للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
مرت ثلاثة أعوام منذ بدء الحصار المفروض على دولة قطر من قبل جيرانها- كتاب جديد يحلل تأثيرات الحصار.
مصدر الصورة: Boule، عبر موقع Shutterstockيتحدث الدكتور مارك أوين جونز، أستاذ مساعد في دراسات الشرق الأوسط والعلوم الإنسانية الرقمية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة حمد بن خليفة عن إصدار كتاب جديد يحلل تأثير الحصار المفروض على قطر والمرونة التي اكتسبتها الدولة في مواجهة التحديات
مرت ثلاثة أعوام منذ فرض الحصار على دولة قطر. ويحلل كريستيان كوتس-أولريخسن الاضطراب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الناجم عن هذا العمل العدواني المفاجئ من خلال كتابه، والذي قامت بنشره مطابع جامعة أوكسفورد/هرست باللغة الإنجليزية، حيث يتناول واحدًا من أكبر الخلافات السياسية التي تعرضت لها دول مجلس التعاون الخليجي في العصر الحديث.
كتاب جديد لكريستيان كوتس-أولريخسن يسلط الضوء على قطر وأزمة الخليج.
الدكتور مارك أوين جونز.
لقد صاغت دولة قطر منذ فترة طويلة مسارًا مختلفًا إلى حدٍ ما عن جيرانها، من نواح عديدة، إلا أنه لم يكن أحد يتوقع الأحداث المفاجئة التي تكشفت في شهري مايو ويونيو من عام 2017. يوثّق كتاب أولريخسن والذي لم يرد خلاله الكثير من الدلائل التي قد تشير إلى إنتهاء الحصار قريبًا- كيفية وأسباب فرض ذلك الحصار بشكل تفصيلي دقيق. ويستعرض الكتاب العديد من جوانب هذا الحصار، ليس فقط على صعيد الخسائر والتأثيرات التي عانى منها الأفراد جراء تلك الأزمة، ولكن استعرض أيضًا السياسات رفيعة المستوى والبراغماتية التي مكّنت دولة صديقة لجيرانها من دول الخليج سابقًا من التغلّب على ظروف الحصار، بل واغتنام تلك الظروف لصالحها.
أحد أبرز الجوانب التي تناولها الكتاب هو مناقشته لروح التجدد القومية التي ذاعت في أرجاء دولة قطر، وهو ما يمثّل خروجًا عن سياق المحاولات التي تقودها الدول غالبًا لفرض وتوجيه الهوية الوطنية.
يتكون الكتاب من ثلاثة أقسام، وتمت صياغته إلى حدٍ كبير بلغة السياسة والعلاقات الدولية. وتتناول الفصول الخمسة الأساسية كل من الاقتصاد والتجارة، الطاقة والبنية التحتية، السياسة والمجتمع، الشؤون الإقليمية والخارجية بالإضافة إلى الدفاع والأمن. يتميز الكتاب الذي يناقش كل من تلك المجالات بالسهولة والإختصار، كما أن المحتوى يبدو جاذبًا للأكاديميين، والصحفيين والقراء العاديين على حد سواء.
يعتمد محتوى الكتاب على مقابلات زاخرة بالمعلومات أجريت مع العديد من الشخصيات القطرية ومن المقيمين بدولة قطر ممن كانوا في الخطوط الأمامية لمواجهة الأزمة ومحاولة تخفيف آثار الحصار. وهو ما يضفي على الكتاب ثراءً وطاقةً تجريبية، تعكس التأثير المعقد والواسع للأزمة.
لهجة الكتاب تعكس طابع المرونة، بل والانتصار في مواجهة الشدائد.
يتطرق الكتاب إلى جوانب عديدة من تشتت العائلات في منطقة الخليج، والتعطل المفاجئ والقاسي لحياة الكثير من الأفراد بسبب الحصار الجائر، إلى العمال المهاجرين الذين فقدوا أعمالهم بسبب التداعيات الاقتصادية، حيث ترك أولريخسن من خلال تحليله مساحة للتساؤل والتفكير في عواقب القرار السياسي لهيمنة دولة على دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي. ويعدّ أحد أبرز الجوانب التي تناولها الكتاب هو مناقشته لروح التجدد القومية التي ذاعت في أرجاء دولة قطر، وهو ما يمثّل خروجًا عن سياق المحاولات التي تقودها الدول غالبًا لفرض وتوجيه الهوية الوطنية.
على الرغم من التأكيد على مصطلح "الأزمة"، إلا أن لهجة الكتاب تعكس طابع المرونة، بل والانتصار في مواجهة الشدائد. فإن لهجته الضمنية تضع قطر في إطار المتحدث بلغة المنطق وسط بيئة سياسية عالمية يسودها تفضيل الذات، وضيق الأفق والنزعات القومية. يجادل أولريخسن بشكل صريح بأن احترام دولة قطر للأعراف الدولية وللدبلوماسية القائمة على سيادة القانون هو الذي سمح لها بالتفاوض بنجاح في ما يتعلق بالأزمة، وهو الذي مكنها كذلك من اكتساب الرأي العام في صفها.
ربما يكون أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في الكتاب هو كيفية تأطيره للأزمة بعبارات متفائلة، وذلك دون الاستهانة بعنصر الخسائر التي عانى منها الأفراد.
ربما يكون أحد الجوانب الأكثر إثارة للاهتمام في الكتاب هو كيفية تأطيره للأزمة بعبارات متفائلة، وذلك دون الاستهانة بعنصر الخسائر التي عانى منها الأفراد. فقد حاولت العديد من دول مجلس التعاون الخليجي أن تقوم بتنويع اقتصاداتها ولكنها لم تنجح، وأصبحت أكثر اندماجًا في النظام العالمي. يناقش أوليخسن في هذا السياق بالنسبة لدولة قطر، بأن الظروف القاسية المفاجئة والمتجذرة للأزمة قد جعلت مثل هذه التغييرات ضرورية وحتمية. وما يتطلب عقودًا من الزمن لتغييره، تم تحقيقه في غضون بضع سنوات، بل أشهر.
ينتهج الكتاب وجهة نظر قطر، وهو شيء متوقع، وذلك نظرًا للعداء الذي أبدته دول الحصار تجاه الكتابة الأكاديمية عن المنطقة. ومع ذلك، يُعتبر منظور أو على الأقل مبررات دول الحصار جلية طوال ذلك الوقت. فهي دوافع مؤطرة، وهي محقة في الواقع، كونها مطالب متطرفة تسعى إلى استغلال إدارة أميركية عديمة الخبرة، ذات أيديولوجية ضيقة الأفق.
وفقاً للدكتور مارك أوين جونز فإن استجابة دولة قطر للأزمة مكّنتها من تكريس دورها الإيجابي بالنسبة للرأي العام.
ولعل أهم شيء في هذا الكتاب يتمثل في جاذبيته الواسعة. بالرغم من أنه يركز بشكل أساسي على دولة قطر، إلا أنه يعتبر دراسة حالة للعواقب السياسية لنوع جديد من العلاقات الدولية ظهرت على الساحة منذ تولي ترمب الرئاسة الأمريكية، حيث تم التخلي عن نظام يعتمد على القواعد الليبرالية لصالح السياسات القائمة على النفوذ الشخصي.
ربما يتعارض اسم "أزمة الخليج" بشكل ما مع الرسالة المشجعة للكتاب، من حيث تحديها لمفاهيم أصولية وغالبًا مستشرقة بأن جميع دول الخليج متجانسة. وفي حين أنه لا يجادل في القواسم المشتركة بين تلك الدول، خاصةً في ما يتعلق بالإقتصاد، إلا أنه يقوم بعمل ممتاز من حيث توجيه القارئ نحو ما سيمثل نقلة نوعية حتمية في السياسة الإقليمية.