للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
عبادة دياب، أحد خريجي مؤسسة قطر، يتحدث عن شغفه بالمساعدة الذي قاده للعمل في مركز تابع للأمم المتحدة يركز على البيانات الإنسانية وتحليل الأرقام والاتجاهات لإنقاذ الأرواح
أذكر أن والديَّ اعتادا دائمًا على تشجيعي لتجربة ما هو غير مألوف بالنسبة لي. وعندما أفكر بالأمر الآن أرى أنهما كانا يحاولان تعليمي أن الحياة مليئة بالمواقف غير المريحة.
مرت 10 سنوات منذ أول مهمة إنسانية لي، والتي كانت في باكستان عام 2010، خلال أحد أعنف الرياح الموسمية في البلاد. ولا يزال صدى هذه التجربة يتردد بين جوارحي حتى الآن، حيث كانت المرة الأولى التي أشاهد فيها أطفالًا في مثل سني محرومين من أساسيات الحياة. شاهدتُ منازل مدمرة، ممتلكات مهدورة، وأناسًا فقدوا أحبتهم.
دفعتني هذه المشاهدات، المماثلة لما رأيته في زياراتي الأخيرة إلى داداب في كينيا، ومخيم الزعتري في الأردن، إلى التفكير والتأمل في المستقبل. وأعتقد أن الرحلات والتجارب التي خضتها خلال سنوات دراستي الثانوية والجامعية كانت الأشد أثرًا على نفسي حتى الآن، لهذا لا يجب أن يقتصر التعليم على غرفة الصف والمناهج الدراسية، بل يجب أن يمتد إلى أبعد من ذلك.
عزّز الوقت الذي قضيته في جامعة جورجتاون في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، فكرة المساعدة داخلي، وقد تأثرت بإحدى القيم النبيلة لجامعة جورجتاون أكثر من غيرها، وهي: كلنا كرجال ونساء في خدمة الآخرين. حفّزني هذا المبدأ، إلى جانب كوني أتلقى تعليمًا عالمي المستوى في منطقة مضطربة، إلى التحرك وعدم الوقوف مكتوف اليدين. فكانت اختياراتي للمواد الدراسية، والتدريب العملي، وحتى الأطروحة التي كتبتها خلال سنتي الأخيرة، قائمة على الحقائق السياسية والاجتماعية والاقتصادية في موطني سوريا، والمنطقة بأسرها.
وحرصًا على تسخير التدريب الذي تلقيته، وإيمانًا مني بدور البيانات في تحسين السياسات، انضممتُ كمحلل أبحاث بعد تخرجي، إلى مركز البيانات الإنسانية التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. يهدف المركز، الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في لاهاي في ديسمبر 2017، إلى زيادة استخدام البيانات وتأثيرها في الاستجابة الإنسانية.
تمحور عملي مع المركز في البداية حول تحسين الوصول إلى البيانات المتعلقة بالتعليم في حالات الطوارئ. وكان أحد المشاريع المتطورة التي عملت عليها هو استخدام التعلّم الآلي والذكاء الاصطناعي للتعرف على تقارير وسائل التواصل الاجتماعي عن الهجمات على التعليم عبر منصة الذكاء الاصطناعي للاستجابة للكوارث (AIDR) بالتعاون مع معهد قطر لبحوث الحوسبة، التابع لجامعة حمد بن خليفة، عضو مؤسسة قطر، ومؤسسة التعليم فوق الجميع.
كان شعار المركز المتمثل في "ربط بين الناس والبيانات لتحسين أرواح البشر" بمثابة تذكير لي بأن أرى الغاية الكبرى حتى حينما أكون منهمكًا في ترتيب البيانات في ملف "الأكسل"، وهي مهمة كانت تبدو لانهائية أحياناً. هذا التذكير المستمر بأن عملي قد يساعد صانع سياسات رفيع المستوى في اتخاذ قرار أفضل مستعينًا بالبيانات التي ساعدتُ في توفيرها، كان يجدد طاقتي ويجعلني أقوى. لا شك أن الانغماس في تفاصيل العمل وإغفال الغاية الكبرى أمر طبيعي، ولكن من الضروري أن تظل حاضرة في أذهاننا.
مع بداية الوباء، انصب عملي نحو دعم الأنشطة التي يقوم بها فريق منصة تبادل البيانات (HDX) مع الشركاء لتحسين الوصول إلى بيانات (كوفيد-19). وتعد منصة تبادل البيانات (HDX)، من أهم ما يقدمه المركز، والتي تضم حوالي 20 ألف مجموعة من البيانات المجمعة والمصنفة غير المدرجة في قواعد البيانات، وذلك حول مختلف القضايا المتعلقة بالعمل الإنساني والتي تساهم فيها أكثر من 275 منظمة.
كذلك عملتُ على مدى الأشهر الماضية مع الفريق على تحسين الوصول إلى البيانات الهامة المتعلقة بالمناطق والأقاليم المحلية بشأن عدد المصابين والمتعافين والوفيات نتيجة (كوفيد-19(. وتوّج هذا الجهد بإطلاق صفحتي جائحة وخريطة )كوفيد-19( على المنصة. حيث يساعد توفير البيانات عن عدد الأشخاص المتضررين من الوباء، وبيانات الأمن الغذائي والتمويل، على استيعاب مختلف جوانب المسألة. ويمكن أن يؤدي الحصول على هذه البيانات إلى تحديد الأسباب المختلفة للوباء وشرحها والآثار الناجمة عنه على بعض المناطق أو الشرائح السكانية بحد ذاتها، كما يظهر فجوات التمويل الواجب سدها للتعامل مع الأزمة.
وعند غياب البيانات المناسبة والدقيقة والشاملة والقابلة للمقارنة، وعدم المعرفة بالوضع المحلي، فإن الجهات المعنية لن تكون قادرة على الاستجابة للأزمات بفعالية، وتلبية الاحتياجات بشكل كافٍ، وستزداد أعداد الوفيات. وهنا تكمن أهمية البيانات وقوتها، حيث لا يقتصر توفير البيانات على فهم الوضع الراهن، بل يمكن مع الوقت وتراكم البيانات المساهمة في التنبؤ بالمستقبل.
لا شك أن الشغف بالعمل، الفضول، والحرص على التعلّم تعدّ عناصر أساسية للنجاح في أي مكان؛ فمن زرع حصد، ومن سار على الدرب وصل. وقد أظهر لي الماضي أن الغاية تتحقق عندما نعيش من أجل قضية أعظم منا، وربما الأهم من ذلك، عندما نحيط أنفسنا بأشخاص ينسجمون مع تفكيرنا ويساعدوننا على تحقيق غايتنا.
أنني ممتن لمؤسسة قطر ولمركز البيانات الإنسانية التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية على إتاحة الفرصة لي لتوظيف هذا الشغف بشكل عملي على أرض الواقع.
عبادة دياب هو مدير بيانات يعمل مع مركز البيانات الإنسانية التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. شارك على مدار العام الماضي في العديد من المشاريع التي تهدف إلى زيادة الوصول إلى البيانات الإنسانية. تخرّج عبادة في جامعة جورجتاون في قطر عام 2018، حيث تخصص في الاقتصاد الدولي.