للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
زوي بالمر-رايت خبيرة تغذية وأخصائية علاج طبيعي ومؤلفة ومتحدثة، صدر لها حديثًا كتاب "التوازن الجميل: دليلك الصحي والنفسي نحو التغذية الجيدة والحياة السعيدة" عن دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، عضو مؤسسة قطر، والذي يتحدث عن أثر عاداتنا الغذائية في مكافحة تغيّر المناخ.
من السهل الشعور بالإرهاق والعجز واليأس عند النظر إلى الفوضى المتفشية في بيئتنا حول العالم، والتغيرات الهائلة التي نشهدها في أنماط الطقس، ابتداء من الجفاف وحتى الأعاصير.
تقول المؤلفة زوي بالمر رايت أن إدراكنا لعاداتنا الغذائية يمكن أن يسهم في مكافحة تغير المناخ.
ولا شكَّ أنَّ الحرائق والفيضانات الناتجة عن تغيّر المناخ مروّعة من حيث انتشارها وتدميرها، وخير مثال على ذلك حرائق الغابات الأسترالية الأخيرة، حيث تسببت في دمار مساحات شاسعة من الغابات، ونفوق أعداد ضخمة من الكائنات الحية، إضافة إلى الخسائر في الأرواح البشرية، وهذا دليل صارخ على أن آثار التغير المناخي باتت أمرًا واقعًا.
مع الاقتراب السريع للعام 2050، وهو الوقت الذي يجب أن تقترب عنده الانبعاثات العالمية من الصفر لتجنب الآثار الأسوأ لتغير المناخ، صار من المهم أن يساهم كل شخص في تقليل هذه الآثار على المستوى الفردي، وأحد أفضل البدايات هو الطعام الذي نتناوله، لأنه مع تغيير هذا الغذاء، يمكننا تغيير العالم.
ومن الجلي أن الوعي بتأثير اختيارات الطعام على متناوله والآخرين والمجتمع وحتى الكوكب كله، بات أمرًا ضروريًا لمحاولة تجنيب كوكبنا الكوارث البيئية المتزايدة كالتي شهدناها هذا العام.
لا يخفى على أحد أن النظام الغذائي العالمي صار بحاجة إلى إعادة نظر جذرية
ولا يخفى على أحد أن النظام الغذائي العالمي صار بحاجة إلى إعادة نظر جذرية، حيث تعد الزراعة والصناعات الغذائية واسعة النطاق مساهمًا رئيسيًا في ظاهرة الاحتباس الحراري وسببًا في معاناة كبرى للبشر والحيوانات وتدمير البيئة. حيث تتعرض الغابات القديمة للتدمير من أجل تحويلها إلى مزارع، وينتج عن ذلك قتل ملايين الكائنات البرية مثل النحل والفراشات والطيور بسبب المبيدات الصناعية السامة. كما تلحق الضرر بصحة الإنسان بشتى الطرق، مثل الأمراض المزمنة والسرطانات المرتبطة بالمواد الكيميائية السامة المضافة إلى غذائنا. كما أن التلوّث الكبير في المحيطات والتربة يجعلنا نشكك في قدرتنا على توفير الغذاء للأجيال القادمة.
وقد فصّلتُ في كتابي "التوازن الجميل: دليلك الصحي والنفسي نحو التغذية الجيدة والحياة السعيدة" النهج الذي أراه مناسبًا، والذي يتلخص في التوجه نحو نظام غذائي يكون أكثر استدامة لكوكبنا، بحيث يكون نهجًا متوازنًا يشجع على ترشيد الزراعة وصيد الأسماك وإنتاج الأغذية، والتركيز على الزراعة المجددة (وتحديدًا بطريقة عضوية وضيقة النطاق)، مما يساعد على تجدّد التربة، واستعادة التنوّع الحيوي، إضافة إلى كونه أفضل لصحة الإنسان.
كثيرًا ما يسألني الناس عمّا إذا كان التحول إلى نظام غذائي نباتي هو الحل لتجنب كارثة المناخ. ولطالما أجبت أن الأمور لا يجب أن تكون باللون الأبيض أو الأسود فقط
كثيرًا ما يسألني الناس عمّا إذا كان التحول إلى نظام غذائي نباتي هو الحل لتجنب كارثة المناخ. ولطالما أجبت أن الأمور لا يجب أن تكون باللون الأبيض أو الأسود فقط.
لا شك أننا بحاجة إلى تقليص استهلاكنا من اللحوم والمنتجات الحيوانية بشكل كبير، حيث يواصل المزارعون حرق وإزالة الغابات لتوسيع المراعي، استجابة للطلب العالمي المتزايد على اللحوم. وفي أجزاء كثيرة من العالم، قد يعني لحم البقر "المغذى بالأعشاب" ببساطة أن غابة ما أزيلت لتتمكن الأبقار من الرعي هناك. وإذا أقدَمَ مزارعٌ في البرازيل مثلًا على قطع غابة مَطَريَّة لإنتاج اللحم البقري، فلن يكون من المهم ما إذا كانت الأبقار ترعى على الأرض بطريقة مسؤولة أم لا، لأن فقدان الأشجار أسوأ بكثير بالنسبة للبيئة، وسيكون من الأفضل للبيئة في العديد من مزارع اللحوم والألبان، إعادة زراعة الأرض بالأشجار.
وليكون إنتاج اللحوم فعّالًا وصديقًا للبيئة فإنه يجب أن يتم بطريقة تساعد على استعادة التربة للعناصر المغذية والكربون، وجلب الحياة البرية وإعادة التنوع البيولوجي إلى الأرض، كما يتطلب تغذية المواشي والعناية بها بطريقة تقلل من إنتاج انبعاثات الميثان. كما يشمل ذلك وجود قطعان أصغر على قطع مفروزة من الأراضي العشبية، واستخدام الأراضي غير المناسبة لإنتاج المحاصيل الغذائية، مثل الأراضي العشبية الطبيعية حيث اعتادت الحيوانات العاشبة الكبيرة أن ترعى في الأصل، عندما كانت جزءًا مهمًا من النظام البيئي.
بالطبع لا يخلو النظام الغذائي النباتي أيضًا من مشكلات بيئية ضخمة، خاصة فيما يتعلق بالإنتاج الضخم للصويا والحبوب واللوز، وهي محاصيل تتطلب كميات كبيرة من الأسمدة والمبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب.
كما أن النظام الغذائي النباتي لا يبدو ملائمًا لجميع الناس من منظور صحي، حيث إن ما يناسب شخصًا ما من الناحية الغذائية يعتمد على العديد من العوامل، مثل العوامل الصحية، والبيئة التي نشأ فيها، والنظام الغذائي لأسلافه، والعديد من المتغيرات الأخرى. لذلك فنحن جميعًا مختلفون في هذا الشأن.
ما يناسب شخصًا ما من الناحية الغذائية يعتمد على العديد من العوامل، مثل العوامل الصحية، والبيئة التي نشأ فيها، والعديد من المتغيرات الأخرى
وفي المقابل، يظهر بعض الناس تحسّنًا وانتعاشًا جراء اتباعهم نظامًا نباتيًا، وهو أمر رائع إذا كان من يتّبعه يأكل بطريقة متوازنة، ويراقب نوعية طعامه، وحالته الصحية، بما في ذلك إجراء فحوصات دم سنوية.
ومع ذلك، فقد قابلتُ شخصيًا بعض النباتيين الذين يعانون من مشاكل صحية ناجمة عن نقص التغذية بسبب نظامهم الغذائي. ويجب الانتباه إلى الأعراض التي تصاحب هذه المشاكل مثل انخفاض المناعة، والشعور بالخمول والضعف، والشعور بالاكتئاب، والأظافر المتهالكة، وانقطاع الطمث.
ويختلف الناس في استجابتهم للأنظمة الغذائية، حيث يظهر كثير منهم استجابة إيجابية للأنظمة النباتية، بينما يحتاج آخرون إلى نظام يحتوي دهونًا حيوانية أكثر قليلًا من غيرهم، لكنهم في الوقت نفسه لا يحتاجون إلى كمية الدهون الحيوانية التي يتناولونها حاليًا.
إذًا كيف يمكننا إحداث فرق؟ إحدى الطرق هي تناول ما هو مستدام في المكان الذي نعيش فيه، فهو يختلف من بلد إلى آخر. فمثلًا تضم بعض البلدان مساحات أكبر من الأراضي العشبية غير المناسبة لإنتاج المحاصيل الغذائية، لكنها مناسبة لإنتاج اللحوم بشكل مستدام ومسؤول. كما أن بعض الأسماك مستدامة للأكل في المناطق الغنية بالثروة السمكية، ولكن بكميات صغيرة وعند اصطيادها باستخدام طرق مستدامة فقط، بينما لا يجب أن يحصل هذا في المناطق غير الغنية بالأسماك.
ويمكن لكل شخص إحداث فرق من خلال تناول المزيد من الأغذية العضوية، وتناول الدهون الحيوانية بحكمة ووعي دون إسراف، وبالتالي الاستمتاع بها وعدم الانقطاع التام عنها. كما يمكن تقليل هدر الطعام عن طريق التخطيط للوجبات واستخدام كل ما في الثلاجة والخزائن قبل انتهاء صلاحيته.
كما يمكن تقليل استهلاك المنتجات الحيوانية، وحصره في المنتجات عالية الجودة والتي أُنتِجَتْ من مصادر مستدامة في مزارع ذات انبعاثات منخفضة، وتناول المزيد من الوجبات النباتية، وتعلم كيفية طبخها، وتناول المزيد من الأطعمة المزروعة والمنتجة محليًا مثل الخضراوات والفواكه والمكسرات والبقوليات والحبوب، وقراءة ملصقات المواد الغذائية لمعرفة محتوياتها.
من خلال إجراء بعض التغيرات البسيطة في نوعية وكيفية الأكل، يمكن المساعدة، ولو بمقدار بسيط، في تغيير العالم.
يمكن الحصول على كتاب "التوازن الجميل: دليلك الصحي والنفسي نحو التغذية الجيدة والحياة السعيدة" الصادر عن دار نشر جامعة حمد بن خليفة من المكتبات في قطر، وعبر موقع أمازون كندل للحصول على النسخة الإلكترونية من الكتاب. .