للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
في عام 2018 سافر وليد زهور في رحلة دراسية إلى الصين، ضمن برنامج يهدف إلى استكشاف الأبعاد الاجتماعية والسياسية لحياة المسلمين في الصين. في السطور التالية يخبرنا وليد عن تجربته وما ينبغي أن نعرفه عن طبيعة حياة المجتمع المسلم هناك.
أنا من باكستان، الجار القديم والحليف للصين. غنيت في طفولتي العديد من الأغاني التي تدور في فلك تأكيد أهمية علاقة الصداقة بين البلدين ومدى متانتها، إلا أنني كنت في الواقع غافلًا عن كل ما يتعلق بالصين وثقافتها وتاريخها. كانت الصين بالنسبة لي بمثابة "غريب مألوف"، على حد تعبير جوناثان ليبمان.
معرفتي بالصين في ذلك الوقت لم تتجاوز ما كان يعلمه الجميع عنها: الموقع الجغرافي لسور الصين العظيم. وبالرغم من أن السور كان المحطة الأولى في رحلتنا إلى الصين، إلا أن تسلّق درجاته العديدة كانت تجربة مختلفة، حيث شعرنا وكأننا نرجع بالزمن آلاف السنين إلى الوراء. كان وجودنا هناك تجربة تشبه الحلم، وبينما بدأت الرحلة بجولة في المدينة، لم نكن هناك فقط كسياح، بل كنا هناك كطلاب وباحثين يحاولون استكشاف بلد وثقافة لم يتمكنوا من الوصول إليها سابقًا إلا من خلال الكتب والمحاضرات والمناقشات.
اضطلعت جامعة جورجتاون في قطر بتنظيم هذه الرحلة كجزء من برنامج "مناطق النزاعات ومناطق السلام" التابع لها، حيث يستكشف الطلاب الصراعات التاريخية من خلال تحقيقات عميقة على مدى عدّة أشهر تنتهي برحلة دولية يقودها مشرفو هيئة التدريس والموظفون، وقد تمحور موضوع هذا العام حول تاريخ الإسلام والمسلمين في الصين.
الصين موطن لأكثر من 50 أقلية عرقية مختلفة، ويُشار إلى الأقليات العرقية هناك باسم "مينزو". كجزء من بحثنا الجماعي، اخترنا التركيز على الأقلية المسلمة هناك، لا سيّما مجموعاتهم الفرعية من الخوي والإيغور بما أنهم يشكلان الجزء الأكبر من الأقلية المسلمة هناك. على الرغم من وجود مجتمعات مسلمة أخرى من المينزو، فإن علاقة الخوي والإيغور بالدولة هي الأكثر اختلافًا.
تدرك الصين قدرة سكانها المسلمين على تحسين علاقاتها مع دول الشرق الأوسط ، لكنها في نفس الوقت تتبنى سياسات تمييزية ضد المسلمين الذين يعيشون داخل حدودها.
إن علاقات المسلمين الخوي مع الدولة الصينية وديّة للغاية، ولذلك يعيشون حياة مريحة ومزدهرة مقارنةً مع إخوانهم الإيغور. غالبية سكان الإيغور يسكنون في مقاطعة شينجيانغ، وقد عايشوا تاريخيًا علاقة عدائية مع الدولة الصينية. تصاعدت التوترات بين الدولة وبعض الجماعات الإيغورية، مثل حركة تركستان الشرقية الإسلامية، وتحولّت مع مرور الوقت إلى عنف أدّى إلى اشتباكات مسلحة. وربما يشكل الإيغوريون ذوي الميول الانفصالية القوية الفئة الفرعية الوحيدة التي تنضم إلى مثل هذه المنظمات المسلحة، ولكن بقية مسلمي الإيغور الذين يعيشون في الصين ليسوا محصنين من عواقب مواجهاتهم مع الدولة.
تفرض الدولة إجراءات قاسية على مسلمي الإيغور الأمر الذي يستتبعه فرض قيود صارمة على حريتهم في ممارسة عاداتهم الدينية، وهدفها هو محو "إسلاميتهم" لتسهيل اندماجهم في المجتمع الصيني الأكبر. وكجزء من هذه الاستراتيجية، لا يُسمح لمسلمي الإيغور بالصيام، وقد وردت تقارير عن حوادث تم فيها إطعامهم لحم الخنزير بالقوة. كما يتم احتجاز مئات الآلاف من الرجال الإيغوريين في ما تسميه الدولة الصينية "معسكرات إعادة التعليم" والتي تهدف إلى القضاء على التطرف. ومع ذلك، فإن النقاد الذين أثاروا قضية مراكز الاعتقال المشكوك فيها قد وصفوها بأنها "معسكرات اعتقال عرقية".
الوضع مختلف تمامًا بالنسبة لمسلمي الخوي في الصين، ويرجع ذلك أساسًا إلى تنامي العلاقات بين الصين والشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، مما جعل المسلمين في الصين أكثر أهمية للأمة. يمثّل مسلمو الخوي أحد العوامل المشتركة القليلة بين المنطقتين المختلفتين تمامًا، ويمكنهم بالتالي أن يكونوا بمثابة جسور قوية لتعزيز هذه الروابط. تدرك الحكومة الصينية هذا الأمر، ولذلك استثمرت بقوة في تصوير نفسها كأمة فخورة بجماعتها الإسلامية الصينية ومدفوعة للإسهام في ازدهارهم.
ومن الأمثلة على هذا الدعم المنتزهات ذات الطابع الإسلامي التي تبلغ تكلفتها ملايين الدولارات والتي انتشرت في مدن يغلب عليها سكان الخوي، وغالبًا ما يزورها التجار ورجال الأعمال من دول الشرق الأوسط. وفي خطوة مماثلة، استثمرت الصين مبالغ طائلة لإظهار نفسها كواحدة من أكبر أسواق المنتجات الغذائية الحلال في العالم، ويعتمد جزء كبير من هذه الصناعة المزدهرة على مجتمع الخوي المسلم الذي يتمتع تحت رعاية الدولة بالحرية الدينية ودعم للبنية التحتية الدينية.
تدرك الصين قدرة سكانها المسلمين على تحسين علاقاتها مع دول الشرق الأوسط ، لكنها في نفس الوقت تتبنى سياسات تمييزية ضد المسلمين الذين يعيشون داخل حدودها. كانت تفاعلاتنا خلال رحلتنا مقتصرة على مسلمي الخوي في المدن المكتظة بهذه الأقلية، وللأسف لم يكن مسموحًا لنا بالسفر إلى المناطق التي يقطنها الإيغور، مما يشير إلى الطرق المختلفة التي يتم بها معاملة الأقليات المسلمة في الصين.
كانت الرحلة فرصة ممتازة لنا للذهاب إلى الصين واكتساب نظرة أعمق على هذه المشكلات ومحاولة فهمها من منظور المواطنين الصينيين الذين ينتمون إلى طبقات المجتمع المختلفة. ساعدت الدورات الدراسية التي شاركنا فيها قبل الرحلة في تزويد جميع المشاركين بنظرة متعمقة حول التاريخ الغني للإسلام في الصين وفهم راسخ للوضع المعاصر، وبالتالي كان كل طالب قادرًا على طرح أسئلة ذكية ومركزة ساعدتهم في التقدم في أبحاثهم.
أتطلع إلى الاستمرار في طرح أسئلة مماثلة بينما أستعد للحياة بعد التخرج.