إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | التعليم
2 March 2021

مقال رأي: الرياضة أسلوب حياة

مشاركة

الدكتور ناصر المهندي، مؤلف كتاب "كيف تصبح الرجل الحديدي" الصادر عن دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، يتحدث عن الرياضة، وكيف أنها أساس للنجاح

ما زلت أتذكر تلك اللحظة جيدًا، إنها في عام 1988، حينما كنت جالسًا أمام شاشة التلفاز الصغير في منزلي بالذخيرة، أتابع مشدوهًا بطولة العالم للرجل الحديدي 1988. وحتى والدتي ما زالت تتذكر اندهاشها وهي ترى ابنها الأصغر الذي لا يكف عن التقافز على الجدران بما لديه من طاقات لا حصر لها وهو يجلس ساكنًا لساعات طوال محملقًا في المتسابقين وهم يَسبحون ويتسابقون بالدراجات ويركضون لتحقيق المجد. لم أكن أستوعب الأمر بشكل كامل، ولكن صورة هؤلاء اللاعبين وهم يغدون تاركين خلفهم دماءهم وعَرَقهم ودموعهم بعد تسابُقهم بطول ساحل هاواي كانت ترسم طريقي في الحياة.

وبعد مرور سنوات عديدة، وتحديدًا في أبريل 2016، كنت أخوض بنفسي تجربتي الأولى في سباق الرجل الحديدي الثلاثي في جنوب أفريقيا، حيث سبحتُ مسافة 3.8 كم، وقُدتُ الدراجة مسافة 180 كم، وركضت مسافة 42.2 كم في واحد من أصعب مسارات سباق الرجل الحديدي في العالم. وقد استغرق الأمر مني 14 ساعة و45 دقيقة لاستكمال السباق الذي يمثل بالنسبة لي حصيلة 28 عامًا من الاستعداد، وعُمرًا كاملًا من التدريب المتواصل، وتجسيدًا لحلم يراودني منذ الطفولة. وكنت حينها واحدًا من أوائل القطريين الذين أكملوا سباق الرجل الحديدي على الإطلاق.

وعلى الرغم من أن اللّبنات التي بُنيت عليها حياتي كانت تتمحور حول مسيرتي المهنية؛ من مهندس نفط وغاز، إلى أستاذ أكاديمي ، والآن نائب للرئيس للتخطيط والتطوير في إحدى شركات النفط، حتى أصبحتُ حاليًا مؤلفًا لأحد أعلى الكتب مبيعًا، إلا أن الرياضة كانت طوال هذه المسيرة بمثابة الملاط الذي تتماسك به الجوانب العديدة من شخصيتي الحالية.

لقد اكتسبت من تدربي لسباقات الترياثلون الثلاثية والمسافات الطويلة مثل سباق الرجل الحديدي المهارات اللازمة للنجاح في كل جانب من جوانب حياتي. فالرياضة تتحدى قدراتنا، وتساعدنا على التفكير بعقلية النمو التي تتلخص في قاعدة: لا أحد وصل إلى قمة الاحتراف...بعد. وكما هو الحال مع أي شيء في الحياة، الجميع يبدأون من نقطة البداية، والفارق يكمن في كيفية تقدمك وعزمك على النجاح.

علمني سباق الرجل الحديدي أن الاستعداد العقلي لا يقل أهميةً عن التدريب البدني. فأنا لم أكن أجيد السباحة قبل ذلك الحين، بل إن فكرة السباحة في مياه المحيط المفتوح كانت ترتبط في ذهني بلحظات كنت فيها على وشك الغرق في فترة الطفولة. ومثل هذه العوائق الذهنية تستحضر نفسها في حياتنا اليومية أيضًا. وقد تكون هي السبب في عدم مطالبتك بتلك الترقية، أو عدم سعيك وراء نيل درجة ما، أو عدم دفاعك عن نفسك. فامتلاك زمام عقلك من الخطوات المهمة في مسيرتك الرياضية أو الحياتية.

أما الخطوة الثانية، فهي التدريب البدني. وهي مرحلة تعتمد على الصبر والمثابرة. وكما هو الحال في الرياضة، يجب أن يكون التدريب جزءًا من حياتك اليومية. فما من شيء يحدث بين عشية وضحاها، وما من شيء سيحدث إذا لم تقترن أهدافك بسعي دؤوب. فكما أنك لا تصبح فجأة لاعبًا ماهرًا، كذلك لن تصبح فجأةً رئيسًا تنفيذيًا.

وأخيرًا، بعد معاناة مع الإصابات والمعوقات العديدة يأتي الدرس الصعب للإصرار والتقدم. فطريق النجاح في الملعب أو غيره من مجالات الحياة لا يسير مطلقًا في اتجاه واحد. والإصرار هو أن تعرف متى تنطلق مجتازًا أي حواجز في طريقك، ومتى تتوقف وتستريح وتميّز الأشياء وتحاول مرةً أخرى. الإصرار هو أن تضع قدمًا أمام الأخرى، ببطء ولكن بثبات، في الاتجاه نفسه أو في مسار جديد تمامًا. بل إن زرع عقلية النمو بداخلنا قد يكون أهم شيء تنجزه على الإطلاق لكي تنمي قدراتك وإنجازاتك وتحقق أهدافك.

لقد وضعت في سيرتي الشخصية التي تحمل عنوان "كيف تصبح الرجل الحديدي"، والصادرة عن دار جامعة حمد بن خليفة للنشر، عضومؤسسة قطر، عام 2018، هذه الدروس إلى جانب خبراتي في الحياة، وأؤكد على قيمة الرياضة وألعاب قدرة التحمل ، ليس فقط لتجنب المشاكل الصحية مثل السمنة، ولكن لبناء الشخصية أيضًا.

لقد أحرزت قطر في العقود القليلة الماضية تقدمًا ملحوظًا فيما يخص النمو الاقتصادي والتطور ويحدوني الفخر حين أقول إن قطر من الدول القليلة التي خصصت يومًا للصحة واللياقة، يقام فيه عدد لا يحصى من الجلسات الرياضية والمسابقات الاجتماعية مجانًا لجميع الأعمار والمستويات لضمان حصول الجميع على فرصة المشاركة. يذكرنا اليوم الرياضي لدولة قطر بأهمية أن نفكر في الدور الذي تلعبه الرياضة في إيجاد مجتمع صحي من الناحية البدنية وكذلك النفسية.

يجب أن نتذكر دائمًا أن العقلية التي تصنع النجاح في الرياضة لا تقتصر على الرياضة فحسب. بل إنه يجب على كل من في قطر من مواطنين ومقيمين إعمال عقلية النمو في أي مجال، والعمل على أساسها في كل أيام العام، وذلك من أجل بناء مستقبل عامر بالنمو والازدهار. وإن كنا في قطر نحتفل باليوم الرياضي لدولة قطر مرةً واحدةً في العام، فإننا في الواقع، وبفضل بنيتها التحتية المطورة حديثًا بحيث تتضمن المزيد من المساحات الخضراء ومسارات الدراجات، وكذلك عددًا لا يحصى من المبادرات والحملات التي تهدف إلى نشر اللياقة لدى الجميع، تشجع الدولة جموع الشعب على النشاط وتبني الفكر الرياضي ووضع صحتهم على رأس أولوياتهم. وبامتلاكنا كل الأدوات اللازمة لاجتياز الحواجز المادية في أيدينا، فإن عقلية النمو حتمًا ليست بعيدة المنال عن كل فرد.

ثمة عديد من المهارات التي يمكن تنميتها من خلال الرياضة، وكلٌ منها له أهمية خاصة وقابل للتطبيق في حياتنا اليومية، ولا يُشترط أن تكون لاعبًا محترفًا أو بطلًا أوليمبيًا لكي تستفيد منها. وكما قالوا قديمًا: الرياضة هي الحياة، فما فاتك من المهارة، لن يفوتك مع امتلاك عقلية النمو والتحلي بالصبر والإصرار والمثابرة. وذلك هو الفارق الحقيقي بين الخاسر والفائز.

الدكتور ناصر المهنَّدي، نائب الرئيس للتخطيط والتطوير في شركة نفط الشمال. سافر إلى أكثر من 150 بلدًا، وهو مؤسِّس ورئيس نادي الترايثلون القطري. يتوفر كتاب كيف تكون الرجل الحديدي في كل المكتبات في الدوحة وعبر العديد من الموزعين في مختلف أنحاء العالم.

قصص ذات صلة