للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
الدكتورة حنان فرحات.
الدكتورة حنان فرحات، مدير أبحاث أوّل ومدير مركز التآكل بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة، تتحدث عن التمييز الذي تعرضت له في طريقها لتصبح مهندسة رائدة
من الأسباب الرئيسية التي دفعتني لأكون مهندسة هي رغبتي في تحدي الصور النمطية المنسوبة إلى النساء العاملات في الهندسة. كنت قد اتخذت قراري بالتخصص في الهندسة منذ أن كنت مراهقةً في المرحلة الثانوية. وعندما أخبرت والدي بهذا القرار، كان رده: "الهندسة مهنة غير مناسبة للنساء فهنّ لسن قادرات على أدائها. إنها مجال للرجال".
كلمات والدي لم تكن سوى دافعًا أكبر لي لدخول الهندسة وإثبات عكس ذلك. في نهاية المطاف، بدت الهندسة المكان المناسب تمامًا لنقاط قوتي واهتماماتي. في عام 1995، تخرجت بدرجة البكالوريوس في هندسة المواد والمعادن من جامعة طرابلس في ليبيا. الفترة التي قضيتها في ليبيا شكّلت مسار حياتي المهنية، بدءً من وظيفتي الأولى في إدارة هندسة المشاريع، وحتى وصولي إلى منصبي الحالي في المركز الوطني الأول للتآكل في قطر. لطالما كان تركيزي راسخًا في قطاع النفط والغاز.
وفقًا للدكتورة فرحات، يتم دائمًا تعزيز فكرة أن قطاع النفط والغاز هو مجال للرجال فقط. مصدر الصورة: Gorodenkoff، عبر موقع Shutterstock
نظرًا لخبرتي المهنية التي تزيد عن 25 عامًا، واجهت شخصيًا الصعوبات ذاتها التي تواجهها المهندسات الإناث. أرسل لي أحد الأصدقاء مؤخرًا مقطع الفيديو المصوّر "أويل مان" لفرقة "تشاد كوك" الموسيقية، الذي يؤكد على أن قطاع النفط والغاز هو قطاع للرجل، إذ لا يظهر في الفيديو سوى لقطة لإمرأة واحدة لمدة ثانيتين فقط، أما بقية من يظهرون في الفيديو هم من الذكور.
خلال هذا الأسبوع، سألني أحد الزملاء عن مسيرتي المهنية، وبدون تردد، أجبت بأن مشواري المهني كان شاقًا، لكنه كان مرضيًا كذلك. فكرت أحيانًا في التخلي عن الهندسة، ولكن دائمًا كان هناك ما يشدني ويعيدني إليها. بكل بساطة، كنت أحب عملي، واستمتع بحل المشكلات والتغلب على التحديات، كانت لغة الأسباب الجذرية هي اللغة التي أتكلم بها.
فكرت أحيانًا في التخلي عن الهندسة، ولكن دائمًا كان هناك ما يشدني ويعيدني إليها. بكل بساطة، كنت أحب عملي
رغبتي في التعمق في دراسة تآكل المعادن دفعتني إلى الالتحاق ببرنامج الدكتوراه بجامعة ساسكاتشوان في كندا، على الرغم أن أنني كنت أعمل بداوم كامل آنذاك وأربي أطفالاً صغارًا. إضافةً إلى ذلك، فأنا أمتلك حماسًا كبيرًا لمكافحة أشكال التمييز في مكان العمل، وأسعى لإثبات أنه لا فرق بيني وبين زملائي من الذكور. وحاليًا، أشغل منصب رئيس منتدى هندسة المواد والتآكل في قطر، وهي مجموعة عمل تضم أكثر من 55 عضوًا، معظمهم من الذكور.
وصولي إلى منصب قيادي في مجال هندسة تغلب عليه السيطرة الذكورية كان إنجازًا شخصيًا كبيرًا بالنسبة لي. فهذا الإنجاز في الشرق الأوسط، حيث لا يزال، لسوء الحظ، يُنظر إلى النساء في بعض البلدان على أنهن غير مناسبات لأداء أدوار كهذه، يزيد من الشعور بالرضا.
تعلّمت كيف أحافظ على هدوئي عندما يرفض الرجال العمل معي لأنني إمرأة، فالصمود والمرونة والقدرة على التفهّم هي سمات لا تقدر بثمن عند محاربة التمييز
عندما أجريت مقابلة عمل لمنصب مدير خدمة فنية، كان مديري قلقًا بشأن قدرتي على إدارة فريق عمل يضم حوالي 50 فردًا، وسألني عدة مرات عما إذا كان بإمكاني أداء هذه المهمة. وحتى بعد الفحص الدقيق، لم أحظى باحترام بعض زملائي من الذكور في الفريق، وأذكر كيف اقتحم أحد المهندسين مكتبي ليقول لي بأنه لن يقبل بأن يتلقى التعليمات والأوامر من إمرأة. كوني إمرأة كان أكثر أهمية من مهاراتي وخبراتي المهنية ومؤهلاتي، لكني تعلّمت كيف أحافظ على هدوئي عندما يرفض الرجال العمل معي لأنني إمرأة، فالصمود والمرونة والقدرة على التفهّم هي سمات لا تقدر بثمن عند محاربة التمييز.
خلال مسيرتي المهنية، كان هناك دائمًا مهندسون ذكور يمدونني بالدعم لتحقيق النجاح المهني والأكاديمي، إلا أنّ هناك استثناء واحد جدير بالذكر.
خلال فترة عملي في أحد المصانع في الشرق الأوسط، كنت أعمل مع مشرف غير داعم. في ذلك الحين، كنت قد أكملت درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية في جامعة ساسكاتشوان، إلى جانب شهادات إضافية حصلت عليها، وكنت أمتلك خبرة عمل واسعة. وعلى الرغم من كلّ ذلك، لم أكن أتوافق مع الصورة النمطية المعتادة للمهندسة العربية. لم أقل دائمًا "نعم" للمدير، ولم أكن أخاف انطباعات المجتمع عني لأنني عملي مع الرجال، ولم أرفض ارتداء زيّ المهندسين، وبالتأكيد لم أكن أخشى تسلّق السلالم.
على مدار عدة شهور، كان مديري الغربي يكلّفني بمهام عمل مكتبية فقط، وعندما طلبت منه تكليفي بمهام الفحص الهندسي، كان رفضه قاطعًا، وبذل كل ما بوسعه واستخدم كل الوسائل الممكنة لمنعي، من سياسات الشركة، وقيود السلامة، وحتى احتمالية تشتيت انتباه زملائي الذكور. استخدم كلّ الأسباب الكفيلة بمنعي من أداء مهام عمل كان من المفترض أن تكون في جدول أعمالي اليومية، لكن كلّ عذر جديد كان يزيد من عزيمتي وإصراري على إثبات قدراتي.
هذه التجربة علّمتني درسين: الأول هو أن تختار رئيسك في العمل قبل أن تختار المكان الذي تعمل فيه، والثاني هو أن تستمع لصوتك الداخي
لسوء الحظ، اتبع طريقة للوقوف في طريقي من خلال التلاعب النفسي، لدرجة أنه استغل طفلي الرضيع لصالحه، حيث كان يتعمد جدولة اجتماعات الإدارة في أوقات تتعارض مع ساعات الرضاعة المخصصة لي خارج العمل، مما كان يحول دون حضوري لاجتماعات مهمة جدًا. ولم يكتفي بذلك، بل كان يتعمد أن يعيق تقدّمي ليجعل إنجاز الأعمال أكثر صعوبة.
تراجع الرضا الوظيفي لديّ، وعانيت من التوتر بسبب بيئة العمل بشكل عام، وبدأت أفكر مليًا في الأجواء السلبية التي أعيشها والتي تتزايد يومًا بعد يوم. ثمّ حدث أمر غيّر حياتي بصورة لا يمكنني أن
أصفها، وهو عندما فقدت طفلاً بصورة غير متوقعة. لقد كانت صدمةً كبيرةً، لكنها في الوقت نفسه أيقظتني، فلم يكن هناك شيء في العالم أهم من عائلتي. كنت أعرف أن بيئة عملي السامة تنعكس عليّ وتؤثر فيني، لكنني أدركت بعد ذلك أنها تؤثر على عائلتي أيضًا، ولم يكن هناك أي أمل لتتحسن تلك البيئة بأي طريقة.
هذه التجربة علّمتني درسين: الأول هو أن تختار رئيسك في العمل قبل أن تختار المكان الذي تعمل فيه، والثاني هو أن تستمع لصوتك الداخي. إذا كنت تستيقظ كلّ صباح وأنت تخشى ما يخبئه لك يومك في العمل، إذًا فقد حان الوقت لتبحث عن شيء جديد.
وصلت الدكتورة فرحات إلى منصب إداري في مجال الهندسة، ولكن بعد أن واجهت الكثير من التحديات ونجحت في التصدي لها. مصدر الصورة: Kling Sup، عبر موقع Shutterstock
بعد خروجي من بيئة العمل السلبية تلك. انتقلت للعمل في قطاع يقوم على البحوث والتطوير والابتكار. ولحسن حظي، أشغل الآن منصبًا يُمكنني من العمل على معالجة التحديات الكبرى للمواد والتآكل في قطاع النفط والغاز.
أصبحت اليوم مهندسة رائدة، ومثالاً تحتذي به المهندسات الإناث. أنا أشعر بمعاناتهم، وأعرف التضحيات التي يقدمنها، وأنا مؤمنة بأنهنّ إذا ما حصلنّ على الدعم والأدوات المناسبة، سيتمكنّ من تحقيق النجاح في مهنة يهمين عليها الذكور، بل أن نجاحهنّ سوف يفوق توقعاتهنّ الشخصية.
الدكتورة حنان فرحات، 48 عامًا، هي مهندسة كندية ليبية تختص في هندسة المواد والتآكل. عملت خلال مسيرتها المهنية في ليبيا وإيطاليا وكندا وقطر. في سبتمبر من عام 2019، التحقت الدكتورة فرحات بمعهد قطر لبحوث البيئة والطاقة التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر.