إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | التعليم
12 August 2020

مقال رأي: فرص تدريس اللغات في عالم ما بعد الجائحة

مشاركة

دادلي رينولدز من جامعة كارنيجي ميلون في قطر

دادلي رينولدز، الرئيس المشارك لتخصصات الفنون والعلوم وأستاذ طرق تدريس الإنجليزية بجامعة كارنيجي ميلون في قطر، إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر، يحدثنا عن ضرورة إفساح المجال أمام الطلاب لاستكشاف التعددية اللغوية ودورها في جعل الحيز المعرفي والمكاني أكثر ثراءً

يجدر بالمدارس، كما أرى، أن تقوم بما هو أكثر من مجرد النهل من معين الماضي؛ إذ عليها أن ترسي دعائم مستقبل أفضل. وينبغي أن تسعى المدارس لكي تجعل المجتمعات التي تخدمها أكثر ذكاءً وإنصافًا وتقبلاً.

لا يجب أن نتجاهل أبعاد الوظيفة والجنسية والعرق؛ فهي عناصر مهمة تشكل هويتنا، ولكن يجب علينا أن ندرك أن جميع الوظائف وجميع الجنسيات وجميع الأعراق إنما تسهم في تحقيق الرفاه لعالمنا

دادلي رينولدز

لقد أدركنا جميعًا تمام الإدراك في ظل أحداث العام المنصرم طبيعة المخاطر والمظالم التي تحدق بعالم منقسم. وقد اتضح أمام أعيننا جليًا خلال تفشي جائحة كوفيد-19 أن حالات غياب المساواة في الرعاية الصحية والظروف المعيشية والأمن الاقتصادي تعني أن بعض الناس أوفر حظًا من غيرهم، وأدركنا كذلك أنه ما من أحد ستصبح صحته في هذه الأوضاع أفضل حالاً من أولئك الأسوأ صحة بيننا.

يجب علينا أن نشرع في تفكيك العوائق وتذليل العقبات داخل مجتمعاتنا التي تتسبب في ظهور أوجه التفاوت الاقتصادية، وكذلك تلك الحواجز التي تجعلنا نرى الشخص الذي بجانبنا على أساس أنه "عامل" أو "مواطن" أو "عربي" أو “أجنبي" "ذو بشرة داكنة" قبل أن ننظر إليه بوصفه إنسانًا. ولا يعني ذلك أن نتجاهل بالكلية أبعاد الوظيفة والجنسية والعرق؛ فهي عناصر مهمة تشكل هويتنا، ولكن يجب علينا أن ندرك أن جميع الوظائف وجميع الجنسيات وجميع الأعراق إنما تسهم في تحقيق الرفاه لعالمنا. إذن كيف يتسنى لنا أن نعلم أبناءنا هذه القيم؟

يقول دادلي رينولدز أنه من أجل كسر الحواجز الاجتماعية، تحتاج المدارس إلى "إعادة التفكير في كيفية استخدامها وتعليمها للغات. مصدر الصورة: Rawpixel.com، عبر موقع Shutterstock

كتبت العام الماضي تقريرًا عن سياسة تدريس اللغات في السياقات المعولمة بتكليف من مؤتمر القمة العالمي للابتكار في التعليم "وايز"، المبادرة العالمية التابعة لمؤسسة قطر، وناقشت في ثناياه طرحًا مفاده أنه إن أرادت المدارس الارتقاء بالمجتمعات التي تخدمها والبدء في إزالة العوائق الاجتماعية، فعليها أن تعيد التفكير في طرائق استخدام اللغات وتدريسها؛ إذ يجدر بها أن تتحدى التصور القائل بأن لبعض اللغات قيمة أكبر من غيرها.

إن الأشخاص الماهرين في استخدام اللغة والتحدث بها يمكنهم التنقل بين لغات متعددة؛ إذ يدركون طبيعة الارتباطات بين اللغات ويستخدمون معرفتهم بإحدى اللغات لمساعدتهم في التحدث بأخرى

دادلي رينولدز

نجد في كثير من الأحيان أن اللغات التي نتحدثها في بيوتنا لا تستخدم في المدارس. وفي هذا الصدد، تشير تقديرات منشورة في تقرير للأمم المتحدة إلى أن ما يصل إلى 40% من الطلاب حول العالم لا يجدون مفرًا من الدراسة بلغة لا يفهمونها فهمًا تامًا. وتلك النتيجة المترتبة على أحد قرارات السياسة العامة، فضلاً عن أنها تجعل من التعلم عملية صعبة، فإنها بمثابة رسالة لطلاب بأن لغاتهم التي يتحدثونها في بيوتهم لا ترقى لمستوى استخدامها لغةً للتدريس، ومن ثمّ يحملهم ذلك على التشكيك في كونهم جزءًا من المجتمع الذي يعيشون فيه.

وعلاوة على ذلك، فإننا حين نُدرِّس العربية أو الإنجليزية أو المالايالام، كثيرًا ما نركز على لغة واحدة في كل مرة ونحظر كل ما عداها؛ ما يعطي انطباعًا بأن المعرفة التي نحوزها عن لغة من اللغات لا تكون مفيدة عند تعلم لغة أخرى، وأن اللغات تتنافس فيما بينها بطريقة ما لكي تهيمن إحداها على الحيز الذهني عند المتعلم. ويرسم هذا النهج أيضًا صورة مغلوطة للكيفية التي يُمارس بها التحدث باللغات المختلفة في العالم الواقع خارج حدود قاعات الدراسة.

فلتدخل إلى أي متجر من المتاجر في قطر وستسمع بأذنيك لغات متعددة يجري الحديث بها، وكثيرًا ما يفعل ذلك الشخص نفسه في إطار محادثة واحدة. إن الأشخاص الماهرين في استخدام اللغة والتحدث بها يسهل عليهم التنقل بين لغات متعددة؛ إذ يدركون طبيعة الارتباطات بين اللغات ويستخدمون معرفتهم بإحدى اللغات لمساعدتهم في التحدث بأخرى، فهم يتمتعون بفهم معمق لآلية عمل جميع اللغات بوصفها وسيطًا لتقديم المعلومات والإقناع والإمتاع أيضًا.

يجب أن يستشعر الطلاب تقدير مجتمعاتهم لهم، ويجب عليهم بدورهم أن يقدروا الأشخاص المختلفين عنهم

دادلي رينولدز

إنني إذ أرى الانقسامات الاجتماعية وكيف فاقمت من تأثير جائحة كوفيد-19، يزداد يقيني أكثر بحتمية تثمين ما يعتبره الطلاب لغاتهم "هم" ودعمها، وضرورة تضمين المناهج الدراسية فرصًا متعددة لتعلم لغات إضافية تسهم بدورها في زيادة الفرص الاقتصادية وفتح آفاق متنوعة وزوايا مختلفة للنظر إلى العالم. يجب أن يستشعر الطلاب تقدير مجتمعاتهم لهم، ويجب عليهم بدورهم أن يقدروا الأشخاص المختلفين عنهم؛ إنهم بحاجة إلى المرونة الذهنية التي تتأتى مع إنشاء الروابط بين اللغات المختلفة، وهم بحاجة كذلك إلى التحرر من قيود الرهبة من اللغات التي لا يفهمونها والانخراط بشكل مباشر في استكشاف التعددية اللغوية ودورها في جعل الحيز المعرفي والمكاني أكثر ثراءً.

إن التغييرات التي أصبو إليها وأطالب بها تتجاوز مجرد الإقرار الرمزي بقيمة التنوع؛ فقد بيّنت تفصيلاً في تقريري المشار إليه أنها تتضمن إدخال تغييرات على نهجنا في هيكلة المناهج الدراسية، والدعم المالي الذي نوفره للتعليم والتعلم داخل المدارس وخارجها، والصلاحيات التي نمنحها للمعلمين ليتمكنوا من تصميم تجربة تدريس تلائم احتياجات طلابهم، بل وتتضمن أيضًا تغيير ما ندرِّسه للطلاب بوصفه معرفة لغوية.

وفقًا لدودلي رينولدز، يجب أن تنعكس أهمية توفير الفرص لتعلم لغات إضافية في المناهج المدرسية. مصدر الصورة: Photographee.eu، عبر موقع Shutterstock

لقد أتيحت لي الفرصة، بينما كنت أعكف على كتابة التقرير، لمتابعة اختصاصيين من معهد التطوير التربوي التابع لمؤسسة قطر حال تعاونهم مع بعض المدارس العاملة تحت مظلة التعليم ما قبل الجامعي في مؤسسة قطر لمساعدتهم في تطبيق هذه التغييرات. وكان أول ما استهل به الاختصاصيون هذا المسعى سؤال قادة المدارس عن تجاربهم الشخصية إزاء الاستماع إلى اللغات وتعلمها، وعما يمكنهم القيام به لتثمين التجربة الشخصية لكل طالب من طلابهم وتقديرها. إن التغييرات الحقيقية والعملية التي يمكن تطبيقها على مستوى المدارس الفردية تبدأ بصياغة رؤية مشتركة واسعة النطاق عما ينبغي أن يشعر به كل فرد بوصفه عضوًا في مجتمعه.

وبينما نحث الخطى نحو الخروج من أسوار عالم الجائحة التي فرضت علينا العزلة والانقسام، يحدوني الأمل أن نستشرف الفرص التي توفرها المنظومات التعليمية حول العالم لتعزيز استخدام اللغات والتعددية اللغوية بوصفهما أداتين لتفعيل التعاون وبناء المجتمعات.



  • يشغل دادلي رينولدز منصب الرئيس المشارك لتخصصات الفنون والعلوم وأستاذ طرق تدريس الإنجليزية في جامعة كارنيجي ميلون في قطر. وقد ترأس الرابطة الدولية لمعلّمي اللغة الإنجليزية للناطقين بلغات أخرى (TESOL) بين عامي 2016 و2017، وهي الرابطة المهنية الأضخم عالميًا في مجالها. كما عمل معلمًا وباحثًا في مجال المتعلمين متعددي اللغات لأكثر من 30 عامًا. وبالإضافة إلى سياسة تدريس اللغات، يتناول المؤلف في بحوثه الأنماط التطورية في تعلم اللغات الإضافية، والأساليب المنهجية والتربوية المعنية بصقل مهارات إجادة القراءة والكتابة، وتدريب المعلمين، والتعلم.

قصص ذات صلة