للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
تتحدث معلمة في مؤسسة قطر عن تجربتها في الحمل والولادة في ظل" كوفيد-19"
كنا على وشك إغلاق جهاز التلفاز والذهاب إلى الفراش عندما شاهدنا فجأة مقطعًا من الأخبار العاجلة يظهر مسعفين يساعدون بعض الأفراد في ركوب سيارة إسعاف. تبين أنهم مصابون بكوفيد-19.
وضعتُ يدي على بطني ولسان حالي:" من أين أتى هذا الفيروس؟ ماذا لو أصبت به ونقلت العدوى لطفلي؟
وضعتُ يدي على بطني وكأنني أطمئن على جنيني، مع الكثير من مشاعر الخوف، ولسان حالي:" من أين أتى هذا الفيروس ولماذا الآن تحديدًا؟ ماذا لو أصبت به ونقلت العدوى لطفلي؟".
قضيتُ تلك الليلة وأنا أتصفح المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، ومدى احتمالية تأثير الفيروس على المرأة الحامل. كانت تلك الفترة بداية انتشار الجائحة في دولة قطر، ومع فرض اجراءات الوقاية، بدا وكأن الأمر بات واقعًا لا مفرّ منه، شعرت بأنني وأسرتي نتجه نحو المجهول.
جوسيان ساسين
صورة جماعية لأسرة جوسيان
قبل أسابيع قليلة، كنت أنا وزوجي غارقين في التخطيط لولادة طفلنا الثالث، مثل اختيار الاسم، مكان الولادة، وترتيب سفر والدة زوجي إلى قطر في موعد الولادة، وغيرها؛ كنتُ أصطحب بناتي إلى أنشطة ما بعد المدرسة، ثم نرتاد الحدائق، نطبخ، ونذهب للتسوق، لقد كان كل شيء يبدو طبيعيًا.
حتى بداية شهر مارس، كنتُ، كمعلمة في أكاديمية العوسج، إحدى المدارس العاملة تحت مظلة التعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر، أمارس مهامي اليومية بشكل اعتيادي، إلى أن بدأ قرار تطبيق التعليم عن بعد، وأذكر أننا في اليوم الدراسي الأخير، كنا كخلية نحل، ندرب ونحضر الطلاب للفترة المقبلة.
في اليوم الأخير في المدرسة، نظم زملائي حفل استقبال لطفلتي، حيث احتفلنا معًا وبشكل مسبق، بقدومها. لقد كنا ندرك أننا قد لا نجتمع مجددًا قبل انقضاء شهور
في اليوم الأخير في المدرسة، نظم زملائي حفل استقبال لطفلتي، حيث احتفلنا معًا وبشكل مسبق، بقدومها. لقد كنا ندرك أننا قد لا نجتمع مجددًا قبل انقضاء شهور.
بعد أن ودّعت طلابي وزملائي، غادرتُ وأنا أخفي وجهي بالكتب، كي لا يرى أحدٌ دموعي التي عجزت عن حبسها، غادرت وكأنني أترك جزءًا من قلبي في الأكاديمية.
مع بدء المرحلة الجديدة من حياتنا، بدأ الروتين اليومي يتغير، فقد بات المنزل اليوم هو المساحة الوحيدة للتعامل مع العالم الخارجي. بعد يوم طويل من التدريس عن بُعد، الطبخ، والتنظيف، مساعدة ابنتيّ في واجباتهما المدرسية، كنت أتفرغ لطفلتي التي تنتظر أن ترى النور بعد شهرين، وأنا اتساءل، أي عالم ستأتي إليه؟
كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها المستشفى فارغًا. لا سيارات في المواقف، لا مرضى، لا زحمة طوارئ كالعادة
لطالما كنت أتحمسُ، للحظة التي أنطلقُ فيها من البيت إلى المجمع التجاري لاختيار الملابس لطفلتي القادمة، لكن مع إغلاق كافة المتاجر في قطر بسبب الجائحة، لم يبق أمامي سوى خيار التسوق عبر الانترنت، كنت بعد استلام التوصيلة، أقوم بعملية التعقيم، الغسل، والتجفيف، قبل أن أسمح لابنتيّ باكتشاف ملابس شقيقتهما الجديدة.
كانت عيادة الطبيب هي المكان الوحيد الذي يمكنني زيارته، بعد ارتداء الكمامة والقفازات وحمل أدوات التعقيم، كنت أصل إلى العيادة وأظل واقفة في غرفة الانتظار كي لا ألمس الأرائك.
كنتُ أدرك أنني لن استقبل الضيوف، ولم أكن أملك إجابات عن أسئلة مثل:" ما الكمية التي يجب شراؤها؟ من سيزورنا بعد الولادة؟ هل سنرحب بالزوار أو سنمتنع عن ذلك حفاظًا على سلامة الطفلة؟ لم أكن أملك الإجابة، ولكن ما كنت متأكدة منه أنني لا أريد أن أفوّت فرحة هذا التقليد العائلي، تقديم الشوكولاتة والهدايا التذكارية التي تحمل اسم طفلتي إيما.
في 19 مايو، خلال زيارتي للطبيب، أخبرني أنني قد أضع مولودتي خلال ساعات قليلة. عدتُ فورًا إلى المنزل، أخبرتُ أسرتي بذلك، حملت الحاجيات اللازمة لطفلي، وتوجهتُ برفقة زوجي إلى المستشفى.
كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها المستشفى فارغًا. لا سيارات في المواقف، لا مرضى، لا زحمة طوارئ كالعادة.
لقد أنجبت أخيرًا طفلتي إيما، حين نظرت إلى وجهها قلت في نفسي: حتى الأطفال الذين ينتمون إلى جيل كوفيد-19 لديهم من الجمال والبراءة ما ينبئ بأن الأيام القادمة ستكون أفضل.
الترحيب بالطفلة الجديدة
خرجتُ من المستشفى بعد يومين وأنا أحملُ طفلتي إيمّا، لم يكن يوجد حولي الكثير من الأشخاص، ما عدا زوجي وإحدى صديقاتي، ولم تقترب منا الكثير من الممرضات للتهنئة كما جرت العادة، لقد بدا كل شيء غريب فعلًا.
منزلنا، الذي كان هو أيضًا يغرق في هدوء عميق، إلا من صرخات ابنتيّ لدى رؤية شقيقتهما، وبهجتهما وتلك الضحكات التي ملأت البيت احتفالًا. أما ضجيج الزيارات والتهاني والمباركات والاحتفالات، فهو ما لم نحظ به، قلة من الأصدقاء قاموا بزيارتي مع تطبيق التباعد الاجتماعي.
في كل أمسية، كنا نتواصل افتراضيًا مع أسرتي البعيدة، وخلال مشاهدتهم لإيمّا عبر شاشة الهاتف، كان والديّ وأشقائي يخفون دموعهم التي تعبر عن اشتياقهم لنا ورغبتهم في احتضان حفيدتهم، إنها المرة الأولى التي يغيب فيها أفراد أسرتي عن حدث ولادتي.
لا شك أنه سيكون لدينا الكثير من الوقت كي نحتفل من جديد بولادة إيمّا، وبولادة متجددة لعالم أكثر صحة وأمنًا
اليوم، أصبح عمر إيمّا ثلاثة شهور، المدارس تستعد لأن تفتح أبوابها لاستقبال الطلاب مع الحفاظ على معايير السلامة والوقاية من الفيروس، نكاد نستعيد جانبًا من الحياة التي فقدناها، مع استمرار الحذر في التواصل مع العالم الخارجي، تكبر طفلتي بسرعة، تكبر معها آمالنا بأن نلتقي مجددًا مع من نحب، دون قلق.
لا تزال سلة ضيافة الشوكولاتة على حالها منذ ولادة إيمّا، تخطف ابنتيّ منها أحيانًا بعض القطع، وأتجاهل ذلك، لا شك أنه سيكون لدينا الكثير من الوقت كي نحتفل من جديد بولادة إيمّا، وبولادة متجددة لعالم أكثر صحة وأمنًا.