للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
وفقًا لياسين العياري، تعلم الموسيقى يشجع الطلاب على التفكير بكيفية إصدار الآلات للصوت وآلية الغناء.
يتحدث ياسين العياري، أستاذ الموسيقى في مدرستي طارق بن زياد وأكاديميتي، عازف ناي وباحث في مجال التراث الموسيقي عن تأسيس منهج موسيقي مبتكر لتعريف طلاب مدارس مؤسسة قطر بقيمة وجمال التراث الفني القطري.
" شوط شوط يا البطة، ارحم الله من حطه، ما حطه الا سويره، وسويره راحت البر، تييب العيش الأحمر.."
هذه واحدة من الأهازيج التراثية القطرية المُعتمدة في الفصول الدراسية للموسيقى بمدرسة طارق بن زياد، عضو مؤسسة قطر، والتي يتعلمها جيل اليوم، ويرددونها أمام أفراد أسرتهم وكافة أفراد المجتمع القطري، ويفتخرون من خلالها بتراثهم الفني، وفي الوقت نفسه يشعرون بالقلق من اندثاره.
يفتخر المواطنون القطريون بتراثهم الفني، وفي الوقت نفسه يشعرون بالقلق من اندثاره.
لم يعد هذا الإرث اليوم يتناقل بصفة عفوية في المجتمع كما كان من قبل بل تراجع عن إطاره الطبيعي ليتحوّل في بعض الأحيان إلى وسيلة ترفيه للبعض، وهو ما أدى إلى تغير ملامح بعض الفنون ومن ثم فقدان دورها في بناء الهوية.
حسب قول الجدة أم علي، وهي إحدى الجدات اللواتي يُعتبرن مصدرًا لنا في توثيق الأهازيج والأغاني الشعبية القطرية الأصل، كي نحفظها للأجيال القادمة، فإن الأهزوجة نفسها قد تختلف حتى داخل قطر من منطقة إلى أخرى، فأهزوجة السواحل تختلف عن أهزوجة المناطق الداخلية، لكنها تُنشد في المناسبات نفسها بجميع المناطق، وجميعها تحمل قيمة اجتماعية عالية، نريد أن تتناقلها الأجيال لمئات السنين.
كمُدرّس للموسيقى العربية وباحث في علم موسيقى الشعوب وكاتب في مجال التراث القطري، وبناءً على تواصلي مع العديد من الموسيقيين القطريين والمختصين في حفظ التراث داخل دولة قطر، سعيتُ إلى البحث في محتوى هذا التراث وتحديد صلته ومكانته بالنسبة للمجتمع القطري.
ياسين العياري.
وهدفي من ذلك، هو أن أتمكن من إغناء تجربتي في تدريس الموسيقى للجيل الحالي، بالإضافة إلى وضع مبادرات تهدف إلى حفظ هذا التراث للأجيال القادمة، حيث إن ثقافة الموسيقى العربية قائمة على مبدأ التلقين الشفوي، ففن الفجري مثلًا لم يكن يدّرس في المدارس بل كان ملازمًا لصيد اللؤلؤ في منطقة الخليج.
التعلم من خلال اللعب
عندما كنت أُدرّس العزف على آلة الناي وكنتُ حينها، وعلى مدار 8 سنوات، رئيسًا لقسم الموسيقى العربية بأكاديمية قطر للموسيقى، عضو مؤسسة قطر، ، لم نقلد أي منهج، بل أردنا الإنجاز والابتكار. فكان التحدي في جمع مفهومي المشافهة والكتابة والتجربة اليومية مع الطلاب لتأسيس مناهج التعليم في قسم الموسيقى العربية، والتي لقيت نجاحًا كبيرًا.
وعندما بدأتُ التدريس، منذ سبتمبر الماضي 2019 في كل من مدرستي طارق بن زياد، عضو مؤسسة قطر، التي تعتمد منهج البكالوريا الدولية وأكاديميتي اللتين تعملان تحت مظلة التعليم ما قبل الجامعي بمؤسسة قطر، وهي المدرسة التقدمية الأولى من نوعها في قطر وجدت ذلك ممتعًا للغاية ويتماشى تمامًا مع رؤيتي الشخصية في تدريس مادة الموسيقى.
لا يكتفي مدرّس الموسيقى باستنساخ الكتب والمناهج الأخرى، بل يوظف آليات عمل جديدة تضمن الاندماج الكلي للطلاب في النشاط اليومي حيث اللعب هو الطريق والسبيل الوحيد للتعلم.
إن المسار التعليمي في هاتين المدرستين، قائم على مبدأ الابتكار والإبداع اليومي في العملية التربوية. فالمُدرّس لا يكتفي باستنساخ الكتب والمناهج الأخرى، بل يوظف آليات عمل جديدة تضمن الاندماج الكلي للطلاب في النشاط اليومي حيث اللعب هو الطريق والسبيل الوحيد للتعلم؛ إذ يُحفزّ تعلّم الموسيقى عبر اللعب الطالب على البحث والتساؤل: كيف يصدر الصوت من الآلة الموسيقية، الإيقاع واللغة؟ ماهي آليات الغناء الفردي والجماعي؟
على سبيل المثال، أطلقت مبادرة في هاتين المدرستين وهي صناعة الآلات الموسيقية من مواد إعادة التدوير، حيث نستكشف في كل مرة أجزاء معينة من الآلات الموسيقية (كالعود، الكمنجة، الربابة…)، انخرط الطلاب بهذا النشاط بشغف واندماجٍ عبر انتقاء أدوات إعادة التدوير من البيت والتفكير في أي جزء من أجزاء الآلة سيستعملها (الأوتار، المفاتيح، الرقبة…).
تبلور لدى الطلاب فهمًا شاملًا حول كيفية صناعة وإصدار الصوت، وإدراك لوظيفة كل جزء في الآلة من الأوتار والمفاتيح والجسر عند صنعهم الآلات الموسيقية، إذ يتعلّمون مهارات القياس والحساب والرسم والتصميم، وفي مرحلة تالية يطورون مهاراتهم العلمية المتعلقة بكيفية بناء وإصدار الصوت عن طريق تغيير مستوى امتداد الوتر. وتعدّ هذه المحاور مهمة جدًا في الموسيقى، وهي تتماشى مع مستوى الطالب الأكاديمي وعمره كذلك فإنها ممتعة وتخلو من الضغوطات التي يفرضها التعليم الكلاسيكي.
عندما يتساءل الطلاب: لماذا لا يتغير الصوت؟ نكون قد فتحنا آفاقا جديدة للتعلم، لقد طور الأطفال نشاطهم بأنفسهم عبر الأنشطة وبذلك باتوا مندمجين فكرًا وجسدًا، وهو ما نهدف إلى تحقيقه في مؤسسة قطر.
كمعلمين، سعينا بالتعاون مع الأهالي والطلاب إلى ابتكار حلول للحفاظ على هذا التواصل، الذي لم نتوقع يومًا أن يتحول إلى تواصل افتراضي
التواصل بين الطالب والمنهج
من أكثر التحديات التي واجهتنا في قسم الموسيقى العربية في أكاديمية قطر للموسيقى منذ بداية التأسيس بصفة عامة هي التزام الطلبة بالتمرين المنزلي.
لقد فكرنا بطرق جديدة لتعزيز شغف الطالب وجعله أكثر التزامًا بالتمارين. على سبيل المثال، أحد طلابي لا يحب آلة الناي ولكنه يتعلمها بناءً على طلب والده، طلبت منه يومًا أن يدمج 4 درجات موسيقية معًا وأن يعزفها، وقمت بتدوينها كنوتات موسيقية، فحصلنا على تمرين موسيقي مبتكر، منذ ذلك الحين، تعززت ثقة الطالب بقدراته وبات أكثر شغفًا بالتعلم، حتى أن معزوفته When I was born مدرجة ضمن كتاب المستوى التحضيري لآلة الناي.
لم يعد مدرس الموسيقى هو الذي يغني للأطفال ويعلمهم مواد محددة مسبقًا دون التفاعل مع احتياجاتهم، فمن خلال تقديمي للدرس الموسيقي الأول حول "موزارت" في إحدى المدارس في فرنسا، لاحظت قلة حماسة الطلاب تجاه مادة الموسيقى، عندها فأدرجت في الفصل الدراسي جزءًا حول موسيقى فرنسية شبابية معاصرة تدعى "سلام" Slam، ما أحدث تغيرًا جذريًا وسريعًا في مستوى تفاعل الطلاب في الفصل. فالجمع بين تعليم الموسيقى وبين البيئة التي نعيشها اليوم، يعزز التواصل والتفاعل بين الطالب والمنهج والأستاذ.
يقول العياري أن الموسيقى هي وسيلة مهمة لتبادل التراث الثقافي.
انخرط طلاب مدارس مؤسسة قطر بأنشطة تعليم الموسيقى، ومن بينها تعلم كيفية صناعة آلاتهم الموسيقية الخاصة.
تحديات التعلم عن بعد
منذ بداية انتشار وباء (كوفيد-19)، بات الجميع أمام تحدٍ وبحث متواصل حول كيفية إعادة بناء الترابط الاجتماعي الذي كان سائدًا في حياتنا اليومية وبناء علاقات بديلة. كمعلمين، سعينا بالتعاون مع الأهالي والطلاب إلى ابتكار حلول للحفاظ على هذا التواصل، الذي لم نتوقع يومًا أن يتحول إلى تواصل افتراضي.
في الحقيقة لا يتعلق الأمر بكيفية إيصال المعلومة وحسب، فوسائل التواصل عديدة ومتنوعة، بل المسألة أعمق بكثير، حيث إن العلاقة بين الطفل والمعلم هي علاقة إنسانية وعاطفية في آن، كما أن تفاعل الطالب وسط جو من المنافسة الإيجابية يخلق بيئة ديناميكية ويدعم العملية التربوية.
في الوقت الحالي، تسعى كل من مدرستي طارق بن زياد وأكاديميتي إلى مواصلة العملية التعليمية عن بعد، وبما أن المدرستين تؤمنان بمبدأي الابتكار والإبداع في التعليم، فإننا نشهد مبادرات شيقة ووسائل جديدة للتعلم تحقق نجاحًا ملموسًا.
يعد الفيديو المصوّر الذي قام خلاله طلاب مدرسة طارق بن زياد ومدرسة أكاديميتي بشكل جماعي افتراضي بأداء أغنية" القرنغعوه" مثالًا على المبادرات التي تبني جسور الترابط فيما بيننا وبين التراث رغم انتشار هذا الوباء. والذي افتقدناها بسبب هذا الوباء.