للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
تم تحليل الآراء المعبر عنها حول الجائحة من خلال تغريدات ومقالات إعلامية منشورة باللغة العربية في العالم العربي من قبل البروفيسور فؤاد مراد ومبادرة التحالف من أجل البيانات الضخمة والشعوب "Data Pop Alliance".
مصدر الصورة: Glitterstudio، عبر موقع Shutterstockالبروفيسور فؤاد مراد، مدير التكنولوجيات الرائدة في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا وعضو لجنة التحكيم في برنامج الابتكارات العلمية التلفزيوني "نجوم العلوم" التابع لمؤسسة قطر، يحدثنا عما يمكن أن تنبئنا به البيانات عن الانفعالات حيال الآثار الناجمة عن الجائحة الوبائية
مع استمرار تفشي "كوفيد-"19 بوتيرة متسارعة وضرورة التصدي لآثاره ومعالجتها على نحو أسرع من وتيرة تفاقم المشكلة نفسها، بات صناع القرار بحاجة إلى أدلة مستندة إلى تقديرات يسترشدون بها في صوغ السياسات واتخاذ الإجراءات المناسبة.
البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي كأداتين يمكن الاعتماد عليهما من أجل تقديم صورة عامة "آنية" عن المشاعر والانفعالات التقديرية السائدة داخل المجتمعات المختلفة بغية دعم الدول في مواءمة سياساتها وضبط استجاباتها
ولما كانت الأدلة المستندة إلى دراسات استقصائية تقليدية تستغرق وقتًا طويلًا، إذ يتطلب إتمام دراسة واحدة في العادة عامين، ويتعذر إجراؤها في ظل تدابير التباعد الاجتماعي، برزت البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي كأداتين يمكن الاعتماد عليهما من أجل تقديم صورة عامة "آنية" عن المشاعر والانفعالات التقديرية السائدة داخل المجتمعات المختلفة بغية دعم الدول في مواءمة سياساتها وضبط استجاباتها على نحو أدق وأوفى.
من موقعي في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، قمنا بإجراء تجربة مع مبادرة التحالف من أجل البيانات الضخمة والشعوب "Data Pop Alliance" استخدمنا فيها أدوات لتحليل المحتوى العربي الرقمي من ابتكار معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، بهدف دراسة اتجاهات الرأي العام وتحليل المشاعر والانفعالات حيال أزمة (كوفيد-19) في عدد من الدول العربية فيما يخص قطاعي الصحة والتعليم.
البروفيسور فؤاد مراد، عضو لجنة التحكيم، في البرنامج التلفزيوني نجوم العلوم التابع لمؤسسة قطر.
وقد قررنا تقييم هذه المشاعر والانفعالات للرأي العام عبر تحليل الآراء المعبر عنها من خلال تغريدات ومقالات إعلامية منشورة باللغة العربية في ثلاث دول عربية: لبنان والعراق والكويت. وتضمنت التجربة استخدام برمجية مفتوحة المصدر لاستخلاص البيانات من تويتر تتيح إمكانية الوصول إلى التغريدات بتحديد الكلمات المفتاحية والمواقع واللغة وتواريخ النشر عن طريق إنشاء "أمر استعلام" – أي طلب معلومات محددة داخل قاعدة بيانات – ومن ثم تشغيله على واجهة برمجة التطبيق "API" المخصصة للبحث في تويتر لاسترجاع البيانات المطلوبة.
وما إن تم استرجاع المحتوى المطلوب، استخدمنا أداة تحليل المشاعر والانفعالات باللغة العربية التي طورها معهد قطر لبحوث الحوسبة من أجل تحليل المشاعر المبثوثة في النصوص العربية إلى ثلاث فئات: إيجابية، وسلبية، ومحايدة.
نستشف من النتائج، أن تأثير"كوفيد-19" على الدول العربية ليس متماثلًا، وأن تلك الهزة العنيفة كشفت عن تصدّعات عديدة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والبنية التحتية
بعدما اتفقنا على اختيار كلمات مفتاحية استعلامية تتعلق باستجابات الدول المختلفة لجائحة (كوفيد-19) يوم 24 مارس، وجدنا أن كثيرًا من التعبيرات الدالة على المشاعر في التغريدات المجمعة البالغ عددها 5586 تغريدة كانت محايدة؛ وفي لبنان شكلت المشاعر السلبية 47% بينما كانت الإيجابية 5%، وفي العراق كانت نسبة المشاعر السلبية 33% والإيجابية 5%، أما في الكويت فبلغت نسبة المشاعر السلبية في التغريدات 47% في حين شكلت الإيجابية 10% منها.
وقد تضمنت التغريدات العربية المجمعة لعامة الجمهور كلمات مفتاحية تتعلق بالتعليم والجامعات والصحة والمستشفيات وفيروس كورونا المستجد وكلمات أخرى مشابهة، وزاد عددها في الكويت عن 1000 تغريدة وبلغت قرابة 2400 تغريدة في العراق. في حين لم تتجاوز نسبة المشاعر السلبية في أي من الدول الثلاث 50%، فمن الملاحظ أن نسبة المشاعر الإيجابية لم تتجاوز 10%، وأن غالبية المحتوى جرى تصنيفه ضمن الفئة المحايدة.
بطبيعة الحال هذه مجرد عينة لا تمثل سوى يوم واحد فقط، بيد أن دراسة الاتجاه على مدار عدة أيام أو أسابيع سوف يمدنا بقياس تقديري غير مباشر للحالة المزاجية العامة.
أشار تحليل البروفيسور مراد وزملاؤه إلى مشاعر وإنفعالات حيال أزمة "كوفيد-19" في عدد من الدول العربية فيما يخص قطاعي الصحة والتعليم.
بالإضافة إلى المحتوى المستخلص من تويتر، فقد استخدمنا أداة تتبع مباشر في الوقت الحقيقي من تطوير مشروع قاعدة البيانات العالمية للأحداث "GDELT" لرصد المنشورات الإعلامية في الدول الثلاث خلال الأسبوع نفسه من شهر مارس. وتسجل أداة "GDELT" عند تحليل المشاعر رقمًا تناظريًا يقع بين (-1 سلبي) و(+1 إيجابي) للمقالات الإعلامية باللغتين الإنجليزية والفرنسية، وثمة أداة مماثلة تسمى "مزاجك" (Mazajak) تسجل نسبة مئوية للمشاعر في المحتوى الإعلامي باللغة العربية.
بالتركيز على الكلمات المفتاحية نفسها المستخدمة في تحليل محتوى تويتر والموضوعين المتصلين به – أي الصحة والتعليم – أظهرت تجربة الرصد هذه النتائج التالية: في لبنان، بلغت نسبة المشاعر السلبية حيال موضوع التعليم 30% يوم 12 مارس وانخفضت إلى 25% يوم 19 مارس، ما يشير إلى تحسن الانطباعات لدى الرأي العام. أما في موضوع الصحة، فقد ارتفعت نسبة المشاعر السلبية من 25% يوم 12 مارس إلى 40% يوم 19 مارس. ويتضح من ذلك أن الإعلام المنشور يتفق مع تحليل المشاعر في محتوى تويتر من حيث التعبير عن رأي عام سلبي في لبنان، لا سيما فيما يتعلق بقطاع الصحة.
أما في العراق، قفزت نسبة المشاعر السلبية حيال موضوع التعليم من 20% يوم 12 مارس إلى 55% يوم 19 مارس في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، ومن 0.09- إلى 0.23- في وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية. أما في موضوع الصحة، فقد ظلت نسبة المشاعر السلبية في حدود 45%. يمكن تفسير هذه النتائج بأنها انعكاس لحالة قلق جدية لدى الرأي العام إزاء قطاعي التعليم والصحة في العراق خلال مرحلة تفشي الوباء.
في حين أنه في الكويت، كانت المشاعر حيال التعليم محايدة بشكل عام؛ إذ تراوحت المشاعر السلبية من 1% إلى 10% بين يومي 12 و19 مارس في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، ومن 0.08- إلى 0.13- في وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية. أما في موضوع الصحة، فقد ظلت نسبة المشاعر السلبية منخفضة أيضًا، إذ تراوحت من 10% إلى 15% في وسائل الإعلام الناطقة بالعربية، ومن 0.09- إلى 0.14- في وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية. تشير هذه النتائج إلى وجود تناقض محتمل في المجتمع الكويتي بين المشاعر الإيجابية في المقالات الإعلامية المنشورة والمشاعر السلبية المعبر عنها في تغريدات الجمهور العام.
نستشف من النتائج سالفة الذكر، أن تأثير (كوفيد-19) على الدول العربية ليس متماثلًا، وأن تلك الهزة العنيفة كشفت عن تصدّعات عديدة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والبنية التحتية في هذه الدول طبقًا لمستويات الدخل الوطني، والتطور الرقمي، وإتاحة الخدمات عبر الإنترنت.
بوصفها القيّم على البيانات بالغة الأهمية، يمكن للحكومات تسخير المصادر المتاحة لديها إلى جانب البيانات المعلنة من أجل استقصاء المشاعر التي يعبر عنها الرأي العام في شكل تفاعلات مع الأوضاع الطبية، والقضايا الأمنية، والالتزام بتدابير التباعد الاجتماعي، والأثر الاقتصادي، والاجتماعي للسياسات العديدة التي يجري وضعها استجابة للجائحة. مع استمرار تفشي الوباء في المجتمعات المختلفة، يتعين علينا الإسراع بتفعيل هذا النهج بالإضافة إلى وضع الخطط اللازمة لاجتياز مرحلة التعافي من آثار الجائحة.