للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
استعرض خلالها محمد ذبيان نماذج الأعمال التي تعزز الاستفادة من الشراكات وقنوات التوزيع مع مراعاة القيود المالية
لا تتوقف الشركات الناشئة عن السعي بحثًا عن فرص جديدة تُمكّنها من إحداث تحول نوعي في أنشطة القطاعات الصناعية والتخصصية المختلفة، حتى تلك التي تهيمن فيها الشركات الكبرى على المشهد الاستهلاكي. في واقع الأمر، ترى بعض الشركات الناشئة في هؤلاء المنافسين الكبار تحديًا مرغوبًا لاختبار قدراتها. بالرغم من صغر حجمها، فإن الشركات الناشئة تتمتع بمزايا أساسية تتفوق بها على الشركات القائمة بالفعل، كما أنها في موضع يؤهلها جيدًا لإحداث التحول النوعي، بل وتحقيق النجاح في هذه المنافسة أيضًا. وقد اتضح لي خلال سنوات عملي العديدة في مناصب مختلفة لدى شركات ناشئة في قطاع التكنولوجيا، أن النجاح يتطلب وجود منتج متميز، وفريق عمل ملتزم ومتفانٍ، ونموذج أعمال مقنع.
لا يخفى على أحد أن وجود فريق عمل ملتزم ومتفانٍ يمثل ركيزة أساسية للشركة الناشئة في سعيها لتقديم منتج يجد فيه المستهلكون قيمة ملموسة، ونحن نرى ذلك يوميًا. بيد أن هذا العنصر لا يشكل سوى جزء بسيط من الصورة الكاملة؛ إذ تكتسي نماذج الأعمال أهمية متزايدة في نجاح الشركات الناشئة، لا سيما في تلك القطاعات التي تتشابه فيها المنتجات المطروحة بين جميع المتنافسين. حتى يتسنى لك اجتذاب المستهلكين واستمالتهم لمنتجك، يجب أن تتبنى شركتك نموذج أعمال مقنعًا ومبتكرًا بشكل جذري يدخل في إطار مقترح القيمة الخاص بشركتك ويشكل جزءًا رئيسيًا من ميزتك التنافسية. يزداد هذا البُعد أهمية عندما تكون المنتجات التي تبيعها منتجات "سلعية"؛ ما يعني أن المستهلكين تتوافر أمامهم العديد من الخيارات والبدائل المختلفة، في حين أن المنتجات المتنافسة تحمل خصائص متماثلة.
يزداد اعتماد المستهلكين في مثل هذه المواقف عند اتخاذ قرارات الشراء على قوة العلامة التجارية للمنتج وسمعته وتسعيره، نظرًا لتشابه خصائص المنتج نفسه بين المتنافسين. بالنسبة لشركتك الناشئة فإن قاعدة عملائك (إن وجدت) لاتزال صغيرة وميزانيتك أيضًا محدودة للغاية، ومن ثمّ لا يمكنك ببساطة خوض حرب أسعار مع المنافسين لاجتذاب العملاء، ولكن السلاح الفعال الذي تمتلكه الشركات الناشئة الناجحة هو نموذج الأعمال المقنع الذي يمكنه قلب الموازين لصالحها.
يوضح نموذج الأعمال مدى قدرة شركتك الناشئة على تقديم القيمة التي يحملها منتجك إلى عملائك (على نحو ما يرغبون) وكيف تستطيع شركتك توليد العائدات. حتى تتضح أهمية نموذج الأعمال، سأضرب مثالاً من قطاع الطاقة الشمسية. تتبع معظم الشركات العاملة في مجال تركيب أنظمة الطاقة الشمسية للمنازل نموذج أعمال بسيط جدًا؛ إذ يسدد مالك المنزل للشركة مبلغًا (على سبيل المثال 10 آلاف دولار) مقابل تركيب ألواح توليد الطاقة الشمسية فوق سطح منزله، ثم يبدأ المالك في توليد طاقة كهربائية نظيفة لمنزله ويتوقع تحصيل العائد على الاستثمار خلال 15 عامًا. يرى 30% من أصحاب المنازل أن هذه الصيغة مقبولة لهم، في حين ترى نسبة 70% المتبقية أن هذه التكلفة الأولية للتركيب وفترة الـ15 عامًا اللازمة لتحصيل العائد على الاستثمار ليستا محفزتين بالقدر الكافي لإقناعهم.
يتسم قطاع الطاقة الشمسية وتصنيع الألواح بالتنافسية الشديدة في جانب الأسعار مع انخفاض هامش الربح، ومن ثمّ ليس منطقيًا أن يقدم أصحاب الأعمال على تأسيس شركة أخرى في مجال تركيب ألواح الطاقة الشمسية بقصد المنافسة على الأسعار، وإنما يجدر بشركة ناشئة جديدة أن تدخل السوق في هذه الحالة بنموذج أعمال مبتكر تعتمد فلسفته التصميمية على اجتذاب عملاء جدد، وتقديم ميزة تنافسية لافتة توفر لهذه الشركة حماية مؤقتة من المنافسين، فتعرض على العملاء مثلاً تركيب نظام توليد الطاقة الشمسية كاملًا بالمجان، مقابل أن يعطي مالك البيت للشركة ما نسبته 75% من إجمالي الطاقة المتولدة عن النظام لمدة 30 عامًا، ويستفيد المالك بنسبة 25% المتبقية لاستخدامه الشخصي، ومن ثمّ تجني الشركة عائدات مالية عن طريق بيع نسبتها من الطاقة لشبكة الكهرباء الوطنية واحتساب فترة العائد على الاستثمار 15 عامًا. إن نموذج أعمال هذه الشركة يقوم باختصار على تأجير سطح منزلك للانتفاع به في توليد الطاقة الشمسية مقابل حصولك على نسبة من الطاقة المتولدة.
يوضح هذا المثال الميزتين التنافسيتين الرئيسيتين في نموذج أعمال صيغت فلسفته جيدًا: الميزة الأولى تتمثل في قدرته على إيصال القيمة إلى شريحة من السوق لم تصلها الخدمة؛ وهي في حالتنا نسبة 70% من أصحاب المنازل الذين رغبوا عن إنفاق مبلغ 10 آلاف دولار مقابل تركيب الألواح، والميزة الثانية تتجلى في قدرة هذا النموذج على ضمان ميزة تنافسية مستدامة للشركة يصعب جدًا على المنافسين مجاراتها. ويوجب الوضع التنافسي في هذا المثال على الشركات القائمة خفض تكاليفها بدرجة كبيرة وإعادة هيكلة الشركة والاستغناء عن بعض الموظفين، فقط من أجل تعزيز فرصها في المنافسة، ولا شك أنها مهمة صعبة من منظور الكلفة الاستراتيجية والبشرية على السواء. لست أعلم شخصيًا بوجود كثير من الرؤساء التنفيذيين ممن يسعدون بخوض تجربة إعادة هيكلة الشركات، لا سيما تلك التي يترتب عليها خسارة أشخاص لوظائفهم – فتلك تجربة أشبه بالسير في حقل ألغام عاطفية.
مصدر الصورة: Loreanto، عبر موقع Shutterstock
هذا المثال السابق يمكن تكرار تطبيقه في العديد من القطاعات الأخرى، لا سيما تلك القطاعات التي شهدت محاولات ابتكار متواضعة على صعيد منتجاتها ونماذج أعمالها. من المهم لمؤسسي الشركات الناشئة أن يدركوا أهمية امتلاك نموذج أعمال مقنع ويضعوا تصميمًا لنموذج أعمال تنشأ عنه قيمة ويصعب استنساخه، ومن ثمّ يضمن لهم ميزة تنافسية مستدامة. وختامًا، أطرح عليكم سؤالين مرتبطين بالمثال السابق لتتأملوا في إجابتهما حتى تتضح جليًا أهمية وجود نموذج أعمال محكم الصياغة والتصميم: إذا كنت مالك بيت، أي الشركتين ستختار التعاقد معها؟ وإذا كنت موظفًا، أي الشركتين ستفضل العمل معها؟
يشغل محمد ذبيان منصب مدير برنامج التسريع في واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا التابعة لقطاع البحوث والتطوير والابتكار بمؤسسة قطر، وقد عمل قبل توليه منصبه الحالي لدى العديد من الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا بالولايات المتحدة وكندا حيث أسهم في تحويل الأفكار إلى مشاريع تجارية ناجحة.