعاب على المساعدة في توقع الإصابة بالسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها. وعن ذلك تقول: "يقبع في التجويف الفموي أنواع عدة من الميكروبات، والسؤال الذي أحاول التوصل إلى إجابته هو: هل يمكنني عبر تحليل المؤشرات الحيوية في عينة لعاب أن أعرف إذا ما كان المريض مصابًا بالسكري أو عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية؟"
وثمة جانب آخر في بحث الدكتورة سهيلة تسعى من خلاله إلى دراسة مدى إسهام ميكروبات بعينها في احتمال إصابة الشخص بمرض من الأمراض، على سبيل المثال: كيف يُعرِّض نوع معين من أنواع البكتيريا الشخص لخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية بدرجة كبيرة؟ وهل يتسبب في زيادة معدل امتصاص الدهون بشكل أكبر؟ وهل يسبب ارتفاعًا في ضغط الدم؟
استخدمت سوائل جسم الإنسان مثل الدم والبول في الأغراض التشخيصية طوال عقود، ولكن ثمة أسباب تبرر تحول نظر العلماء الآن إلى اللعاب أيضًا، وتفسر الدكتورة سهيلة ذلك بالقول: "يمثل اللعاب إحدى أكثر أدوات التشخيص مثالية؛ فهي زهيدة التكلفة ولا تتطلب إجراءات جراحية ويسهل التعامل معها، والأهم من ذلك أن القدر الضئيل للغاية من شعور المريض بالانزعاج عند أخذ عينة اللعاب يجعلها خياره المفضل على سوائل الجسم الأخرى."
ومن المتوقع مستقبلًا أن تمهد فحوص اللعاب الطريق أمام التشخيص السريع والفوري لأمراض عديدة، ما يتيح إمكانية المراقبة الآنية للحالة الصحية ويؤدي بدوره إلى تطوير الطب الوقائي الشخصي
وتردف الدكتورة سهيلة موضحة: "لقد أبرزت جائحة كوفيد-19 الدور المهم للتشخيص المعتمد على اللعاب، ولعل ميزته الأهم أن الشعور بالانزعاج الذي يعتري المريض عند أخذ العينة طفيف للغاية؛ فإذا ما سألت شخصًا إن كان يفضل وضع عينة من لعابه في أنبوب أم يخضع لمسحة تؤخذ من عمق تجويفه الأنفي، فلست أبالغ حين أقول إن 100% تقريبًا سيفضلون الخيار الأول."
وبالنظر إلى سرعتها وكفاءتها من حيث التكلفة، يمكن لأساليب التشخيص المعتمدة على اللعاب أن تتيح إجراء الفحص اللازم لمجموعة سكانية بأكملها لرصد مرض بعينه في الوقت المناسب.
ختامًا تقول الدكتورة سهيلة: "إن المؤشرات الحيوية اللعابية التي جرى التحقق من صحتها إذا ما اقترنت بأدوات كشف وتشخيص قوية تمتلك القدرة على فتح آفاق ابتكارية جديدة في الرعاية الصحية الشخصية. ومن المتوقع مستقبلًا أن تمهد فحوص اللعاب الطريق أمام التشخيص السريع والفوري لأمراض عديدة، ما يتيح إمكانية المراقبة الآنية للحالة الصحية ويؤدي بدوره إلى تطوير الطب الوقائي الشخصي."