للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر
الدكتور جيرجيوس ديميتروبولوس، الأستاذ المشارك بكلية القانون في جامعة حمد بن خليفة، يتحدث عن رأسمالية الدولة ومنها صناديق الثروة السيادية والتساؤلات المطروحة بشأنها
يمكن تعريف رأسمالية الدولة على أنها نظام اقتصادي تنهض فيه الدولة بدورٍ فاعلٍ في النشاط الاقتصادي. وثمّة طرق عدّة لتنظيم وسائل الإنتاج وإدارتها، لا سيّما المشاركة الفعلية للدولة إمّا بصورة مباشرة أو من خلال الشركات العامة، التي يُشار إليها باسم المؤسسات المملوكة للدولة.
ويشير الواقع إلى وجود العديد من رأسماليات الدول على غرار الدول، ومن الممكن هنا تحديد ثلاثة أنواع رئيسة منها، هي: رأسمالية الدولة الصينية؛ رأسمالية دول شرق آسيا؛ رأسمالية دول الخليج. يجدر بنا في هذا السياق، أن نشير إلى أن رأسمالية الدولة قد خرجت من عباءة الدولة وصارت نموذجًا عالميًا للتنظيم الاقتصادي؛ وتبعًا لذلك بدأت المؤسسات المملوكة للدولة في العمل على نطاق دولي وبات لها نفوذ اقتصادي هائل عابر للحدود، كما أصبحت صناديق الثروات السيادية – وهي صناديق استثمارية مملوكة للدول تتألف من الأموال العامة المستمدة غالبًا من الاحتياطيات الفائضة للدول – أدوات تفضل الحكومات الاستثمار فيها بصورة متزايدة على المستوى العالمي وعبر مجموعة متنوعة من القطاعات.
في هذا الإطار، يأتي جهاز قطر للاستثمار في مصاف أنجع جهات الاستثمار السيادية على مستوى العالم، حيث تمتلك صناديق الثروة السيادية في الوقت الراهن محافظ استثمارية متنوعة تضم طائفة واسعة من فئات الأصول والصناعات والقطاعات المختلفة، بما في ذلك البنية التحتية. ومن أمثلة ذلك قيام جهاز قطر للاستثمار بتأسيس أذرع استثمارية له، كشركة الديار القطرية للاستثمار في قطاع العقارات، وشركة حصاد الغذائية للاستثمار في قطاعيّ الأغذية والزراعة داخل دولة قطر وخارجها.
مصدر الصورة: Novikov Aleksey، عبر موقع Shutterstock
وتعمل جهات الاستثمار السيادية في النظام الاقتصادي الدولي من خلال المؤسسات المحلية، كالمؤسسات المملوكة للدولة وصناديق الثروات السيادية وغيرها من المؤسسات الاستثمارية الأخرى مثل صناديق التقاعد، وهي تعيد تشكيل محاور الحوكمة العالمية والقانون الاقتصادي الدولي انطلاقًا من القاعدة إلى القمة. كذلك تُفضي رأسمالية الدول إلى إعادة تشكيل أسس الحوكمة العالمية، إلا أنها تثير مسألة حماية الاستثمارات السيادية بموجب اتفاقيات الاستثمار الدولية، وقد تنطوي على تحديات محتملة تعرقل نظام تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول.
وعلى الرغم من سعي المؤسسات المنضوية تحت نظام رأسمالية الدولة إلى إعادة تحديد العلاقة بين الدولة والسوق، يظل هناك تساؤل مختلف مفاده: هل النظام الحالي لقانون الاستثمار الدولي يأخذ موقفًا إيجابيًا أم سلبيًا تجاه رأسمالية الدولة والمؤسسات التابعة لها أم يقف على الحياد منها؟ تتضمن الإجابة عن هذا التساؤل بيان أن الغالبية العظمى من معاهدات الاستثمار الثنائية وفصول الاستثمار المدرجة في اتفاقيات التجارة الحرة كانت إما محايدة بشأن الاستثمارات الرأسمالية للدول أو نصّت صراحةً على حماية الحكومات والمؤسسات المملوكة للدولة و/أو صناديق الثروات السيادية والاستثمارات الخاصة بها. فعلى سبيل المثال، تنص معاهدة الاستثمار الثنائية بين قطر وسنغافورة صراحة على أن "الحكومة والجهات الحكومية التابعة للطرفين المتعاقدين" تندرج تحت تعريف "المستثمر".
مصدر الصورة: Nito، عبر موقع Shutterstock
جديرٌ بالذكر أن الاستثمارات السيادية تتدفق في الغالب من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب. وفي سياق ردّ الفعل الاقتصادي، شرعت الدول في الشمال والغرب في استحداث آليات خاصة بها لتأكيد سيادتها مرة أخرى فيما يتعلق بالاستثمارات الرأسمالية للدولة.
يتزايد تطبيق آليات فحص الاستثمار من أجل السيطرة على تدفقات الاستثمار إلى الداخل من جهات الاستثمار السيادية في الاقتصادات الناشئة. وتُعدّ لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة الأمريكية أبرز مثال على تلك الآليات، إلى جانب لائحة الاتحاد الأوروبي الجديدة لفحص الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي دخلت حيّز التنفيذ مؤخرًا، ويؤمل منها التوفيق إلى حدٍّ ما بين آليات وإجراءات فحص الاستثمار للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، علاوةً على زيادة الفحص الدقيق للاستثمار الأجنبي على مستوى الاتحاد الأوروبي بأسره.
تميل رأسمالية الدولة إلى إعادة تحديد العلاقة بين الدولة والسوق، ما يشير إلى وجود اقتصاد سياسي جديد للحوكمة العالمية وقانون الاستثمار الدولي. وقد أدّى تنوع الجهات الفاعلة، كالمؤسسات الرأسمالية للدولة وتعدد المراكز التابعة لها، إلى تكوين شرائح جديدة من الجهات الفاعلة والمؤسسات في نظام الاستثمار الدولي.
وتوجِب هذه التطورات وضع سياسات استثمار محلية ودولية تتسم بالترابط والشمول نيابةً عن الحكومات، كدولة قطر التي تستعين بالمؤسسات المملوكة للدولة بهدف تعزيز سيادة هذه المؤسسات، مع الحرص على الانسجام مع المتطلبات الدولية. على الصعيد المحلي، أصبح تنظيم عمليات المؤسسات المملوكة للدولة بشفافية ووفقًا للمعايير التجارية أكثر ملاءمة من ذي قبل.
إن تحديد أولويات الاستثمار في قطاعات الاستدامة على المدى البعيد، سيُفضي إلى تحقيق جدوى أكبر من الناحية التجارية بالنسبة لجهات الاستثمار السيادية، وسيقلل كذلك من إثارة تساؤلات الحكومات الأجنبية بشأنها. أمّا على الصعيد الدولي، فسيكون من المهم الاستمرار في صياغة معاهدات الاستثمار الثنائية واعتمادها التي من شأنها حماية الاستثمار السيادي الخارجي، وذلك على غرار معاهدة الاستثمار الثنائية بين قطر وسنغافورة.
ختامًا، يجب أن تدمج هذه السياسة ما يُعرف بالمستوى "المتوسط" لتشجيع الاستثمار الأجنبي الذي يشمل المناطق الاقتصادية الخاصة – كمركز قطر للمال، وهيئة قطر للمناطق الحرة، وواحة قطر للعلوم والتكنولوجيا، عضو مؤسسة قطر، والمدينة الإعلامية في قطر- والمؤسسات التابعة لها مثل محكمة قطر الدولية، ومركز تسوية المنازعات.
تقدّم كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة برنامج دكتور في القانون، من خلال مقرراته مثل قانون الاقتصاد العالمي وحوكمته، إلى جانب برامج الماجستير الجديدة، التي تزوّد الخريجين بالمعرفة القانونية اللازمة والمهارات التي تتلاءم معها، وتساعد في تأهيل المحامين وصانعي السياسات القادرين على مجابهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الجديدة على المستويين المحلي والدولي للحوكمة.
يعمل الدكتور جيرجيوس ديميتروبولوس أستاذًا مشاركًا في كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة، وهو أيضًا باحث مشارك بمركز كلية لندن الجامعية للقانون والاقتصاد والمجتمع، ومركز كلية لندن الجامعية لتقنيات سلاسل الكتل. درس الدكتور ديميتروبولوس القانون في جامعة أثينا، وحصل على درجة الماجستير في القانون من كلية ييل للقانون، وكذلك درجتيّ الماجستير والدكتوراه في القانون بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة هايدلبرغ. وقبيل انضمامه إلى كلية القانون بجامعة حمد بن خليفة، شغل الدكتور ديميتروبولوس منصب زميل بحوث أول في معهد ماكس بلانك لوكسمبورغ، وعمل باحثًا بمركز هاوزر في كلية القانون بجامعة نيويورك.
ينصب اهتمام ديميتروبولوس البحثي على توسيع حدود قانون الاقتصاد الدولي وتسوية النزاعات موضوعيًا ومنهجيًا. كما يجمع بين النُهج المتعددة لشرح العلاقة المعقّدة بين القانون الدولي والمحلي. صدر له العديد من الدراسات والأبحاث المنشورة في الدوريات القانونية المتخصصة، كدورية "مراجعة قانون واشنطن" (Washington Law Review)، و"دورية نورثوسترن للقانون الدولي والأعمال (Northwestern Journal of International Law & Business)، و"دورية تسوية النزاعات القانونية" (Journal of International Dispute Settlement)، و"دورية الاستثمار والتجارة العالمية" (Journal of World Investment & Trade)، و"دورية القانون والممارسة في المحاكم والهيئات القضائية الدولية (Law & Practice of International Courts & Tribunals)، و"دورية القانون والسياسة" (Journal of Law & Policy)، و"دورية ماسترخت للقانون الأوروبي والقانون المقارن (Maastricht Journal of European & Comparative Law).