للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
لولوة الشافعي، طالبة في أكاديمية العوسج، تؤكد، في اليوم العالمي لمتلازمة داون، أن تقبل المجتمع لهذه الفئة يحدث فارقًا كبيرًا في حياتهم.
أنا لولوة الشافعي، عمري 14 عامًا، طالبة في مدرسة العوسج، محبوبة وطيبة جدًا، لدي شخصية قيادية والجميع يصغي إلى أفكاري، أبعث الطاقة الإيجابية إلى من حولي، أحب أن ارتدي العباية و" الشيلة" القطرية كما كل الفتيات في عمري، ماهرة في الطبخ، والتصوير. اليوم هو يوم مخصص لي ولأصدقائي من متلازمة "المحبة"، والتي يسمونها أيضًا" متلازمة داون"، ولذا، قررتُ أن أحكي لكم حكايتي كي تتعرفوا عليّ أكثر وكي تدركوا كم أنني مميزة.
عندما كان عمري يومين فقط، رأت والدتي ملامحي المختلفة، فأدركت أنني أعاني من وضع خاص يجعلني لا أشبه الأطفال العاديين، بكت حينها كثيرًا، ليس لأنها غير فرحة بولادتي أو لأنها لا تحبني، بل لإدراكها حجم التحديات التي ستواجهها أثناء تنشئتي، ما دفعها للاستقالة من وظيفتها، وتربيتي في البيت ومراكز متخصصة، والتفرغ لتلبية احتياجاتي الكثيرة الناجمة عن المشاكل الصحية التي ولدت معي، وضرورة متابعة عملية نموي خطوة بخطوة. على مر السنوات، أتعبتُ والدتي كثيرًا، لكنها كانت تذهلني دائمًا، بصبرها وإرادتها وإصرارها على تحقيق هدفها، بأن أصبح شخصًا أفضل.
بالرغم من الخصائص العقلية التي يتسم بها أطفال متلازمة داون، مثل ضعف الذاكرة وضعف القدرة على التركيز والتفكير والحساب، إلا أن الرعاية الكافية وتنمية المهارات اللغوية والاجتماعية والفكرية يمكن أن تجعلنا نمارس حياتنا بشكل طبيعيّ، لقد أدركت والدتي ذلك، وتمكنت من مساعدتي على تجاوز العقبات وعلى الاستمتاع بالحياة من حولي، كالأطفال الآخرين.
أذكر جيدًا أن والدتي كانت تصطحبني غالبًا إلى الحديقة للعب، وهو ما كنت أحبه كثيرًا، إلا أنها في إحدى المرات بكت هناك بعد أن تحدثت إليها إحدى الأمهات، لقد نهتها عن السماح لي باللعب مع أطفالها، قائلة لها:" ابنتك ليست طبيعية، خليها في البيت".
لا أفهم لماذا يتفادى البعض التواصل معنا، هل شكلنا المختلف هو ما يجعلهم يترددون في الاقتراب منّا؟ أم قلة وعيهم بحالتنا الخاصة؟ نحن اجتماعيون ونحب التواصل مع كل من يعاملنا بلطف، ونحن أيضًا نتمتع بروح جميلة، وابتسامة لطيفة، فمتى سيتقبل كلّ أفراد المجتمع وجودنا ويعترفون بحقوقنا وبقدرتنا على التعلم والتفاعل والعطاء والحلم؟ كم أتمنى لو تتحول نظرات الأفراد التي تحدّق بنا في الأماكن العامة من نظرات استغراب وقلق إلى تقبل وود؟ كم ستكون فرحة أمي وأم كل طفل من متلازمة داون كبيرة، أليس أكبر مخاوفهم هو عدم تقبل المجتمع لنا وعدم ادماجنا؟
إن قلة وعي العديد من أفراد المجتمع بما يمثله طفل من ذوي متلازمة داون، يسبب لنا خللًا في حياتنا ناجمًا عن التعامل معنا بطريقة مختلفة. أذكر أن أول معلمة لي في المدرسة، كانت تعاملني بشكل مختلف عن أصدقائي الأسوياء، كانت تخاف كثيرًا عليّ وتشعر بالحذر الدائم، مما حرمني من الاستمتاع بتجربة التعلم والتواصل. لم تكن تعطيني قلمًا لأكتب، خوفًا من أن أستخدمه بطريقة خاطئة قد تؤذي زملائي، ولم تكن تدعني أسير لوحدي في ممر المدرسة، لأنها تعتقد أنني سأقوم بأمر غير متوقع، أردت أن أقول لها أنني قادرة وأن كل ما أحتاجه هو أن تثق بي، لكنها لم تفعل وهو ما دفع والدتي إلى نقلي إلى مدرسة أخرى، وهي أكاديمية العوسج، عضو التعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر.
تخبر والدتي باقي الأمهات لأطفال من ذوي التحديات الخاصة عن أكاديمية العوسج، حيث تقول إن الأكاديمية غيرت حياتي، وجعلتني فردًا أفضل، ولذلك فهي المكان المثالي لنا، الذي يطور مهاراتنا ويعلمنا والأهم أنه لا يعاملوننا كأشخاص مختلفين!
معلمتي في العوسج كانت تسمح لي باللعب مع زملائي دون أن تشعر بالقلق، كانت تفلت يدي كي أتحرك بحرية أكثر وأُمارس كافة الأنشطة التي أحبها دون استثناء، كانت تثني عليّ حين أنجح وتعاقبني حين أخطئ، كانت تناقشني، توافقني أحيانًا وأخرى تعارضني، كل ذلك جعلني أدرك أنني كالآخرين، وجعلني أكثر ثقة واستقلالية ونضج. وفي العوسج أيضًا تعلمتُ الكتابة، وبرعتُ في قراءة القصص باللغة الانكليزية دون أخطاء، وتعلّمتُ العلوم والرياضيات وكافة المواد اللازمة والتي تؤهلني لأن أتطور .
لا أنكر أنني طبقت كل مهاراتي مع أسرتي في البيت ولأنني شخصية قيادية فقد أطلقوا عليّ لقب" المديرة"، لقد أصبحتُ أعبّر عن رأيي بكل ثقة، فأنا أرفض ما لا يعجبني، وأختار أي مطعم سنزوره، وماذا سأرتدي، حتى أنني أُعدُّ أحيانًا وجبة الغداء، وقد حددتُ منذ الآن مساري المستقبلي، فأنا أريد أن أتخرج من العوسج وأنضم إلى الجامعة وأعمل، وسأتزوج أيضًا لأكوّن أسرة.
لقد آمنت والدتي بي، فآمنتُ بنفسي، تقبلتني، فحفزت الآخرين على تقبلي، لقد دافعت عني وها أنا الآن، في اليوم العالمي لمتلازمة داون، أدافع عن حقوقي وعن حقوق كافة الأطفال المصابين بمتلازمة داون، نحن لدينا تحديات كثيرة في حياتنا، سنتجاوز أشدها، لو حظينا بدعمكم لنا، كي نتمكن من أن نكون فاعلين في المجتمع، مثلكم تمامًا، ما دمنا قادرون على الحب والعطاء، فقليل من التقدير والتفهم، يُحدث في حياتنا وحياة أسرنا فارقًا كبيرًا.