للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
غنوة يحيى، الكاتبة في دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، عضو مؤسسة قطر، تتحدث عن كيفية مواجهة التحدي المتمثل في تحقيق التوازن بين ممارسة العمل من المنزل والحياة الأسرية وسط أزمة تفشي فيروس كورونا
في تلك الظروف غير الاعتيادية، نجد عوالمنا الخاصة تتصادم، فعلى سبيل المثال هوياتنا المختلفة "كأم"، "كزوجة"، "كصاحبة عمل"، "كموظفة" تضطر للمرة الأولى إلى التعايش مع أحدها الآخر في ذات المحيط المكاني والزماني- وبالنسبة لي شخصيًا، في نفس المنزل الصغير المكون من غرفتين فقط مع ثلاثة أشخاص آخرون.
مضى أكثر من أسبوع على الالتزام بقواعد التباعد الإجتماعي، وعلى ما يبدو أن ذلك سيستغرق وقتًا أكثر من المتوقع. عندما تم الإعلان عن قرار إغلاق المدارس وسياسات العمل من المنزل، كنت سعيدة للقيام بدوري للمساعدة خلال هذا الموقف غير المألوف. فما مدى صعوبته؟ تلك تضحية صغيرة للغاية علي القيام بها في نفس الوقت الذي يتعرض فيه آخرون لما هو أسوأ بكثير.
ومع الاستعداد المفرط الذي يتميّز به منشدي الكمال، أعددت جدولاً زمنيًا دقيقًا لأطفالي وكذلك لي لمحاولة أداء مهامنا بصورة طبيعية على قدر الإمكان. ووضعت ذاك الجدول على حائط غرفة المعيشة وأوضحت للجميع أن ذلك الجدول على اللوحة البيضاء سيكون دليلنا من الآن فصاعدًا، الذي سيرشدنا خلال يومنا الدراسي والعملي. سيتم التخطيط لكل ساعة بشكل واقعي ومدروس لضمان القيام بنشاط محدد لفترة كافية وذلك باستخدام وسائط مختلفة لتغطية مجموعة متنوعة من الموضوعات، مع إعطاء بعض التوجيهات، وبذلك تُتاح لي فرصة التركيز على عملي. أي القيام بالعمل المعتاد، أليس كذلك؟
بالطبع لا.
اليوم استيقظت وأنا منهكة جسديًا وعقليًا وعاطفيًا. وهذا الإنهاك هو نتيجة للإزعاج والمشاحنات التي تدور بين الأطفال عادةً ولكن لا تؤثر علينا بنفس الطريقة في الأوضاع الطبيعية. وكذلك أشعر بالإرهاق بسبب الاضطرار لتكرار سؤال "هل يمكنك سماعي الآن؟" لأن جودة الاتصالات عبر الإنترنت تصبح في غاية السوء بسبب زيادة التحميل على شبكات الإنترنت التي يستخدمها الجميع في ذات الوقت للعمل أو للتعلّم. وكذلك يرهقني الشعور بالخوف من كم المعلومات الهائل التي تتناول حقائق ولكن مختلطة بالخيال؛ والقلق لعدم تأكدي إن كنت أفعل ما يكفي للقيام بدوري على أكمل وجه؛ بالإضافة إلى الشعور بالذنب لمعرفتي بأن ما أواجهه لا يقارن بما يتعرض له آخرون من ظروف أكثر وأشد قسوة.
مازلت في سريري، استدرت لألتقط نسخة كتاب ميل روبنز عن قاعدة الخمس ثوان من على منضدتي.
5-4-3-2-1 انطلق!
ذكرت نفسي بالقاعدة: "عندما تشعر بأنك متردد قبل القيام بشيء تعرف أنه يجب عليك فعله، فابدأ بالعدّ " 5-4-3-2- 1 انطلق "ثم قم بالتنفيذ. ... إن لم تتخذ إجراءً بشأن غريزتك للتغيير، فستظل راكدًا. لن تتغير".
علينا المضي قدمًا، وتجاوز مشاعر الخوف والانطلاق بروح من العزيمة نحو التغيير الذي يتطلبه الموقف الحالي.
ماذا يعني ذلك؟
يعني قواعد جديدة. يعني تخصيص وقت للاستمتاع بإفطار أسري هادىء كل صباح لأنك لست مضطراً للهرولة سريعًا في الصباح للوصول إلى مكان عملك.
يعني السماح للأطفال باللعب لفترة أطول قليلاً على أجهزتهم الإلكترونية وعدم القلق بشأن الوقت الذي يستغرقونه أمام الشاشات.
يعني ضبط وتيرة عملكم يوميًا بأفضل طريقة تناسبكم لأنه حتى مع التوقع بقضاء ساعات العمل الطبيعية من المنزل، فمازال كل ما يتعلق بمحاولتكم التوفيق بين احتياجات جميع تلك الهويات في آن واحد أمر غير طبيعي.
وهذا يعني إعادة الالتزام بقيمنا ومعتقداتنا من خلال الصلاة والتأمل وقيامنا بأبسط أعمال الخير.
ويعني البقاء على اتصال مع الأصدقاء من خلال - مكالمة هاتفية أو من خلال تطبيق FaceTime أو تطبيقات الدردشة – فهم على الأرجح يشعرون بما تشعرون به أيضًا.
يعني الاشتراك بدورة لممارسة التمارين الرياضية من خلال تطبيق عبر الإنترنت للمحافظة على الصحة البدنية والعقلية (لم يفت الأوان أبدًا للبدء!)
يعني طلب المساعدة عند الحاجة والدفاع عن نفسك عندما يتطلب الأمر.
يعني الامتناع عن الأخبار وحالة الهيستيريا الخارجية التي تضر بصحتنا النفسية والتركيز على سلامنا الداخلي.
يعني أن لا تقسو على أنفسكم عند لحظات الغضب التي قد تنتج بسبب التوتر العصبي. تأملوا في مشاعر – الإحباط، الحنق، الضغط، الخوف والحزن – واشعروا بها. ثم قوموا بالعدّ 1،2،3،4،5... وألقوا بها وراء ظهركم.
تنطبق بعض تلك المشاعر على نمط الحياة الطبيعي، ولكن ندركها الآن أكثر من أي وقت مضى ، نحتاج إلى ضبط توقعاتنا حيال الآخرين وكذلك أنفسنا، حتى نتمكن من التعامل بأفضل طريقة مع وضعنا الحالي بصورة واقعية.
ادفعوا نحو كل ما هو أفضل لكم، كل ما هو أفضل لعائلاتكم. نحو ما ترونه منطقيًا لمصلحة أطفالكم. بل وكل ما هو منطقي: أي كل ما يمكنه أن يوفر لكم المساحة العقلية والعاطفية للاستمرار على مدار الأسبوعين المقبلين.
لا توجد طريقة صحيحة أو خاطئة للتعامل مع ما يحدث حاليًا أيًا كان موقعنا كآباء وأزواج وأرباب عمل وموظفين وبشر. نحتاج فقط إلى بذل قصارى جهدنا وأن نتذكر أنه عندما ينتهي كل هذا، كيفية تصرفنا خلال هذا الوقت ستكون هي مربط الفرس.
هل استطعنا أن نخلق توازنًا من أجل تلبية احتياجاتنا الشخصية مع الحفاظ على مسؤولياتنا كموظفين؟
هل قمنا بإدارة توقعاتنا كقادة ومديرين للسماح بقدر من المرونة؟
هل اتخذنا قرارات صعبة، بعضها من أصعب القرارات على الإطلاق، مع مراعاة الصالح العام؟
هل أخذنا في الاعتبار أن أطفالنا ينظرون إلينا كقدوة، وأنهم قد لا يتذكرون تفاصيل الموقف نفسه، ولكن حتمًا سيتذكرون المشاعر والسلوكيات التي تعرضوا لها في هذا الوقت؟
هل تصرفنا بمسؤولية عند مشاركة المعلومات حتى لا نضخم المشكلة؟
هل بحثنا عن التعاطف والجمال والحب في كل ما هو حولنا بالرغم من عدم تيقننا من أي شيء؟
الدفع نحو الإيجابية يعني كل ما ذكرناه. أن نعمل، ونلعب، ونستريح، ونعتني بأنفسنا ومن حولنا، وأن نبتسم ونضحك ونبكي. يعني أن نجد طرق جديدة للمضي قدمًا حتى في أحلك الظروف.
علينا تقبّل حقيقة أن الأشياء ليست كما كانت سابقًا، بل وقد لا تعود أبدًا كما كانت من قبل.
لكن لدينا فرصة للتعلم والنمو والتغيير. لدينا فرصة لإعادة تقييم وتناول قيمنا كأفراد وكمجتمع، وببساطة أن نصبح أفضل.
5-4-3-2-1 انطلقوا!