إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | التعليم
27 October 2019

بلسان حالها: "أنا أكثر بكثير من مجرد إحصائية لسرطان الثدي"

مشاركة

ما الذي دعى الدكتورة بوربلا مفسود، أستاذ مساعد في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة لقول ذلك؟ إليكم ما كتبت:

كنت أجلسُ حول طاولة الطعام، أقوم بترتيب هدايا عيد ميلاد ابني عندما استنتجت بشكل مفاجئ أنني بالفعل مجرد إحصائية. فكم مرة، في عملي في مجال الأبحاث البيولوجيا الجزيئية وعلم الوراثة، أجريت فحوصًا لإيجاد الخصائص المنذرة بوجود خلايا سرطانية أو قمت بحساب منحنيات النجاة؟ وكم مرة أجريت الفحوص والتحقيقات تلقائيًا دون التفكير في المرضى الذين تم استخراج هذه الخلايا منهم؟ الآن أصبحت أنا أيضًا مجرد إحصائية – وبالنسبة لي، كان الأمر يتعلق بنجاتي.

الآن أصبحت أنا أيضًا مجرد إحصائية – وبالنسبة لي، كان الأمر يتعلق بنجاتي.

في صباح ذلك اليوم من شهر أكتوبر، وبينما كنت أجهّز حقائب مليئة بالمكافآت لأصدقاء ابني، قلت لنفسي أنه من الطبيعي أن تجول في ذهني تلك الأفكار، وأنه من الطبيعي أن أشعر بالخوف، ففي الحقيقة، لا يوجد الكثير من الأمهات اللاتي يخضعن لجلسات أولية من العلاج الكيمياوي في عيد ميلاد أطفالهن الثالث.

وجودي في الدوحة ساعدني على اكتشاف المرض

في صيف عام 2018، قررنا أنا وزوجي الانتقال من لندن إلى الدوحة، حيث كانت طبيعة الطقس في المملكة المتحدة متقلبة، لذا كنا نشتاق إلى السماء المشرقة. انتقلنا إلى الدوحة بسهولة، فانضم زوجي إلى سدرة للطب، عضو مؤسسة قطر، كأخصائي في علم الأمراض يقوم بإجراء أبحاث في سرطان الكلى لدى الأطفال، وأنا بدأت بالعمل في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة التي تم إطلاقها حديثًا. أما ابني، فسرعان ما استقر في روضة محلية للأطفال.

عندما تظهر مشاكل متعلقة بصحة جسدك، ستفترض الأسوأ دومًا، وهذا ما شعرت به بالضبط عندما اكتشفت وجود كتلة في الثدي الأيمن لدي بعد ثلاثة أشهر فقط من وصولنا إلى الدوحة. وعندما أخبرت زوجي بذلك، قمنا بتحديد موعد مع الطبيب في إحدى المستشفيات.

الدكتورة بوربلا مفسود، أستاذ مساعد في كلية العلوم الصحية والحيوية بجامعة حمد بن خليفة

عندما حان موعد إجراء الفحص، لم أستطع إلا أن أفكر بالنساء حول العالم اللاتي اضطررن للانتظار أشهر عديدة قبل الحصول على موعد لإجراء الفحص ومعرفة ما إذا كنّ سيبقين على قيد الحياة أم لا، وأدركت كم أنني محظوظة لوجودي في قطر.

جاءت نتائج الفحص وبيّنت وجود كتلة غريبة تطلبت القيام بخزعة في مستشفى حمد العام.

تشخيص تلو الآخر .....

يمر الأفراد في فترة معاناة كبيرة قبيل إجراء الفحوص التشخيصية الأولية، حتى لو كانوا يمتلكون شخصية هادئة. واللحظة التي سمعت بها الطبيب يؤكد إصابتي بالسرطان، شعرت بالاختناق، وكانت أول فكرة تجول في ذهني، وذهن كل امرأة أخرى تمر في الموقف ذاته "لا يمكن حدوث ذلك لي" و "كم من الوقت لدي لأعيش؟"، و "ما الذي سيحدث لابني وزوجي؟ "

لكنني كنت أعرف ماهي النتائج الأكثر ترجيحًا لكل مرحلة من مراحل المرض، لكوني عالمة بيولوجيا جزيئية ولدي خبرة في بحوث السرطان. ولأول مرة في حياتي، شعرت أن العلم الذي أملكه سيساعدني وسيسبب لي الألم كذلك.

أخبروني أن السرطان ما زال في المرحلة الأولى، وهي مرحلة تكون فيها فرصة الشفاء الكامل قريبة إلى مئة بالمائة، فشعرت بالارتياح، وكنت سعيدة تقريبًا عندما وضع لي الجراح خطة علاج، حيث ستكون الخطوة الأولى هي إجراء عملية جراحية لإزالة الورم.

تنعم الدكتورة بوربلا مفسود وابنها بلحظة هادئة

من الصعب التعبير عن المشاعر المرعبة التي انتابتني عند زوال أثر التخدير بعد العملية وسماعي خبر أن خطورة حالتي كانت أسوأ مما ظهرت عليه في التشخيص الأولي، وأن الورم الخبيث قد انتشر إلى الغدد الليمفاوية. اضطر الطبيب بعد ذلك إلى مراجعة خطة العلاج، بحيث تتضمن العلاج الكيماوي وجراحة أخرى لاستئصال الثدي وإعادة بناءه، ثم إجراء علاج إشعاعي.

ومن الغريب أنه حتى في تلك اللحظات، ظهرت الباحثة التي بداخلي، فكنت أشعر أنه إذا كان بإمكاني أن أعتبر أن الأشهر القليلة القادمة هي قائمة من الواجبات التي يجب انجازها، سأتمكن من الخوض في الفترة القادمة من العلاج، فعند الانتهاء من الجراحة والعلاج الكيماوي والعلاج الإشعاعي، يمكنني إدراج تلك المهام في قائمة إنجازاتي، وهذه هي العقلية التي تزودت بها عندما بدأت بالعلاج الطويل.

يستمد الإنسان القوة من المعتاد ويقوم باستخدامه كدرع يحميه من الأمور التي لا يستطيع التحكم بها. وبالنسبة لي، كان عملي هو سلاحي.

عملي هو سلاحي

أعتقد أنه من الطبيعة البشرية أن يدفع الإنسان نفسه عاطفيًا بحيث يشعر أنه يساهم في شيء ما، لكنه في حقيقة الأمر يكون عالقًا في دوامة من الإجراءات والاستمارات والأدوية والعمليات الجراحية والألم. فيستمد الإنسان القوة من المعتاد ويقوم باستخدامه كدرع يحميه من الأمور التي لا يستطيع التحكم بها. وبالنسبة لي، كان عملي هو سلاحي.

أثناء علاجي، كنت ممتنة للغاية من عملي كعضو في هيئة التدريس بجامعة حمد بن خليفة، وكنت سعيدة بالعمل الذي قمت به مع زملائي الآخرين للمساعدة في إنشاء كلية العلوم الصحية والحيوية الجديدة. بالطبع، شعرت بعض الأيام أنني سأفقد الوعي بسبب الآثار الجانبية للعلاج الكيماوي. لكنني واظبت على الذهاب للعمل بكل حماس لرؤية طلابي.

في الجامعة، كان الجميع يدعمني، بالرغم من أنه كان من السهل أن تصعب الأمور، فقد انضممت إلى الكلية قبل شهر واحد من تشخيصي بالسرطان. ومع ذلك فقد قام زملائي بتحويل مواعيد محاضراتي لأتمكن من حضور جلسات العلاج الكيماوي والعلاج الإشعاعي بين المحاضرات. وهكذا حثَّني عملي على المضي قدمًا.

ونظرًا لتسلسل الأحداث، أدركت أنني وصلت إلى الدوحة في الوقت المناسب، بفضل مستوى نظام الرعاية بالإضافة إلى الجامعة، ما ساعدني على إكمال العلاج حتى النهاية. أما من ناحية النتائج والنجاة من الأسوأ، فقد كنت محظوظة أن الفترة، منذ اكتشاف الورم إلى أول عملية جراحية، قد استغرقت ثلاثة أسابيع فقط، ويعد ذلك رفاهية مقارنة بمدة الانتظار والبروتوكولات المعتمدة في البلدان الأخرى.

يؤثر سرطان الثدي على العلاقات العاطفية، ولكن ليس بالطريقة التي تفترضها

إعادة بناء العلاقات

يؤثر سرطان الثدي على العلاقات العاطفية، ولكن ليس بالطريقة التي تفترضها. ففي حالتي، اكتشفت أن عملية استئصال الثدي كانت واحدة من الأمور التي اضطررت أن أتكيف معها. فالأدوية التي اتناولها، تقوم بكبح الهرمونات الطبيعية الموجودة، وقد أثّر ذلك على علاقتي مع زوجي وعائلتي. لحسن الحظ ومع مرور الوقت، بدأت الأمور تتحسن. كما شعرت كم أنني محظوظة لوجود زوج محب إلى جانبي، وهو أيضًا باحث سرطان، فكان يفهم تمامًا ما كنت أعاني منه. لا أعتقد أنني كنت سأستطيع الخوض في هذه المحنة لولا محبته وعطفه.

أما ابني، فكان صغيراً جدًا ولا يفهم تمامًا ما كان يحدث لوالدته. بالطبع، حاولنا جاهدين أن نشرح له حقيقة الأمر،حتى فوجئنا في بعض الأحيان من نضجه رغم صغر سنه.

الدكتورة بوربلا مفسود وأسرتها.

بعد عملية استئصال الثدي، نصحني أخصائي العلاج الطبيعي بعدم حمل ابني لبضعة أسابيع، ومع أنني لا أشجع الأفراد على تجاهل نصائح الطبيب، في بعض الأحيان، على الفرد أن ينصت لما يميل له قلبه. فكثيرًا ما قمت بحمل ابني على صدري بعد العملية، وكنت أشعر بضغط على الثدي إثر ذلك. وعندما كنت أحضن ابني، كنت أتسائل "من الذي يعطي الحنان ومن المتلقي؟" – فرغم صغر سنه، كنت أشعر براحة عندما أحضنه بقدر الراحة التي كان يشعر بها ابني عندما يحضنني.

أكبر إنجازاتي حتى الآن

جعلني مرض السرطان أعيد تعريف معنى "التميز". فمنذ ثلاثة عشر عامًا، حصلت على الماجستير في علم الأحياء الدقيقة من هنغاريا. ثم حصلت على الدكتوراه من جامعة فيينا في عام 2010، كما عملت في مجال الأبحاث ما بعد الدكتوراه بالإضافة إلى أعمال مستقلة في كامبريدج ولندن.

اسمحوا لأنفسكم بتجربة الفشل لكي تتعلموا أن الأشخاص الآخرين من حولكم هم أكثر من مجرد رقم لتقييم الأداء الذي قدّموه.

وبعد حصولي على جميع هذه الشهادات، أجلس هنا الآن وأنا غير قادرة حتى على إكمال مقترح لمنحة بحثية. ولأول مرة في حياتي الطلابية وحياتي المهنية، شعرت أنه ليس من واجبي القيام بذلك لتحقيق النجاح. إنني لست مضطرة للاعتماد على مؤهلاتي العلمية للتعبير عمن أكون. فالآن أرى نفسي أكثر من مجرد قائمة من الشهادات الأكاديمية.

وهذه هي الرسالة التي أرغب بتوجيهها لطلابي في جامعة حمد بن خليفة، وهي: أنتم أكثر من طلاب. لا تقوموا بحصر أنفسكم في إطار الدرجات التي تحصلون عليها وحدها. واسمحوا لأنفسكم بتجربة الفشل لكي تتعلموا أن الأشخاص الآخرين من حولكم هم أكثر من مجرد رقم لتقييم الأداء الذي قدّموه.

سأواجه هذه الفحوص مزودة بما أعتبره أكبر إنجاز لي حتى الآن، وهو الإدراك أن شعري القصير وثديي المزروع والندبات التي حصلت عليها بعد العمليات الجراحية، كان لها أثر في تعزيز دوري كأم وزوجة وابنة واستاذة.

على مدار الأشهر والسنوات القليلة القادمة، سأخضع لفحوص منتظمة للتأكد من عدم وجود خلايا سرطانية في الدم. وسأواجه هذه الفحوص مزودة بما أعتبره أكبر إنجاز لي حتى الآن، وهو الإدراك أن شعري القصير وثديي المزروع والندبات التي حصلت عليها بعد العمليات الجراحية، كان لها أثر في تعزيز دوري كأم وزوجة وابنة واستاذة، وأنني كذلك امرأة كاملة وأكثر بكثير من مجرد إحصائية لسرطان الثدي.

قصص ذات صلة