إظهار جميع النتائج

مستجدات فيروس كورونا (كوفيد-19)

للاطلاع على آخر المعلومات والمستجدات من مؤسسة قطر حول فيروس كورونا، يرجى زيارة صفحة التصريحات الخاصة بمؤسسة قطر

قصة | التعليم
30 June 2020

مقال رأي: مكافحة العنصرية ليست معركة من أجل التمثيل

مشاركة

يقول حازم محمد: "إن التنوع هو الطريقة التي ينتهجها العالم لمكافحة العنصرية. ولكن الجهود المطلوبة لتحقيق ذلك هي أكثر بكثير من ما يمكن للتنوع وحده تحقيقه".

مصدر الصورة: Sirtravelalot، عبر موقع Shutterstock

حازم محمد، خريج جامعة جورجتاون في قطر – إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر- يعتقد أن المنظور السياسي هو بذات أهمية المنظور الشخصي في ما يتعلق بقضية مكافحة غياب العدالة العرقية

مثل العديد من الأفارقة من الطبقة المتوسطة في الشتات العالمي، طالما دفعتني حالات الظلم العرقي التي نشهدها في جميع أنحاء العالم إلى التفكير في كوني من بين الأفراد ذوي البشرة الداكنة في القرن الواحد والعشرين. كان من السهل بالنسبة لي تجاهل تلك التساؤلات والأفكار حتى بلغت سن الثانية والعشرين عامًا، فالتوقعات الاقتصادية للعيش في الخارج قد عنت أن ما جمع بيني وبين المغتربين من الجنسيات الأخرى في البلد الذي كنت أقيم به هو أكثر مما جمعني بالأفراد ذوي البشرة الداكنة في أي مكان آخر.

من يعيشون في دولة قطر من مقيمين، وهو البلد الذي نشأت فيه، قد يشتركون بعض الأهداف، وهي العمل بكل جد وإخلاص، والحصول على تعليم جيد، وحشد الخبرات، التي ربما يستخدمونها بعد ذلك كنقطة إنطلاق نحو فرص أفضل في بلدهم الأم أو في أي دولة أخرى. وعندما حان وقتي للخروج إلى العالم الأوسع، تعرّفت على العديد من الثقافات من مختلف القارات، وبنيت علاقات مهنية في مؤتمرات الشباب الدولية، وأتممت الدراسات العليا لمدة عام في إحدى الجامعات المرموقة بالولايات المتحدة.

حازم محمد

لم يكن لدي إدراكًا حقيقيًا ذاك الشخص ذو البشرة الداكنة الذي يتقبله العالم حتى رأيت الظروف المعيشية التي تعاني منها مجتمعات أصحاب البشرة الداكنة في الخارج. في كل موقع إلكتروني لجامعة، ستجد على الأقل شخصًا واحدًا ودودًا ذو بشرة داكنة يظهر على الصفحة الرئيسية للموقع وهو يروج للجامعة مع طلاب آخرين من أعراق أخرى. ذلك الشخص هو أنا – ذلك الشاب الأفريقي المتعلم الذي يشارك في العديد من الفعاليات الدولية التي تبدو أنها تتنافس دائمًا على إبراز أكبر عدد من الجنسيات الأجنبية الممثلة للتنوع.

ضمان وجود تمثيل كافٍ عبر القطاعات الرئيسية للاقتصاد هو طريقة كل دولة لدرء شبهة العنصرية عنها

حازم محمد

التنوع هو استجابة العالم للعنصرية. حيث أن ضمان وجود تمثيل كافٍ عبر القطاعات الرئيسية للاقتصاد هو طريقة كل دولة لدرء شبهة العنصرية عنها. ربما هذا هو السبب في أنني لا أتذكر تجربة التمييز العنصري طوال هذه الرحلة. فأينما ذهبت، ولأي سبب كان، يبدو أن الجميع كان يتوقع وصولي، وأن كل شيء قد تم إعداده وتجهيزه على أكمل وجه لاستقبال شخص ذو بشرة داكنة يتحدث بطريقة معينة ويعرف سبب وجوده تحديدّا - وإلى متى.

إن الإنطباع الثقافي الذي يقترن بشخص داكن البشرة ومتمدّن يصاحبه العديد من المزايا الإجتماعية، فالتفاعل مع المجتمعات التي قد تُظهر تحيّزات عنصرية دون حسيب أو رقيب يُعتبر أسهل بكثير عندما لا يثير وجودك غير السياسي في بلدهم تحيزاتهم الراسخة. مثل السائح الذي يأتي للاستمتاع بعطلة في بلد ما دون الإهتمام بكيفية أوسياسة حكم تلك البلدان داخليًا، فلم أمثّل أية خطر على من صادفتهم، وأية اختلافات في وجهات النظر قد ظهرت، تم مناقشتها بصورة متحضرة.

قضيت معظم حياتي أتنقل بين البلدان – حيث ولدت في السودان، ودرست في قطر، ثم حصلت على درجة الماجيستير من الولايات المتحدة – وهو ما سبب لي شعورًا دائمًا بأزمة الهوية. لم أكن أعلم أبدًا أن تلك الأزمة ذاتها، كانت بمثابة تذكرتي للخروج من إطار التعرض للعنصرية طوال هذا الوقت. لقد كنت محظوظًا لكوني حظيت بالعديد من التجارب الإيجابية أينما ذهبت، خاصةً لأن أحدًا لم يكن يهتم من أي بلد أتيت، وفي بعض الأحيان، قد يشعر البعض بأن تجربتي مميزة للغاية، حيث أنني أنتمي لكل تلك الأماكن التي قضيت فيها جزءًا من حياتي. وليس هناك شك بأن تجربة أصحاب البشرة الداكنة ذوي الهويات الأكثر رسوخًا هي بعيدة تمامًا عن تجربتي الشخصية.

إذا كان بالإمكان التمييز بين درجات اللون المختلفة لأصحاب البشرة الداكنة، واستخدام ذلك كذريعة لتحديد معايير الإدماج، فهو ليس مفاجئًا أن يفعل الآخرون الأمر نفسه

حازم محمد

مجتمعات أصحاب البشرة الداكنة في أي من بقاع العالم قد تشكلت بهدف البقاء، وهذا بيان سياسي في حد ذاته. وهو بيان غير مريح لأنه يطالب بالمواطنة والحقوق المدنية، على الرغم من أنه لم يطلب سوى اعتراف الدولة بهم كجزء من المجتمع وإقرار المساواة في معاملتهم كبقية مواطنيها. قد لا تبدو هذه مطالب مستحيلة، ولكنها تمثل خطرًا لأنها تهدد بإحداث اضطراب في العلاقات العرقية التي يتم تنظيم المجتمعات حولها.

كما قال صديق لي، وهو أمريكي من أصل أفريقي تعرفت به أثناء دراستي في الولايات المتحدة: "يبدو أن فكرتهم في ما يتعلق بكونك أمريكي هي شديدة الإرتباط بالبشرة البيضاء، لدرجة أن تقبّلهم لنا من ذوي البشرة الداكنة في مجتمعهم قد يهدد بمحو هويتهم الخاصة كمواطنين أمريكيين". بعد ذلك الحديث بثلاث سنوات، اكتشفت خلال إحدى محاضرات العلوم السياسية أن الفيلسوف الجامايكي تشارلز ميلز قد أطلق على ما يحدث الآن مصطلح "العقد العنصري" في عام 1997. وبغض النظر عن كيفية نشأة العنصرية، يبدو أنها ظاهرة قد تم تصديرها بشكل واسع لدرجة أنه لا يوجد مجتمع حاليًا يمكنه تحديد هويته الخاصة من خلال ارتباطها بالبشرة الداكنة، حتى في المجتمعات الأفريقية.

بصفتي مواطنًا سودانيًا، فقد شاهدت عن كثب الانتهاكات العرقية لـ "الفلاتة" في بلدي، وهو مصطلح مخصص للأقليات القبلية التي يزيد من اختلافها الثقافي لون بشرتهم الأغمق نسبيًا. عندما يتم تسييس هذه الكراهية، فإنها تؤدي إلى صراعات مثل أزمة دارفور، حيث كانت القبائل تعاني من العنف العرقي منذ عام 2003، وحتى الحرب الأهلية التي استمرت لأطول من ذلك في جنوب السودان، والتي كانت لا تطاق بالنسبة لشعب جنوب السودان لدرجة أنهم قرروا إنشاء دولة خاصة بهم في عام 2011.

إذا كان بالإمكان التمييز بين درجات اللون المختلفة لأصحاب البشرة الداكنة، واستخدام ذلك كذريعة لتحديد معايير الإدماج، فهو ليس مفاجئًا أن يفعل الآخرون الأمر نفسه، سواء من السكان الأفارقة المهاجرين إلى دول ذات أغلبية بيضاء، أو المواطنين أصحاب البشرة الداكنة المقيمين حيث عاش أسلافهم قبلهم لقرون، فإن الافتراض هو أنهم ليسوا الأشخاص الذين تم إنشاء الأرض لخدمتهم، وهو موقف يبرر الحاجة إلى اللجوء إلى مجموعة مختلفة

طالما أن مكافحة العنصرية متروكة لمنظمات متعددة الجنسيات تدافع بلا نهاية عن المزيد من التمثيل، فحتمًا سنتوقف ونتوب عن تلك الأفعال المهينة التي تم تصويرها على الشاشة بشكل أسرع بكثير من معالجة الظلم المنهجي الذي يحدث في الشارع

حازم محمد

الآن، بعد أن لم يعد بإمكاني تجاهل هذه الاعتبارات، يبدو أن مسألة جنسية الفرد وأصله ترتبط بشكل أساسي بمشكلة العنصرية. بغض النظر عن المستفيدين من هذه المؤسسة، يبدو أنهم تمكنوا من إخضاع أصحاب البشرة الداكنة في موطنهم حيثما ينتمون، ومكافأتهم بالتنوع في خارج بلدانهم، مما أدى إلى اقتلاع جذورهم من أي مكان قد يعتبرونه موطنهم. إذا كان هناك درس واحد استخلصته من حركة سان بابيرز عام 1996 في باريس، فهو أنه حتى الدول الإفريقية، حيث يفترض أن يعيش أصحاب البشرة الداكنة في سلام، تعتمد اعتمادًا هيكليًا على مستعمريها السابقين بحيث يضطر مواطنوها للبحث عن حكومات أكثر تقبلاً وتسامحًا في الخارج.

في ظل كلّ هذه الجوانب المترتبطة بأصحاب البشرة الداكنة في القرن الواحد والعشرين، ليس من المستغرب أن يفضل العالم أن أكون أنا نموذجًا للفرد ذو البشرة الداكنة : "مقطوع من شجرة"، كما يقال في لهجتنا العامية، ومتنقل بين البلدان للحصول على فرص فريدة ولكن بالضرورة عابرة. على الأقل بهذه الطريقة سيعيشون في تلك المساحات التقدمية المخصصة لفئتهم في كل بلد بشكل مؤقت قبل أن يحزموا حقائبهم وينتقلوا إلى محطتهم التالية. تلك المساحات هي مساكن الجامعة، المنازل المعروضة للتأجير على موقعAirbnbs ، مساكن الشركة، والمهرجانات الدولية التي لا تشكل أي خطر على الاهتمامات الوطنية للسكان "الأصليين".

على العكس تمامًا، فإنهم يحققون أفضل ما في العالمين من خلال تحقيق ما يكفي من الانفتاح الذهني ليعلنوا أنهم مواكبين للعصر، مع حفاظهم في نفس الوقت على هوية عنصرية تمتد إلى قرون سابقة والتي تبدو بطريقة أو بأخرى لا تحرز تقدمًا يذكر إذا ما تم مقارنتها بوسائل التكنولوجيا التي قاموا بإختراعها. إنه هذا الموقف الذي لا هوادة فيه تجاه الحالة العرقية للمرء، ورد الفعل السريع للدفاع عن إبقائه في الصورة، أعتقد أنه لن يزول في أي وقت قريب. لكن شيئًا ما يخبرني أن أي جهد حقيقي لمحاربة العنصرية يجب أن يكمن في الاعتراف بأنها مشكلة لن يستطيع التنوع وحده حلها بل أن الأمر يتطلب أكثر بكثير من ذلك.

يقول حازم محمد أن أزمة دارفور هي نموذج لما ينتج عن "تسييس" الكراهية العنصرية. مصدر الصورة: Kursat-Bayhan، عبر موقع Shutterstock

وطالما أن مكافحة العنصرية متروكة لمنظمات متعددة الجنسيات تدافع بلا نهاية عن المزيد من التمثيل، فحتمًا سنتوقف ونتوب عن تلك الأفعال المهينة التي تم تصويرها على الشاشة بشكل أسرع بكثير من معالجة الظلم المنهجي الذي يحدث في الشارع. لقد رأينا بالفعل جيمي فالون يعتذر علنًا لانتحال شخصية كريس روك في بشرة داكنة اللون ، والضغط الآن على جيمي كيميل لتصويره لكارل مالون من الدوري الاميركي للمحترفين في البرنامج الكوميدي “The Man Show” 1999-2004.

مكافحة العنصرية ليست معركة من أجل التمثيل. إنها معركة سياسية بقدر ما هي شخصية. على الأقل، سيتطلب هذا النوع من التأمل الذاتي الذي يساعدنا في كثير من الأحيان على فهم القوى التي تمنعنا من مد الآخرين بالقيم والمعايير التي نشعر بأننا مؤهلون لها بالولادة - وأحيانًا ، بشكل خطير، بطبيعتها.

حازم محمد هو كاتب وباحث سينضم إلى برنامج الدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة تورنتو في سبتمبر 2020. تجمع اهتماماته البحثية بين النظرية السياسية والقانونية والسياسة العامة في سياق مقارنة عالمية. حصل محمد على درجة الماجستير في العلوم الاجتماعية من جامعة شيكاغو في عام 2018، وعلى درجة البكالوريوس في الشؤون الدولية من جامعة جورجتاون في قطر – إحدى الجامعات الشريكة لمؤسسة قطر- في عام 2016.

قصص ذات صلة