للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
في شهر التوعية بسرطان الثدي، تتحدث ستايسي مورتون، معلمة في أكاديمية العوسج في مؤسسة قطر، عن التعايش مع هذه الحالة وكيف جعلها (كوفيد -19) أكثر عزمًا متسائلًة متى ستعود إلى طلابها.
"من هي تلك المرأة الواقفة أمامي في المرآة؟ هذه ليست أنا ولا تشبهني، أين شعري الأجعد؟ وأين أنوثتي؟ ما فعله مشرط الجراح بجسدي جعلني أشعر أنني لستُ امرأة. أحاول ألا أحدق في ثديي المشوه، فلا أستطيع، كل يوم أتفقد ندوبي، ما إذا كانت هناك أي اشارات تدل على أنها قد تشفى يومًا ما. الجزء المخيف، هو أنني لم أصبح مشوهة وحسب، بل ما زلت أعاني من الألم.
ما فعله مشرط الجراح بجسدي جعلني أشعر أنني لستُ امرأة. أحاول ألا أحدق في ثديي المشوه، فلا أستطيع
منذ تشخيصي بسرطان الثدي وحتى اليوم الذي ما زلت أخضع فيه للعلاج، لم تفارقني صورتين من الماضي، الصورة الأولى لصبيتين في العشرينيات، تتنزهان على شاطئ جزر فرجين، تتناولان المأكولات البحرية، ثم تعودان الى المنزل وتزرعان زهور الفاوانيا في الحديقة الخلفية.
ستايسي مارتون
أما الصورة الثانية، فهي للصبيتين نفسيهما، أنا وشقيقتي التي أصيبت في عمر مبكر بأنيميا الخلايا المنجلية، وعانت لسنوات طويلة وهي تكافح من أجل عيش حياة طبيعية، وأجرت جراحتين لاستبدال مفصل الورك، كنت حينها ممددة في سريري بعد خضوعي أيضًا لعملية استبدال الورك للمرة الرابعة، يومها عاتبتها:" لماذا لم تخبريني أن الألم كبير إلى هذا الحد؟ قالت لي وهي تمسك يديّ: أعلم أن الألم شديد، لكن عليكِ أن تقاومي وتنهضي من جديد.
توفيت شقيقتي بعد ذلك سنوات، وبقيت لوحدي أقاوم وأنا غير مدركة أن معركتي الأكبر مع الحياة لم تأت بعد.
بعد سنوات، أخبرتني الطبيبة لأول مرة أنني مصابة بمرض سرطان الثدي، فاستنجدت بعبارة شقيقتي:" عليكِ أن تقاومي كي تنهضي من جديد". أخبرتُ والدتي التي خسرت ابنتين ولم يتبق لها سواي على قيد الحياة:" كل شيء سيكون على ما يرام، سأتابع العلاج في قطر، وسأعود إلى مؤسسة قطر، لأقوم بدوري كمعلمة في أكاديمية العوسج، فلا شيء آخر يمكن أن يمنحني القوة كي أنهض وأحارب أكثر من التواصل مع طلابي".
في الدوحة، بدأت مرحلة العلاج وأجريت عملية قبل أن أعود إلى العوسج.
يقول البعض أن الندوب هي علامة شرف وشجاعة، لكل عشرة أفراد يؤمنون بذلك، لا يتطلب الأمر سوى فرد واحد يوجّه لك عبارة قاسية تحبس أنفاسك من الخوف
العودة إلى العوسج
في اليوم الذي عدت فيه، رحبّ بي طلابي بوضع ملصقات كبيرة وشريط كبير وردي اللون، دوّنوا فيه عبارات الدعم والتشجيع، في لحظة ما، فكرتُ، أن أيامي قد تكون معدودة، لكن أنا هنا من أجل هؤلاء الأطفال، ولن أتوقف قبل أن ينتهي دوري في الحياة.
كان عليّ أن أتلقى العلاج في المستشفى لمدة خمسة أيام في الأسبوع، طلبت تحديد المواعيد في فترة ما بعد الظهر، كي أتمكن من تدريس الطلاب. لحسن الحظ، حظيت بدعم كبير من الطاقم التعليمي في أكاديمية العوسج، لقد أدركوا مدى حاجتي إلى العمل، كمحفّز لي كي أنهض كل صباح.
حظيت بدعم كبير من الطاقم التعليمي في أكاديمية العوسج، لقد أدركوا مدى حاجتي إلى العمل، كمحفّز لي كي أنهض كل صباح
مع تقدم العلاج، أصبح الألم يشتد وكنت أحاول جاهدة إخفائه، كي لا يشعر الطلاب بأي شيء، لاحقًا.
في البداية، خضعت للعلاج الإشعاعي لأن الورم السرطاني كان صغيرًا جدًا، لكن عندما أجري لي اختبار الحمض النووي، تبيّن أنني في خطر كبير، وبعد أسبوع فقط من إنهاء العلاج الإشعاعي، بدأت في تلقي العلاج الكيماوي، والذي استمر لمدة ستة أشهر.
لقد نبتت الندوب في جسدي، تساقط شعري، وبدأت ملامحي تتبدل، لم أعد المرأة ذاتها التي كنت، وأدركت أن معركتي مع سرطان الثدي طويلة جدًا.
يقول البعض أن الندوب هي علامة شرف ودليل قوة وشجاعة لتجاوز التجارب الجسدية المؤلمة التي مررت بها، لكل عشرة أفراد يؤمنون بذلك، لا يتطلب الأمر سوى فرد واحد يوجّه لك عبارة قاسية تحبس أنفاسك من الخوف، فتشعر أنك لا تستطيع الحصول على ما يكفي من الهواء في رئتيك للتنفس.
في ظل الوباء
خلال تلك المدة، انتشرت جائحة (كوفيد-19) والتي جعلتني أواجه تحديات نفسية وصحية كبيرة، لقد بتُّ الآن في عزلة تامة، وعليّ أن أبحث عما يحفزني كي أستمر بعيدًا عن طلابي، كما بلغني وفاة زميلي في أكاديمية العوسج بعد خسارة معركته مع مرض السرطان، كان قد بعث لي آخر رسالة له:" أتمنى أن تكوني بخير. أنا حاليًا في المستشفى ولكن آمل أن أكون بحال أفضل عندما نلتقي مجددًا".
كنا نقاوم المرض معًا، وخضعنا للعلاج الكيماوي معًا، لم أتوقع أن يرحل بهذه السرعة، شعرت أنني أقاوم، من جديد، لوحدي، وأن الخطر بات يحدق بي أكثر من قبل.
لم أكن أرغب حينها بشيء آخر، سوى الذهاب إلى جزر فرجن، كنت خائفة جدًا من أن تكون أيامي معدودة، وكنت أشعر أن هذه الرحلة قد تكون آخر رحلة لي.
عند الشاطئ القريب من بيتا القديم، استعدت ذكرياتي مع شقيقتي وأبنائي الذين ولدوا وترعرعوا هناك، كان المكان هادئًا للغاية. لم تخلُ تلك الفترة من الآلام، لقد عانيت من الانتفاخ الشديد في منطقة الثدي، كنت أعاني كلما أردت أن أرتدي ملابسي أو أتحرك، كما أصبت بعوارض تشبه الحروق من الدرجة الثانية، كان جلدي يبدو وكأنه ينزف باستمرار.
بعد أسبوعين، غادرت الجزيرة، مع قلبٍ ثقيل، كنت أحدق بكل شيء من حولي، البحر والأشجار والزهور في فناء المنزل، وكأنها المرة الأخيرة التي أراها فيها.
أدرك أنه عليّ أن أنتظر لسنوات قبل أن أكون خالية من السرطان، قد يقول البعض أنني يجب أن أكون سعيدة لأنني على قيد الحياة وأنا كذلك، لكنه لا يزال من الصعب النظر في المرآة
لا خيار
لقد اعتقدت أنني أنهيتُ العلاج الكيماوي بعد وصولي إلى الدوحة، وأن جسدي المرهق سوف يرتاح، إلى أن وصف الأطباء لي أدوية جديدة، في البداية، امتنعت عن تناولها، لم أرد أن يحطم الكيماوي جسدي أكثر، لكن طبيبي قال لي محذرًا:" هذه الأدوية ليست مجرد مانع للهرمونات، لكنها ستمنع جسمك من إنتاج هرمون الاستروجين الذي يغذيه السرطان، أنت لا تريدين هذا الهرمون في جسدك، أليس كذلك؟"
كنت قد مررت بسن اليأس، فقد أجريت عملية استئصال الرحم منذ 10 سنوات لأنني كنت أعاني من أورام ليفية، وهذا، يشبه الدخول في سن اليأس من جديد، لكن بشكل اسوأ.
المزيد من الكيماوي، تقرحات الفم السيئة، تشقق الشفاه والعيون الجافة، التعرّق الشديد، الآلام المبرحة في كل أنحاء جسدي، تساقط الشعر، آلام عضلية مستمر. أنت لا تدرك قيمة الأستروجين الذي نحتاجه كنساء، إلى أن تفقدها جميعها.
تناول هذا العلاج لمدة 10 سنوات، الخضوع للفحص كل ثلاثة أشهر، كل ذلك، ولا خيار أمامي، سوى أن أقوم بما عليّ القيام به للبقاء على قيد الحياة.
هذا ما أفتقد إليه
مع العمل من المنزل، ينتابني حنينٌ شديد إلى الأكاديمية، ولا أتوقف عن التفكير في بعض الطلاب الذين يملكون تحديات تعليمية معينة، وكيف يتواصلون مباشرة معي، أفتقدهم بشدة، وأدرك كم جعلنا الوباء نقدّر التفاصيل الصغيرة في حياتنا التي لم نتوقع يومًا أن نخسرها.
تتساءل ستايسي ما إذا كانت ستتمكن مجددًا من مراقبة اليرقات وهي تتحول إلى فراشات مع حفيدها الأصغر
في يوم عودتها إلى العوسج، رحب طلاب ستايسي بها بشريط كبير وردي اللون، دوّنوا فيه عبارات الدعم والتشجيع
زهور الفاوانيا في حديقة ستايسي في جزر فرجن.
أدرك أنه عليّ أن أنتظر لبضع سنوات قبل أن أكون خالية من السرطان، وأنه عليّ أن أتعود على الطريقة التي أنظر بها اليوم إلى الندوب في جسدي. قد يقول البعض أنني يجب أن أكون سعيدة لأنني على قيد الحياة وأنا كذلك، لكنه لا يزال من الصعب النظر في المرآة.
من الأمور الجميلة التي أفتقدها اليوم، زرع الورود والاهتمام بحديقة منزلي في جزر فرجن، وكيف كنت أنا وحفيدي نضع الحبوب للطيور وننتظرها، وكيف كنا نراقب اليرقات وهي تتحول إلى فراشات ملونة. وأتساءل هل سأتمكن من القيام بذلك مجددًا مع حفيدي الأصغر.
حين أفكر، لو كانت شقيقتي لا تزال حيّة، ماذا كانت ستزرع في حديقة بيتنا، وكيف تتفتح زهور الفاوانيا التي أحببناها في شهر مايو من كل عام، بعد أن يتلفها المطر والريح، أتساءل عما إذا كنت سأراها تزهر مرة أخرى، وما إذا كانت حياتي ستزهر معها من جديد.