للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
تسعى هند الخاطر، طالبة في جامعة نورثويسترن في قطر، وإحدى المصابات بمرض السكري من النوع الأول، إلى المساهمة في بناء مجتمع لمرضى السكري يهدف إلى توفير الدعم وتعزيز الوعي الاجتماعي حول داء السكري.
تسعى هند الخاطر، طالبة في جامعة نورثويسترن في قطر، وإحدى المصابات بمرض السكري من النوع الأول، إلى المساهمة في بناء مجتمع لمرضى السكري يهدف إلى توفير الدعم وتعزيز الوعي الاجتماعي حول داء السكري.
" تنبيه وتحذير إلى كل أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن، أنتم الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بكوفيد-19، الخطر يحدق بكم وبمن حولكم. جهازكم المناعي لن يسعفكم لو أصبتم بالوباء، لا تخاطروا بأرواحكم وبأرواح من حولكم".
ماذا يعني أن تكون مصابًا بمرض مزمن وأن تطلع على رسائل يومية قادمة من منظمات الصحة العالمية، وأن تقرأ تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي تطمئن الأفراد أن "هذا المرض يشكل خطرًا فقط على حياة أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن، فلا تقلقوا"؟
كيف يفترض بنا، نحن الذين نعاني من الأمراض المزمنة، أن نشعر حيال هذه الرسائل التحذيرية؟ لماذا لم يفكر أحد بنا وبمشاعرنا ومخاوفنا المتراكمة والقلق النفسي الناجم عن تلك التحذيرات وكأنها تؤكد لنا أن حياتنا في خطر؟
لا أملك الإجابة، ولكن ما أعرفه، أنني كمريضة سكري من النوع الأول، عشتُ لحظات صعبة ناجمة عن نظرة الآخرين لي وأسلوب تعاملهم معي وأسئلتهم المتكررة حول حالتي الصحية والمخاطر التي أتعرض لها سواء في ظل كوفيد-19 أو ما قبله
لكنني، على الرغم من ذلك، \لم أضعف، لم أشعر بالخوف، كل ما قمت به، هو توخي المزيد من الحذر، ومحاولة الحفاظ على جهاز مناعة قوي عبر تنظيم مستوى السكر في دمي، والأهم، التغاضي عن كلّ أسئلة الآخرين السلبية الموجهة لي وشكوكهم حول حالتي الصحية في ظل الأزمة الحالية.
أعادني هذا الواقع إلى الوراء عندما اكتشفت أنني مصابة بمرض السكري، وذلك قبل عام واحد حين كان عمري لا يتجاوز 18ـ عامًا.
كنت حينها برفقة أسرتي في إجازة صيفية في الخارج، لم تكن حرارة الشمس اللطيفة هي السبب في احساسي الدائم بالعطش الشديد والجفاف، ولم يكن السير لمسافات طويلة وكثرة الحركة هو ما أرهقني وسبب لي فقدان الكثير من وزني، لقد كانت تلك عوارض الإصابة بالسكري، ولكنني لم أكن أدرك ذلك، كنت أتجاهلها إلى أن بدأت تشتد.
قالت لي والدتي حينئذ:" لا أعتقد أن ما يحصل معك هو أمر طبيعي، هناك خطب ما".
أجبتها:" قد يكون مجرد نقص في الحديد لا أكثر".
لكن والدتي أصرّت أن نعود مبكرًا إلى قطر كي أجري التحاليل الطبية، لأكتشف أنها كانت على حق، فقد تم تشخيصي بمرض السكري من النوع الأول، وهو ما شكل صدمة لي.
ها أنا أسجل أول حالة سكري من النوع الأول في العائلة، لم أرث هذا المرض من أي فرد من أسرتي. لقد أخبرني الطبيب أن النوع الأول من السكري هو من أمراض جهاز المناعة وأن خلايا جهاز المناعة هاجمت خلايا البنكرياس مما أدى إلى إتلافه.
"ماذا كنت تأكلين؟ لا شك أنكِ كنت تتناولين الكثير من المشروبات الغازية! لماذا أهملتِ صحتك وأنت في سن مبكر؟"
أسئلة الآخرين كانت تجرحني، وتزيد الأمور سوءًا، ودفعتني إلى الشعور بالذنب، والتساؤل: هل أنا من جلبت هذا المرض لنفسي في الوقت الذي كنت أحاول فيه التعايش مع مرضٍ جديد، كان عليّ أن أبرر للآخرين أنني عاجزة عن تغيير واقع إصابتي بالمرض، وأنه لو توفرت أمامي أي فرصة لأتخلص منه لما ترددتُ، لأنني أريد أن أعيش حياةً بسيطة وطبيعية كالآخرين.
بعد تشخيصي بمرض السكري، كل شيء تغيّر في حياتي، ولم يعد هناك أي مجال للعودة إلى الوراء. والحفاظ على صحتي بات تحديّا يوميًا أختبره.
كان عليّ أن أحذر خلال تناول النشويات لتنظيم السكر في الدم، في البداية، كنت أخطئ في حساب جرعة الأنسولين، وكان ذلك يسبب هبوطًا حادًا في معدّل السكر بشكل شبه يومي، ما يؤثر على أنشطتي اليومية، كالتوقف عن ممارسة الرياضة، عدم الخروج مع الأصدقاء لتفادي ازعاجهم، وخلال الحصة الدراسية، كان عليّ أن أغيب عن الدرس لمدة ربع ساعة على الأقل.
والدتي التي كانت أكثر أفراد العائلة حرصًا على سلامتي وصحتي، كل ليلة، كانت تتأكد من مستوى السكر لدي كي تطمئن. وكانت جرعة الأنسولين للوجبات واجبٌ يوميّ لا يمكن التساهل فيه.
حياتي لن تكون سهلة، هذا واقع لا يمكنني أن أغيره. ولكن ما يمكنني تغييره، هو طريقة تعاملي مع مرضي الذي بات جزءًا مني، أن أحوّله إلى نقطة قوة وليس ضعف، وأن أنشر التوعية حوله، وألا أتعامل مع أسئلة الآخرين بطريقة شخصية، بل كفرصة كي أشرح لهم عن حقيقة هذا المرض.
على الرغم من الوصمة الاجتماعية التي تحيط بمرض السكري، لم أخفِ مرضي عن الآخرين، بل بدأت في مشاركة تجربتي الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص تويتر، وذلك بهدف التوعية بهذا المرض بين أفراد المجتمع، وتشجيع المصابين به على تقبله والتعايش معه.
حجم التفاعل مع منشوراتي كان مدهشًا، وخصوصًا من قبل المصابين بالسكري من النوع الأول، لقد كانت تعليقاتهم بداية لصداقات جديدة وهادفة لي.
هذا التفاعل الكبير دفعني لأن أنشئ حسابًا خاصًا بمرض السكري في دولة قطر عبر منصة انستغرام، وكان الهدف بناء مجتمع لمرضى السكري، حيث يمكنهم أن يشاركوا تجاربهم ومخاوفهم ورحلتهم مع المرض. وقد تمكنت من الوصول إلى عدد كبير من المتابعين النشطين، الذين يمدون بعضهم البعض بالدعم الاجتماعي الذي نحتاجه.
بمناسبة اليوم العالمي للسكري، أنصح كل مصاب بهذا الداء، ألا يصغي لأي كلام جارح يصدر عن الآخرين، وألا يدع المرض يسيطر عليه بل أن يتحكم هو به، عبر الاهتمام بصحته والالتزام بالتعليمات الطبية لتفادي أي مضاعفات على المدى البعيد.
كما أوجه رسالة لكل أفراد المجتمع:" هذا واقعٌ فرض علينا ولم نختاره نحن، ونحن نواجه مسؤوليات وتحديات هائلة كل يوم تحرمنا من ممارسة الحياة بشكل طبيعي، لذا لا تقسوا علينا بأحكامكم، بل تعاونوا معنا كي نؤسس لثقافة أكثر تقبلاً للمرض. لنسهم معًا في تقديم الدعم الاجتماعي لكل المصابين بالسكري في قطر، ولنجعل حياتهم أفضل.