للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
تروي فاطمة سعد المهندي، طالبة في أكاديمية قطر - الخور، مدرسة تابعة للتعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر، حكايتها مع شقيقتها، وكيف جعلت منها شخصًا أفضل.
شقيقتي هيا..
عمّا قريب، سترين بين أرفف الكتب في مكتبة قطر الوطنية، كتابًا جديدًا يحمل عنوان" أنتِ لست وحدك"، ستعثرين بين سطوره على حكايتنا، أنا وأنتِ، مذ التقينا لأول مرة، يوم ولادتك إلى أن كبرنا ونضجنا معًا. في الصفحة الأولى ستقرأين إهداءً خاصًا مني لمن ألهمني الكتابة، ولمن علّمني الكثير عن الحياة، والعائلة، والنجاح، إليكِ أنتِ!
بهذه المناسبة، قررتُ يا هيا أن أكتب لك رسالة خاصة أخبرك فيها عن مدى امتناني لكِ، أولًا لكونك أختي التي أحبها، وثانيًا، لأنه لولاكِ، ما كنت لأصبح الإنسانة التي أنا عليها الآن.
يوم أمس، وصلت إلى المنزل ولم أجدك تنتظرينني كعادتك على مائدة الغداء، أخبروني أنكِ غفوت قبل قدومي، ولحظة تأملت وجهك البريء وأنت نائمة في سريرك، خطرت في بالي ألف فكرة.
تذكرت حجم فرحتي بكِ يوم مولدك، كم كنت أنتظر بفارغ الصبر أن أحظى بصديقة تشاركني رحلتي في الحياة، أكبر معها وألعب معها بالدمى المتحركة، وبالكرة في "الحوش"، ولم أكن أدرك أنني سأحظى بما هو أعظم من ذلك، بشقيقة ستكون سندي وأكون سندًا لها، مدى الحياة.
حين بلغتِ سن الثالثة، كان عمري خمس سنوات فقط، كنتُ صغيرة جدًا لأدرك لماذا لا تتكلمين معي؟ لماذا كنتِ تصرخين في الليل أحيانًا؟ لماذا كنتِ تحزنين فجأة وتختبئين تحت السرير؟ وأشياء أخرى لم أكن أفهمها، وعندما تم تشخيصك بطيف التوحد، بدأت أفهم وأفهم الكثير. لقد أردت أن أسبق عمري وأن أنضج بسرعة، لأكون عونًا لكِ، ولأدافع عن حقوقكِ كي تحظي بالحياة التي تستحقين. __دفء المنزل __
كثيرة هي اللحظات الجميلة التي عشناها معًا، لكن، اللحظات المؤلمة كانت أيضًا هناك..
عندما حان موعد التحاقك بالمدرسة، اعتقدت أنكِ ستكونين شريكتي، نذهب معًا ونلعب في فترة الفسحة كما يفعل جميع الأخوة، لكننا لم نتمكن من القيام بذلك، بسبب انضمامك إلى مركز الشفلح لذوي الاحتياجات الخاصة. وقد تقبلتُ ذلك، لأنني عرفت أنه المكان الأنسب لكِ، كي تتعلمي وتطوري مهاراتك، وكنت أحرص على أن أزوركِ دائمًا في المركز، كما كانت والدتنا ترسل إليّ كل صباح صورتك وأنت ذاهبة إلى المدرسة، فأفرح وأدعو لكِ التوفيق.
ربما لم تجمعنا مقاعد الدراسة، لكن ما جمعنا هو دفء البيت الذي تربينا فيه، والذي علمنا أننا جميعنا أخوة، نستحق التقدير والحب بالقدر نفسه، وأن الاختلاف هو قيمة بحدّ ذاته لا بد أن نتقبله، ونتعايش معه.
إنصاتك إليّ بينما أفضفض لك همومي، يعوضني عن عدم تواصلك معي بالكلام، لأنك تفهمين مشاعري
التوحد، لم يمنعنا من أن نعيش طفولتنا كما يفعل الآخرون، ألا تذكرين كيف كنا نرتدي فساتين متشابهة ونختار الألوان نفسها، ونلتقط صور تجمعنا، وكيف كنا نتسابق من يتناول قطعة "الكيكة" الأولى في عيد ميلادنا، وكيف كنتِ تتخلين بسرعة عن الشوكولا والحلوى من أجلي مقابل حصولك على العصير والفوشار؟
كما أذكر تمامًا كيف كنت أنضم للعب معك عندما أكون حزينة، فعالمك يا شقيقتي في غاية النقاء والبراءة، وهو ينسيني أحزاني، كما يعوضني عن عدم تواصلك معي بالكلام، إنصاتك إلي بينما أفضفض لك همومي، لأنك تفهمين مشاعري وهو ما يجعلك أقرب صديقة لي!
في مقابل هذه اللحظات الحلوة، كنا نحزن أحيانًا، وكنتِ تغضبين، فتقسين على جبينك بضربه في الجدار، وتقومين بعض أصابعك، لكن، القليل من المرطب يخفف آلامك، وبعض العبارات المهدئة تجعلك أكثر طمأنينة!
قد يكون النطق إحدى أكثر التحديات التي تواجهك، والذي يمنعك من التعبير عما تشعرين، لكنني أفهمك جيدًا، فعندما تغمرينني فأنت تقولين لي أنك تحبينني، وعندما تقفزين في الهواء وتبعثين ضحكاتك في كل مكان، فهذا يعني أننا تمكّنا من إدخال السعادة إلى قلبك، وهو جلّ غايتنا! حمايتك من أحكام الناس
أدرك جيدًا ما معنى ألا نتمكن من التجول براحة في الأماكن العامة، حيث يرمقكِ الناس بنظرات مريبة، ولسان حالهم:" لماذا هي هكذا؟"، فأجد نفسي أبرر للآخرين بعض السلوكيات التي تقومين بها وغير المألوفة لهم. ومن أجل ذلك، فكرت بحل لكِ ولجميع الأطفال من ذوي التوحد، وهو طباعة عبارة" أنا من ذوي التوحد" على قمصان مخصصة لكم، تحميكم من أحكام الناس، وسأعمل على تنفيذ هذه الفكرة قريبًا!
نظرة الناس لكِ وقلة وعيهم بالتوحد، وعدم إدراكهم بأن الأطفال من ذوي التوحد لا يعانون من مرض ولا يحتاجون إلى الشفقة، بل هم طبيعيون ولكنهم يتواصلون مع العالم بطرقهم الخاصة، ويستحقون الاحترام كالجميع، كل ذلك دفعني لأن أنجز مشروًعا خاصًا.
أريد أن أخبر الجميع أن الأطفال ذوي التوحد هم مثلنا، لكن لديهم طرقهم الخاصة للتعبير عن أنفسهم، وأن الطفل من ذوي التوحد هو سفير محبة
بدأت بتنفيذ مشروع "أنت لست وحدك" في العام الماضي، عندما كنت في الصف السادس في أكاديمية قطر - الخور، عضو التعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر، وذلك من خلال حملة للاحتفاء بشهر التوعية باضطراب طيف التوحد، شملت برنامجًا توعويًا للطلاب، وتضمن عدة فعاليات وأنشطة ومبادرات شارك فيها المعلمون والطلاب وأولياء الأمور.
كجزء من الحملة، صممنا لوحة في ساحة المدرسة لتحميل مقاطع فيديو للطلاب يعبرون فيها عن دعمهم للحملة بسبع لغات مختلفة. من خلال عروض توعوية أخبرت الجميع عن قصتي معكِ، ودعوتهم لأن يكونوا أكثر تسامحًا مع كل الأطفال من ذوي التوحد، وأن يقرأوا أكثر من أجل فهم أفضل للتوحد.
وأنا أحضر حاليًا للحملة الثانية من " أنت لست وحدك" وذلك بالتعاون مع مؤسسة قطر. وقريبًا، سأصدر كتابًا خاصًا حول طفولتنا، وكيف كان التقبل والحب عاملان أساسيان في توفير الحياة التي تستحقينها ويستحق كل طفل مثلك أن يحظى بها. معًا سنكبر
أريد أن أخبر الجميع أن الأطفال ذوي التوحد هم مثلنا، لكن لديهم طرقهم الخاصة للتعبير عن أنفسهم.
وأن الطفل من ذوي التوحد هو سفير محبة، يزرع الفرح في قلوب أهله ومحيطه، وبأنه نعمة يمكنها أن تغير حياتنا وتجعلنا أشخاصًا أفضل.
ومن أجلك يا هيا..
سأتابع دراستي وأتفوق وسأشغل منصبًا رفيعًا، أكون من خلاله مؤثرة وفاعلة في مجتمعي والعالم، بحيث أنشر رسالة مفادها أن جميع الناس، على اختلافهم واختلاف أعراقهم وقدراتهم، هم متساوون، وأن من حقنا جميعًا أن نعيش بأمان وسلام.
لقد كبرنا يا هيا.. لقد أصبح عمرك عشر سنوات، وما زلتِ جميلة وقريبة من قلبي.
أعدك، أنني سأحبك دائمًا، وسأكون سندًا لكِ، لنكبر سويةً ونستمر في الضحك معًا مدى الحياة.