إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | التعليم
11 November 2020

من غزّة إلى الدوحة- رحلة طالبة فلسطينية طلبًا للعلم وعبور الحدود المغلقة

مشاركة

مصدر الصورة: Mohammed Salem، عبر موقع REUTERS

الطالبة أسماء بدوان – الحاصلة على منحة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس مؤسسة قطر – تتذكر كفاحها عند ترك غزّة ومعها الإيمان بأن التعليم هو المنارة التي ستضيئ لها الدرب

الطالبة أسماء بدوان – الحاصلة على منحة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس مؤسسة قطر – تتذكر كفاحها عند ترك غزّة ومعها الإيمان بأن التعليم هو المنارة التي ستضيئ لها الدرب

تملكني الفزع في تلك اللحظة وشعرت بالغربة وتمنيت الرجوع والارتماء في أحضان أسرتي، حتى إنني توسلت لأبي وأخي لكي يتخذوا هذا القرار الصعب نيابةً عني، لكنّهما أطرقا في صمت وأبت الكلمات أن تطاوعهما بالخروج

أسماء بدوان

في ظهر الأحد خلال شهر يوليو عام 2018، تلقّت أسماء بدوان، (22 عامًا)، مكالمةً هاتفية تبشرها بالموافقة على طلبها السفر خارج فلسطين. شعرت أسماء حينها بسعادة غامرة تسري في أوصالها، إذ كانت هذه المكالمة بمثابة جواز مرورها إلى دولة قطر لاستكمال تعليمها العالي عقب حصولها على منحة دراسية في وقت سابق من ذلك العام للدراسة في معهد الدوحة للدراسات العليا.

إلا أن فرحتها سرعان ما استحالت إلى قلق بالغ؛ فقد أدركت أن ليس أمامها سوى يومٍ واحدٍ وساعات قليلة لتنتقل بحياتها إلى خارج غزّة دون أن تعرف موعد العودة إليها مرة أخرى.

تقول أسماء: "كان عليّ لملمة جميع أوراقي الرسمية، وحزم أمتعتي، وتوديع أهلي وأصدقائي في يوم ونصف فحسب. كان عمري آنذاك 22 سنة، وكنت كالطفلة تقريبًا لم أبرح غزّة مطلقًا، وظل السؤال يراودني ساعتها ، هل هذا ما أريده حقًا؟"

وبعد مُضيّ يومين، وقفت أسماء قُرب الحدود ومعها أمتعتها لاستقلال الحافلة المتجهة إلى الأردن، ورغم ذلك لم تكن قد حسمت رأيها بعد، ثمّ ذرفت عيناها الدمع، فيما كانت أسرتها تقف على مسافة منها.

تذكر أسماء هذا الموقف قائلًة: "تملكني الفزع في تلك اللحظة وشعرت بالغربة وتمنيت الرجوع والارتماء في أحضان أسرتي، حتى إنني توسلت لأبي وأخي لكي يتخذوا هذا القرار الصعب نيابةً عني، لكنّهما أطرقا في صمت وأبت الكلمات أن تطاوعهما بالخروج".

لاحظت إحدى الفتيات المسافرات مع أسماء حالتها، فبادرت إلى احتضانها وطمأنتها بأن كل شيء سيؤول إلى خير حال. وأدركت أسماء أنها إن لم تغادر في تلك اللحظة، فربما لن تتمكن من السفر مرةً أخرى؛ عندئذٍ استجمعت عزيمتها، ودعت الله – عزّ وجل – أن يُعينها، ثم ركبت الحافلة.

الحياة في غزة
استغرق قرار أسماء بالسفر إلى الخارج سنوات عدّة؛ فغزّة – مسقط رأسها – ترزح تحت وطأة حصار مستمر برًا وبحرًا وجوًا على يد الاحتلال الإسرائيلي، ما يحول دون تحرك الفلسطينيين أو نقل السلع والبضائع من قطاع غزّة على نحو يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي وفرص العمل.

وعقب حصولها على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية في غزّة، بذلت أسماء جهدًا مضنيًا لكي تنال وظيفة مستقرة أو لتشرع في المسار المهني الذي ترنو إليه. وشكّلت الاحتياجات المالية لأسرتها مزيدًا من التحديات الملقاة على عاتقها؛ فتطوعت للعمل في أماكن شتّى، وتقدمت لشغل وظائف عدّة، دون جدوى.

تقول أسماء: "جلّ ما أردته في ذاك الوقت هو الهروب من الواقع الذي أعايشه في بلدي التي أعشقها؛ لكنّي رأيت صبري وموهبتي وأحلامي تضيع سدىً أمام ناظري وأنا عاجزة عن التصرف".

مصدر الصورة: Ibraheem Abu Mustafa، عبر موقع REUTERS

وتلك المعاناة هي التي دفعت أسماء إلى التقدّم للدراسات العليا في دولة قطر – التي لم تكن تعرف الكثير عنها سوى ما تنامى إلى مسامعها من مكانة قطر المرموقة في توفير فرص التعليم رفيع المستوى للجميع. وحين وطأت قدماها أرض العاصمة القطرية الدوحة، لم يكن سهلاً عليها التأقلم مع هذه الحياة الجديدة من فورها.

تسترجع أسماء تلك الفترة قائلةً: "كُنت الأصغر سنًا بين زملائي وخبرتي معدومة في مجال الدراسة. انتابني ساعتها مزيج من الحرج والارتباك وفقدان الثقة، ومررت بلحظات كنت أبذل فيها قصارى جهدي دون أن يذهب عني الشعور بالعجز والتقصير".

عانت أسماء في دراستها في بادئ الأمر، ونازعها الحنين إلى وطنها، ووقعت في براثن الضغوط النفسية جرّاء قلقها بشأن احتياجات أسرتها المالية في غزّة، والتي أرادت أن تُسهم في إعالتها ولم تسعفها الظروف إلى ذلك. غير أن إيمانها القوي بأهمية بالتعليم وقوة إرادتها ومثابرتها قد مكّنها من مواصلة الدرب حتى نهايته.

وقد تكللت مساعي أسماء بالنجاح عندما تخرجت في معهد الدوحة مطلع هذا العام بمرتبة الشرف وكانت من بين الأوائل على دفعتها.


التعليم منارة المستقبل
تخرجت أسماء في ظل جائحة عالمية عصفت بالاقتصادات في شتّى أرجاء العالم، وسرعان ما أدركت صعوبة تحصيل فرصة عمل على الفور، ولم تكن ترغب كذلك في العودة إلى غزّة سريعًا؛ ففرصة السفر التي أتتها لا يغتنمها سوى عدد قليل من الفلسطينيين، ولذا فقد قررت استكمال دراستها لنيل درجة الماجستير الثانية.

إن التعليم هو ما نعيش من أجله، فليس لدينا أي فرص أخرى، وعلينا أن نستثمر في أنفسنا وإلا فلن نحقق ذاتنا؛ فالتعليم هو كل ما نمتلكه في هذه الحياة

أسماء بدوان

وستشرع أسماء مع بداية فصل الخريف في دراستها للحصول على درجة ماجستير السياسة العامة من جامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، وذلك إثر فوزها بمنحة الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس مؤسسة قطر – وهي إحدى منح الجدارة الأكاديمية المُعلن عنها مؤخرًا احتفاءً باليوبيل الفضي لمؤسسة قطر، والتي تتيح فرص مواصلة التعليم لجموع كبيرة من الطلاب المؤهلين.

قالت أسماء إن قرارها باستكمال دراستها لنيل شهادة الماجستير الثانية وعدم العودة إلى أسرتها كان قرارًا صعبًا، إلا أن إعطاء الأولوية للتعليم دون سواه هو الطريق الوحيد أمامها لإحراز النجاح.

وأضافت: "إن التعليم هو ما نعيش من أجله، فليس لدينا أي فرص أخرى، وعلينا أن نستثمر في أنفسنا وإلا فلن نحقق ذاتنا؛ فالتعليم هو كل ما نمتلكه في هذه الحياة".

فرضت علينا الظروف كفلسطينيين ألا نخطط لأنفسنا، بل أن نتأقلم وفق الظروف المتاحة لنا

أسماء بدوان

لا تعلم أسماء كيف سيؤول الوضع بعد ذلك، لكنّها تتطلع بشغف إلى إقامة حفل تخرج لائق عقب الانتهاء من دراستها في مؤسسة قطر، وهو أمر كان بعيد المنال بالنسبة لها هذا العام نظرًا لاندلاع جائحة كورونا الراهنة.

وعن ذلك تقول أسماء: "لطالما حلُمت بالتقاط الصور فرحًا بتخرجي ومشاركتها مع أسرتي وأصدقائي. كنت أعدُّ الأيام انتظارًا لهذه اللحظة، إلى أن فاجأني خبر إلغاء حفل التخرج. وحتى عقب إتمام دراستي الجامعية في غزّة، لم نتمكن من الاحتفال اللائق بها مع الأسرة والأصدقاء بسبب الصعوبات المالية، ولذا فإنني أتوق إلى الاحتفاء وإقامة حفل تخرج نسعد به جميعًا".

وعلى الرغم من أن أسماء لا تعرّف ما الذي يحمله المستقبل في جعبته، فكلها أمل أن ينير لها تعليمها الدرب نحو اغتنام الفرص المناسبة. وأضافت: "فرضت علينا الظروف كفلسطينيين ألا نخطط لأنفسنا، بل أن نتأقلم وفق الظروف المتاحة لنا. وقد أمدّتني درجة الماجستير الأولى بالكثير من المعارف، وتحدوني الثقة في أن يفتح لي الماجستير الثاني العديد من الآفاق الرحبة".

قصص ذات صلة